يعتبر شهر رمضان مناسبة سانحة، لإثارة الأسئلة المتعلقة بمنظومة قيمنا، بما يوفره هذا الشهر، أو يفترض أن يوفره، من أجواء تربوية وروحية وتأملية، من شأنها أن تدفعنا جميعا إلا تجديد التفكير في تعاطينا مع موضوع القيم، ونحن نتأمل في الكثير من السلوكات التي تصدر عن الكثيرين منا في هذا الشهر الفضيل، سلوكات أقل ما توصف به، أنها غير عاقلة، وتفتقد إلى الحس التربوي الواعي بفعله ومراده، ما يعني أن ما يتبقى من شعيرة الصيام بالنسبة إلى الكثير من المواطنين والمواطنات، هو الجوع والعطش فقط، وما لهذا شرع الصيام، الذي يقتضي حضوره بيننا، إعادة الإعتبار لقيمنا الأساس، والعمل على تعميقها وتصحيحها، وتجديد الوعي بها، وبدورها المركزي في الزمن المعاصر، فلا تقدم بلا قيم، واضحة وواعية ولها أثر، فما الذي يتحقق من كل هذا اليوم؟ يبدو أننا في حاجة إلى دراسات علمية موضوعية ومدققة، حول ما نحققه، أو لا نحققه من تراكم قيمي، طيلة أيام صيامنا، وعلى مدار أعوام عديدة ؛ فالحديث عن منظومة القيم في رمضان، تعني مجموع السلوكات والتمثلات، وأشكال التفاعل التي نعبر بها، ونصدر عنها، وننجزها في الزمن، بما نحن جماعة بشرية، تريد أن تكون فاعلة، ويكون لوجودها معنى معتبر هنا والآن ؛ ما يعني أن حديث الكثير من الوعاظ، عن القيم بما هي سلوكات فردية، خاصة ومعزولة، لا يبدو مفيدا، في وقت تحول فيه الكائن البشري إلى مواطن مندمج، ومنخرط بالضرورة في مجموعة من المؤسسات، ذات الطابع المدني، الأسرة، المدرسة، الإدارة، الإعلام، الفضاء العام، الشارع، السوق العصري، الطريق، وغيرها، ما يؤكد البعد الجمعي للسلوك المواطن، في الزمن المعاصر؛ والملاحظ أن علاقتنا بالقيم بهذا المعنى المؤسسي والجمعي، تحتاج إلى عمل كثير، ويكفي الوقوف على أشكال تفاعلنا مع جملة من المرافق والمناشط التي تهم هذا المعنى ، وتؤشر على ضعف كبير في سلوكنا المدني ؛ الرغبة غير المفهومة في احتلال الملك العمومي، والبحث عن مسوغات تبريرية لذلك، اللامسؤولية في التفاعل مع الطريق، كنا راجلين أو سائقين، رفع الأصوات حين التواجد في التجمعات، الأسواق، الحدائق، المساجد، المقاهي ؛ الميل الجنوني لدى البعض، إلى تدمير المنشآت العمومية، على قلتها، الملاعب، المنتزهات والمساحات الخضراء. إن الحديث عن منظومة القيم يتطلب الكثير من الوضوح، والبعد عن الكلام الذي يقول كل شيء، لكي لا يقول أي شيء ؛ ما الذي نقصده بالقيم؟، ما هي هذه القيم التي نريدها ونبحث عنها وتهمنا فعلا، لتكون طريقنا إلى التمدن والحضور بين الأمم الآن؟، كيف نتصورها الآن، في زمن المواطنة والدولة المعاصرة؟، وماذا تفعل الحكومات عندنا من أجل بناء هذه القيم وتعميقها، الفردية منها والجماعية، المسؤولية، التفكير الإيجابي، تقدير المواطن الفرد والمؤسسة، إتمام الأعمال وإتقانها، الإشادة والتشجيع في حالة النجاح، والإعتذار وتقديم الحساب، ثم الإنسحاب، في حالة الفشل. موضوعيا يعتبر شهر رمضان مناسبة دالة، لإثارة سؤال القيم، بالنسبة إلينا، والتفكير في أجوبة جديدة، تتلاءم وما يقتضيه مقام المواطنة ، في الزمن المعاصر، بعيدا عن لغة الخلاص الفردي، التي يتحدث عنها الكثير من الوعاظ والعلماء هذه الأيام.