أكد وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أثبتت على مدى أزيد من 17 سنة فعاليتها في مجال التنمية البشرية بالمملكة، وذلك من خلال نهج سياسة للقرب بهدف النهوض بأوضاع الساكنة المعوزة، ورفع التحديات الكبرى للتنمية البشرية بغية تهييئ الأجيال الصاعدة للعب دورها كاملا في المجتمع. وأوضح لفتيت، في معرض جوابه، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين اليوم الثلاثاء، على سؤال محوري حول الحصيلة المرحلية للشطر الثالث من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أن هذه المبادرة تضطلع بعدة أدوار، أبرزها دور المحفز والمحتضن للمشاريع المبتكرة ودور المعبئ والمنسق لمنظومة التنمية البشرية، مشيرا إلى أن المبادرة أنجزت خلال مرحلة 2019-2023 ما مجموعه 25 ألف و500 مشروع ونشاط إلى حدود الساعة، من بينها 8 آلاف وحدة مبرمجة للتعليم الأولي، بمبلغ مالي إجمالي يناهز 10,5 مليارات درهم. وتنضاف هذه الحصيلة المرحلية، يسجل الوزير، إلى منجزات المرحلتين السابقتين المتمثلة في إنجاز حوالي 43 ألف مشروع ونشاط بمبلغ مالي إجمالي قدره 43 مليار درهم، ساهمت فيه المبادرة ب28 مليار درهم. وتابع بأن الجهود المبذولة والتعبئة القوية التي شهدتها المبادرة خلال المرحلتين الأولى (2005-2010) والثانية (2011-2018)، في إطار محاربة الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي وفق استراتيجية شمولية ترتكز على البعد الترابي والمقاربة التشاركية مع مختلف الفاعلين المعنيين بالحقل التنموي، مكنت من بلوغ المغرب الرتبة الثالثة عالميا ضمن تصنيف البنك الدولي لأحسن البرامج والمبادرات الاجتماعية الهادفة. وأشار الوزير إلى أن المرحلة الثالثة لهذا المشروع المجتمعي الرائد اعتمدت في بلورة فلسفتها ورؤيتها الاستراتيجية على التوجهات الملكية، لاسيما تلك الواردة في خطاب العرش لسنة 2018، وكذلك على خلاصات المرحلتين السابقتين، مبرزا أن الورش حقق نقلة نوعية إلى حدود اليوم، من خلال التركيز على الجوانب اللامادية للرأسمال البشري، وتوجيه البرامج للنهوض بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة، ودعم الفئات في وضعية صعبة، وكذا إطلاق جيل جديد من المبادرات الخلاقة لفرص الشغل والمدرة للدخل. كما ذكر بالأهداف الرئيسة للمباردة الوطنية للتنمية البشرية، والمتمثلة في "صيانة كرامة المواطنين وتحسين ظروف عيشهم" من خلال تنفيذ برنامجين؛ الأول يتعلق بتدارك الخصاص على مستوى البنيات التحتية والخدمات الأساسية بالمجالات الترابية الأقل تجهيزا، والثاني يتعلق بمواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة. وفي هذا الصدد، أوضح لفتيت إن المبادرة، في إطار برنامجها الأول الذي رصدت له ميزانية بقيمة أربعة ملايير درهم، تعمل على مواصلة الدينامية المحدثة في انسجام تام مع البرامج العمومية الأخرى، من خلال المساهمة في تقليص العجز في البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية الأساسية، وخاصة في ما يتعلق بإنشاء الطرق والمسالك القروية والمنشآت الفنية والتزود بالماء الصالح للشرب والكهربة القروية والصحة والتعليم وتحسين الخدمات المقدمة في هذين القطاعين اللذين يعتبران أهم أسباب الفوارق الاجتماعية والهشاشة والتهميش، وإحدى المؤثرات الكبيرة في مؤشر التنمية البشرية. ولفت، في هذا الإطار، إلى أن هذا البرنامج يشكل مساهمة المبادرة الوطنية في البرنامج الوطني المسمى "برنامج الحد من الفوارق المجالية والاجتماعية في العالم القروي. أما البرنامج الثاني والمتعلق بمواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة، يضيف الوزير، فقد خصص له مبلغ أربعة ملايير درهم للعمل على تعزيز المكتسبات المحققة من خلال توفير عناية خاصة وذات جودة لفائدة إحدى عشر فئة ذات أولوية، تتوزع بين الأشخاص المسنين والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، والنساء في وضعية هشاشة، وكذا الأطفال والشباب في وضعية صعبة، وذلك بمراكز متخصصة وتقديم المساعدة والمواكبة الضروريتين لها، وكذا العمل على إعادة إدماجها السوسيو- اقتصادي وتيسير اندماجها عن طريق الدعم والتكوين والمواكبة. وفي ما يتعلق بالهدف الثاني للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والمتمثل في "بناء المستقبل" من خلال تذليل المعيقات الأساسية للتنمية البشرية طيلة مراحل حياة الفرد، فقد تم اعتماد برنامجين آخرين جديدين؛ وهما برنامج تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب، وبرنامج الدفع بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة. ولتنفيذ برنامج تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب، فقد تم رصد مبلغ مالي يناهز أربعة ملايير درهم من أجل توفير حلول من شأنها تيسير إدماجهم الاقتصادي، من خلال تقديم خدمات الاستقبال والإنصات والتوجيه والدعم لفائدتهم داخل "منصات الشباب" المحدثة بجل أقاليم وعمالات المملكة والتي فاق عددها المائة منصة، وكذا تحسين الدخل والمساهمة في التنمية الاقتصادية المحلية عن طريق دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من قبيل التعاونيات والمقاولات الصغيرة جدا والمقاولات الصغرى والمتوسطة. وبخصوص برنامج الدفع بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة، أشار الوزير إلى أنه قد خصصت له ستة ملايير درهم، مبرزا أن الوزارة تعمل جاهدة من خلاله إلى تثمين وتطوير الرأسمال البشري في كافة مراحل الحياة بهدف إزالة المعيقات والحواجز التي تعترض التنمية البشرية عبر المساهمة في تحسين صحة وتغذية الأم والطفل والمساهمة في برنامج تعميم التعليم الأولي، خاصة في المناطق القروية والنائية وكذا التخفيف من مظاهر التفاوتات على مستوى التعلم ومحاربة الهدر المدرسي من خلال توفير خدمات الإيواء وتعزيز أسطول النقل المدرسي وتوفير دروس الدعم المدرسي بالمجان، وكذا تعزيز الصحة المدرسية ودعم التفتح لدى الأطفال والشباب عن طريق تطوير الأنشطة الموازية والفنية والرياضية والثقافية. وفي ما يتعلق بالرفع من مؤشر التنمية البشرية، أبرز الوزير أنه "من بين الأهداف التي حددها النموذج التنموي الجديد، الرفع من مؤشر التنمية البشرية إلى قيمة 0,75 في أفق 2035 بدلا من 0,5 حاليا"، مؤكدا أن بلوغ هذا الهدف لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال تظافر الجهود وتحقيق الالتقائية المطلوبة أثناء تنفيذ البرامج. وخلص لفتيت إلى التأكيد على أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تعمل جاهدة لتوفير كافة الظروف الملائمة لتحقيق التقائية قوية بين مختلف المتدخلين، بهدف تفعيل أمثل لبرامجها والتركيز على الأهداف المستقبلية الكبرى التي تكتسي أهمية قصوى كالطفولة المبكرة والتغذية ودعم التمدرس ومحاربة الهشاشة والإدماج الاقتصادي، وكذا مواكبة تنزيل النموذج التنموي الجديد.