أصبح من المعتاد، منذ عشرين عاما تقريبا، أن يكون هناك في كل شهر رمضان برامج خاصة بالكاميرا الخفية، تُبتُّ غالبا في أوقات الفطور. وما يلاحَظ على هذه الأعمال التلفزيونية أن مستواها يتراجع عاما بعد عام، وصار الطابَع المميز لها، خاصة في السنوات الأخيرة، هو عدم احترام عقل المشاهد والمتفرج، وعدم ملامسة بذل أي جهد يُذكَر من أجل إبداع أفكار محترمة وذكية، تحترم صحة ذلك الشخص الذي يكون موضوع المقلب، وتحفظ خصوصية ذلك الفنان أو المشهور الذي يتم الإيقاع به في ذلك الفخ. لا سيما بعد أن صار المشاهير هم المستهدفون أساسا بتلك المقالب؛ فمنذ وقت ليس ببعيد، كانت مقالب الكاميرا الخفية تُنصَب للناس العاديين الذي يُلتقى بهم في الشارع أو في مكان عملهم، غير أنه بسبب الفقر في الأفكار الإبداعية والعجز عن استمالة المشاهد، أصبحت الكاميرا الخفية تُنصب للمشاهير والفنانين؛ لأن ذلك أدعى لجلب عدد أكبر من المشاهدات. وطبيعي أن لا يكون هناك أي إشكال في أن يتعرض المشاهير لمقالب الكاميرا الخفية في حد ذاته، ولكن المشكلة تكمُن في أن المُشاهد في كثير من الأحيان يَشعر أن ما يُعرَض أمامه بجملته وتفصيله هو تمثيل محض، بحيث إن كل شيء يتم الاتفاق عليه مسبقا، وعلى المشاهد أيضا أن ينخرط في هذه العملية التمثيلية، ويتظاهر بأنه لم يتفطّن إلى تمثيلية المَشاهد. والشكوك في مدى واقعية هذه المواقف أو تمثيليتها تبقى شكوكا معقولة؛ إذ من المستبعد أن يقبل فنان مشهور بأن يُستثمر في شهرته، ويُسخَر منه بشكلٍ فجّ، ويتم وضعه في مواقف بئيسة، دون موافقته المسبقة ودون اتفاق مسبق على المقابل المادي الذي سيُقدم له مقابل ذلك. وتغدو هذه الشكوك أكثر وضوحا ومعقولية حينما يكون الشخص الذي يُشرف على هذه المقالب، ويُوقع هؤلاء المشاهير فيها هو شخص لم يُعرَف في مساره المهني بشيء آخر غير ذلك، فشهرته كسبها من السخرية من الآخرين وإحراجهم وإيقاعهم في مقالب الكاميرا الخفية. وهي فكرته الوحيدة منذ أن ظهر إلى الساحة الفنية: الضغط على الضيف بالأسئلة التافهة لجعله يفقد التحكم في أعصابه ودفعه إلى التعبير عن مواقف ما كان لِيعبر عنها وهو في تمام هدوئه. فكيف يُعقل، والحالة هذه، أن لا يتفطن هذا الفنان أو ذاك لكون الأمر يتعلق بمقلب كاميرا خفية؟. وإذا كان هناك شيء ميز هذا النوع من البرامج هذه السنة فهو المبالغة في هذه المقالب والزيادة في حجم الاستفزاز، بحيث يصل الأمر إلى حد العنف الجسدي والاشتباك بالأيدي بين مقدم البرنامج والضيف الذي يتم الإيقاع به، بل وتبادل الكلام الفاحش أحيانا، والوصول إلى حالات هيستيرية وحالات إغماء في بعض الأحيان، تقليدا واقتباسا من بعض البرامج الشرقية المشهورة. وبعد كل هذا، حين تبحث عن الرسالة المراد إيصالها، وتتساءل عن الغاية أو الهدف المراد تحقيقه، لا تهتدي إلى أي جواب. بل الحق أن هذه المنتوجات التلفزيوية لا هي ممتعة في حد ذاتها، ولا هي تحمل رسالة يمكن إيصالها للمشاهد. ولا أدري كيف لعاقِلٍ أن يرضى لنفسه أن يُشاهَد في مثل هذه المواقف البئيسة من طرف أبنائه وعائلته وأصدقائه ومن عامة الناس، دون أن يكون من وراء ذلك كله أية فائدة أو رسالة فنية.