عندما يُمنَح (مثقفون) مغاربة الجوائز الكبرى للفرنكفونية كي تؤهِّلهم لتقلّد مسؤوليات حسّاسة عندنا. وعندما يكون الشخص حاملاً لجنسية أجنبية ورئيسًا لوكالة جامعية فرنكفونية ويُبعث إلينا ليتكفَّل بالإشراف على جامعاتنا، أو يعيَّن رئيسًا لشبكة فرنكفونية دولية ويأتي هنا لتمثيلها في مجالات حيوية. وعندما يُنادى على كل الذين أثبَتوا جدارتَهم وكفاءتهم العالية في تجسيد السياسة اللغوية والتعليمية الفرنكفونية والدفاع عنها، لتُوزّع عليهم الكراسي التي أُعِدَّت لهم وفُصِّلت على مقاسِهم، وتُسند إليهم مهمة الإشراف على إصلاح التعليم وبرامج التنمية. عند ذلك كله، ماذا تنتظر أن يصنع هؤلاء وأمثالُهم باللغة العربية؟ هؤلاء هم الذين يقولون إن العربية ما تزال باستمرار في حاجة إلى تهيئة وتنشِئة وإعداد وتدريب وترويض وتَمشِية… لكي نسمح لها بالاستعمال. أمِنْ أمثال هؤلاء الوافدين المتنفِّذين في دواليب الإدارة ومراكز المسؤولية والمتحكمّين في القرار، ينتظر الشعب إصلاح الوضع اللغوي بالمغرب، وهم يرفضون حتى مجرد التحدث إليه بلغة الهوية؟ هل أمثال هؤلاء هم الذين ينتظر منهم الشعب تنفيذ بند بسيط من أول مشروع دستور مغربي وضعته سنة 1908 نخبةٌ وطنية متنوّرة، ورأت أن تبلوَر فيه عددًا من المطالب الوطنية ومنها مطلب يشترط في كل من يُنتخَب لتمثيل الدولة في البرلمان أو موقع المسؤولية أن يكون عارفًا باللغة العربية معرفةً تامةً كتابةً وقراءةً؟ لا. هؤلاء موجودون هنا لمهمة أخرى معاكِسة تمامًا: تدمير العربية ومحاصرتها وتحقيرها، ومواصلة خطة الأسياد في ترسيخ الاحتلال اللغوي، وتحمّل مسؤولية النيابة عنه في الإنجاز وسرعة التنفيذ. موجودون هنا لتهيئة الظروف المناسبة التي يسهرون اليوم على صُنعها صُنعًا وتهييء المناخ الملائم الذي تصبح فيه المطالبة باعتماد العربية لغةً أساسية في التعليم بكل أطواره، مطالبة متأخرة، يكون أوانُها قد فات، ولم يعد من ورائها جدوى، أي بعد تعميم الفرنسية وتعميق جذورها في المجتمع ووجدان الناس وحياتهم العامة، وتغدو شيئًا مألوفًا يتعايشُون معه ويعتبرونه جزءًا من هويتهم الجديدة ونسيجهم الثقافي، وهي الظروف نفسُها التي تصبح فيها المطالبةُ بترقية الفرنسية بنص قانوني، إلى رتبة اللغة الوطنية أو الرسمية الثالثة في البلاد، مشروعةً ومطروحة بحدة… إنها من المطالب المبرمجة في الأجندة، لا تنظر إلا الوقت المناسب لإخراجها.