دأبت استفزازا لذاكرتي، ونبشا في أطلال خوالي طفولتي، وربطا لحاضري يومي بماضي أمسي العزيز، أن أصلي الجمعة كلما سنحت الفرصة في عين المسجد الذي احتضن كياني الصغير "مسجد حي الموحدين بتابريكت سلا" وقد عشت الطفولة أصلي الأيام ذوات العدد، وأتركها الشهور ذوات التعداد، ولو عادت بي عقارب ساعة الزمن الدافق في غير انقطاع لما حصل هذا مني وما فعلته أبدا، ولكنها لصوصية إبليس وسرقاته المرتكبة فترة عوائد سن ما دون التكليف… جلست في مقابل منبر المسجد أنظر تارة إلى الخطيب "السيد دريوش حفظه الله" وهو يرتب ورقات خطبته الرسمية، وتارة أخرى إلى وجوه الحاضرين من مريدي الجمعة، علني أعثر عن رسوم وأسماء لطالما شاطرتني وشاركتني سريالية ذلك الزمن البريء، وقد غزا البياض منها دوائب الرأس ورسم الزمن على محياها شواهد المرور… وبعد ترادف الآذانات الثلاث طفق الخطيب وقد أشر قبل الشروع مهمهما بكلمات تحيل محبور الخطبة على الجهة التي كتبته، فتتبعتها في فضول غير تعبدي كمعهود سلوكي التمردي كلما حجرت الوزارة الوصية على واسع ومطلق اختيار الخطيب، ولكنني هذه المرة ما فتئت أن انخرطت في استماع وإنصات مسؤول الوجدان ملتزم الجنان، وقد جاءت الخطبة حبلى بأسلوب الإدانة وتقاسم الهم والغم الذي أناخ مطايا حمله الثقيل على كاهل الشعب الصابر المحتسب، فدمر قدرته الشرائية، وأعاشه في ضيق وقدرة، وحسرة وسدارة… وقد تفنن كاتبها في طرز تفاصيل هذه الإدانة، وساق لها من الأدلة الشرعية ما حاصر به كل محتكر لسلعة، ومهتبل لفرصة اغتناء، ومستبشر بغلاء، أو حزين لرخاء. وإنه لتفنن وطرز متين النسيج يوحي إلى ملقي السمع وهو شهيد، بأن كاتبها لا يخلو أن يكون واحدا من جنس المطحونين بين فكي رحى هذا الغلاء القاهر والتدبير الحكومي العاثر. وإن من ملحظ نقصان هذا الطرز الرفيع أن أدانت سطوره الرسمية ذلك الغلاء القاهر، ولكنها ضربت صفحا وتغافلا عن التعرض ولو بالتعريج المبتسر، والاستطراد الدارج لهذا الاعتساف الحكومي الغادر، وإنما جاءت الإدانة في الخمر مستوعبة لعاصرها وبائعها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وشاربها…وذلك العدل وذلك الإنصاف المجافي التطفيف.