في كل رمضان تحمل برامج الكاميرا الخفية موجة من الانتقادات العارمة وسيلا من السب والشتم من المضمون المقدم.. فعلى سبيل المثال تقدم القناة الثانية للموسم الرابع برنامج " مشيتي فيها " .. يتكرر ضمنه نفس المشاهد للسنة الماضية والصراخ والعراكات والسب والشتم ويقدم صورة سيئة على الفنانين الذين يفقدون الكثير من بريقهم ومن احترام الجمهور لهم. نفس الشيء يقال عن الكاميرا الخفية في القناة الأولى" الكاميرا فاشي "… اقتحمت الكاميرا الخفية منذ التسعينيات من القرن الماضي التلفزة العمومية في المغرب وعرفت بعد توالي السنوات نوعا من الانتشار ولكنها ظلت تحمل وجها بشعا وعنفا مبطنا واتفافيات مفبركة ضد المتفرج فضحها الكثير من الفنانين والمشتغلين بهذا القطاع… وهناك من احترف هذا الجانب نظرا لقيمته الانتاجية حتى أضحت الكاميرا الخفية جزءا لا يتجزأ من هويته وعمله ومن ثروته…. وازداد استهلاكها بسبب النظر إلى تجارب دولية بها الكثير من المرونة والتلقائية والمرح المصاحب لها وعمق الفكرة دون عنف ودون سب ودون تطاول.. بينما تراجعت الكاميرا الخفية في المغرب رغم أنها عمرت لأكثر من 30 عاما ولم تنتج "مدرسة " قائمة الذات وظلت تستنسخ تجارب الآخر بصورة هجينة وبسبب سوء القائمين عليها وجشعهم وقلة حيلتهم الفكرية وفراغ المحتوى المقدم وبناؤها على اتفاقيات مُسبقة بين الضيوف وبين المسؤولين عن البرنامج في عملية مكر وخداع وهذا ما أفقد بعض القائمين عليها ومعها بعض المشاهير الكثير من الاحترام والتقدير.. بينما تتجه الكاميرا الخفية في الغرب إلى ابتداع أشكال جديدة من الفرجة المبنية على خفة الفكرة وتقبلها والبحث فيها بشكل جيد كما هو برنامج " أثار كابوناري " بطريقة مبتكرة وإنهاء الطرق التقليدية وعدم الاقتصار فقط على الفنانين وتوسيع الدائرة إلى جمهور أوسع. ظلت في المغرب الكاميرا تراوح مكانها.. جموع من البشر وضحية واحد يتلذذ المشتغلون في الكاميرا الخفية على فضح سوءته وإبراز عيوبه ومحاولة الوصول به إلى حالات من الغضب يفقد فيها شعوره وسيطرته على الذات ويصبح في حالة من الهجيان عوض الاتجاه به في الجانب الأخر من المرح. يسود في برنامج " مشيتي فيها " و " كاميرا فاشي " فقط الغضب والسب الشتم و سيد الموقف. يكرس المشتغلون في السنوات الأخيرة في هذا المجال نظرية أن الفنان شخص سيء بطبعه وأن الصورة التي يقدمها فقط صورة مزيفة. وعلى العكس اتجهت الكاميرا الخفية في التجارب الدولية الرائدة إلى تنفيذ مقالب عفوية بعيدة عن الضرر النفسي وعن تقديم الضحايا والتلذذ بمعاناتهم و منح المُشاهد لحظات من الترفيه الممتع ولحظات من الفرح الكبير. فقد عملت كندا على تأسيس مدرسة قائمة الذات أصبحت لها شهرة عالمية بنوع من التلقائية والفكرة العميقة المشتغل عليها بعناية. وعوض أن تتطور الكاميرا عبر هذا الزمن التاريخي والإمكانيات المتاحة لها في المغرب وفي قنوات القطب العمومي ظلت وفية إلى إنتاج مزيد من "ضحايا الكاميرا الخفيّة" في إطار من اللعب على عواطف المشاهد واستغلال السذاجات. تتفق برامج الكاميرا الخفية " مشيتي فيها " و" الكاميرا فاشي"… على تعذيب وقهر الضحية وليس على فكرة المرح بل ومع الاتفاق المسبق مع "الضحية"، خصوصاً حينما يكون من المشاهير وتحويلهم إلى "ضحايا مفبركين ومزيفين"، تُحقِّق القنوات… في فترة الذروة/ الافطار مردوداً إعلانيّاً وتسويقيّاً ومالياً بشكل كبير. وقد اعتمدت الكاميرا الخفية في بدايتها كبرامج للترفيه تعرض بعض المقالب الظريفة في الشارع العام قبل أن يتهافت عليها " الدخلاء" على إنتاجها ودون أن يقدموا أي شيء يذكر في اسقاط من مزيد من الضحايا كل رمضان. حتى انقلبت تسميتها إلى "ضحايا الكاميرا الخفيّة" وهناك من المشاهير المغاربة من تسببت له في الكثير من الأحيان في حالات نفسية مستعصية بسبب اللامبالاة واللامسؤولية ودون حسابات لمخاطرها النفسية على الأفراد والجماعات. البعد عن التجديد و استنساخ الأفكار وقبول بعض الفنانين على لعب وتمثيل دور"الضحية" وما يصاحبها من عنف وسب ورسم صورة منحطة للمشاهير وحبس الأنفاس والإزعاج جعلها منها برنامجا مزعجا يرفض المشاهد مشاهدته والاتجاه إلى البحث عن تجارب رائدة عبر وسائل الميديا الجديدة. وعوض أن تتجه الكاميرا إلى الاشتغال على فكرة المقلب في قالب اجتماعي وواقعي، ومحاولة التركيز على التفاعل معه بشكل مرح وبشكل فكاهي دون الوقوع في فخ انتاج الضحايا يتجه القائمون عليها في المغرب إلى ترسيخ أن الفنان ليس نبيا وأنه فقط انسان انتهازي .. غاضب.. يمكنه القيام بكل شيء مقابل التعويضات المالية… فقد أكد برنامج الكاميرا الخفية في " مشيتي فيها " و " الكاميرا فاشي "… أنها تحولت إلى "وحش ضاري" يسيء إلى الذوق العام، ويعتدي في كثير من الأحيان على مشاعر وأحاسيس المتفرج وينشر الرعب ويدفع للضحك من سادية مقيتة ورعب مخيف. ومعها أصبحت معظم مقالب الكاميرا الخفية حبيسة السادية والصراخ والعنف بأشكاله ومظهرا من مظاهر الرعب. خرجت الكاميرا الخفية عن لونها و سيطرتها ولم تعد لحظة للضحك والتسلية بل أصبحت غارقة في العنف والسادية رغم الكم الهائل من الانتقادات الموجهة لها… تحولت من فرح إلى غمة لا تنقضي… فقد كانت الفكرة بعد الحرب العالمية الثانية هي معرفة ردود المواطنين ومنها القدرة على تحليل المجتمع وطبيعته ومدى تعايشه وتقبله للآخر محورها التسلية والابتعاد عن العنف بأشكاله المختلفة وليس الانغماس الكلي فيه كما هي تجارب الكاميرا الخفية في المغرب ومن ابتلي بها مع مواعيد الإفطار…