يضع الورش المتجدد للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي دخلت مرحلتها الثالثة قبل سنتين، قاطرة تحسين مؤشرات التنمية البشرية المستدامة والشاملة على سكة الإقلاع المنشود، من خلال جعل الرأسمال البشري محورا ثابتا تدور في فلكه مختلف المقاربات التنموية. عنوان المرحلة الأبرز يظل الابتكار عبر إطلاق جيل جديد من المشاريع والبرامج لتوطيد المكتسبات. هذا الورش الملكي الضخم، ذو الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والمجالية المتعددة، والذي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس في 18 ماي من سنة 2005، يروم تعزيز تنمية المجالات الترابية للمملكة بكيفية منصفة، تقوم على تقليص معدلات الفقر ومحاربة الهشاشة في صفوف فئات متنوعة من المواطنين، وتشجيع انخراط الساكنة المحلية في مشاريع مدرة للدخل، تشكل رافعة للتنمية المحلية. وتسعى المرحلة الثالثة (2019 - 2023) من هذا المشروع الملكي، أساسا، إلى تحفيز وتيرة إنجاز مختلف مشاريع المرحلتين السابقتين لتنتقل إلى السرعة الضرورية لبلوغ الأهداف المسطرة، من خلال مقاربات متجددة ترتقي بمنظور التنمية البشرية في بعدها المستدام. "إن الشأن الاجتماعي يحظى عندي باهتمام وانشغال بالغين، كملك وكإنسان (...) فإني أؤكد على التركيز على المبادرات المستعجلة في المجالات التالية (...) ثانيا إطلاق المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بتعزيز مكاسبها، وإعادة توجيه برامجها للنهوض بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة، ودعم الفئات في وضعية صعبة، وإطلاق جيل جديد من المبادرات المدرة للدخل ولفرص الشغل"، هكذا، رسم جلالة الملك، في يوليوز 2018، ومن خلال خطابه السامي المخلد للذكرى التاسعة عشرة لعيد العرش المجيد، ملامح مرحلة جديدة في مسار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إيذانا بتدشين منعطف جديد في المسار الحافل لهذا المشروع الهام. هذه المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تركز في تصورها على أربعة محاور تشمل كلا من تدارك الخصاص على مستوى البنيات التحتية والخدمات الأساسية الاجتماعية بالمجالات الترابية الأقل تجهيزا، ومواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة، وتحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب، وكذا الدفع بالتنمية البشرية للأجيال الصاعدة. في هذا الصدد، وفي إطار المحور الأول، تشير معطيات تضمنها عرض قدمه وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، في نونبر الماضي حول مشروع ميزانية وزارة الداخلية برسم سنة 2021 أمام لجنة الداخلية والجماعات الترابية والبنيات التحتية بمجلس المستشارين، إلى أنه تم، إلى حدود نهاية غشت 2020، إنجاز 541 مشروعا بتكلفة إجمالية بلغت 784 مليون درهم، ساهمت فيها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بمبلغ 687 مليون درهم، وذلك لفائدة نحو 780 ألف مستفيد. وضمن المحور الثاني المتعلق بمواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة، فقد تمت، برسم سنتي 2019-2020، يضيف الوزير، برمجة 988 مشروعا و676 نشاطا بتكلفة إجمالية تجاوزت مليار درهم (814 مليون درهم مساهمة من المبادرة)، وكذا تخصيص هذه الأخيرة لمبلغ 300 مليون درهم موزعة على مختلف عمالات وأقاليم المملكة في إطار دعم المجهودات والإجراءات المتخذة لمحاربة تفشي جائحة (كوفيد-19). أما في إطار المحور الثالث، فقد تمت خلال سنتي 2019 و2020 تهيئة وتجهيز 71 بنية استقبال تحمل اسم "منصة الشباب"، بغلاف مالي إجمالي يناهز 113 مليون درهم، وتوقيع اتفاقيات لتأطير عمليات المواكبة التقنية والتكوين لفائدة الشباب بغرض تعزيز قابلية التشغيل لديهم، فيما تجسدت حصيلة برنامج الدعم الموجه للتنمية البشرية للأجيال الصاعدة برسم سنة 2020، باعتباره رابع محاور المرحلة الثالثة، على أرض الواقع سواء تعلق الأمر بمحور صحة الأم والطفل أو محور التكوين الأولي. خلال السنة التي ودعها العالم في ظل استمرار تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، وعلى غرار باقي القطاعات والقوى الحية في المجتمع، آزرت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية العديد من الفئات الاجتماعية خلال تفشي جائحة "كوفيد 19"، التي أرخت بظلالها على عديد قطاعات ومناحي الحياة، وذلك من خلال مجموعة من المبادرات رامت التخفيف من تبعات الجائحة. في هذا السياق، يستعرض الموقع الإلكتروني للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية مختلف إجراءات الدعم التي قدمتها على مستوى عمالات وأقاليم المملكة، من أجل المساهمة في مواجهة الجائحة وتداعياتها، وشملت على الخصوص التكفل بمصاريف التسيير والتجهيز، وكذا التهيئة لمراكز استقبال الأشخاص في وضعية غير مستقرة. كما همت الإجراءات خلال هذه الفترة الاستثنائية، وفق المصدر ذاته، تسيير وتجهيز دور الأمومة، باعتبارها منشآت استقبال مخصصة لإيواء النساء الحوامل مع اقتراب فترة وضعهن، والحرص على التغذية الجيدة لهن ولأطفالهن حديثي الولادة بالمناطق القروية وشبه الحضرية. خلال هذه الفترة كذلك، وبالنظر للأهمية التي توليها المرحلة الثالثة من برنامج المبادرة الوطنية للأجيال الصاعدة، خاصة ما يتعلق بالنهوض بالتعليم الأولي، تم، ابتداء من 20 أبريل 2020، الشروع في بث برنامج تلفزي تعليمي لأطفال التعليم الأولي على القناة التلفزية الوطنية الرابعة (الثقافية)، يعد ثمرة شراكة ثلاثية الأطراف بين كل من وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والمؤسسة المغربية للنهوض بالتعليم الأولي، ويحرص على تنشيطه مربون متخصصون في المجال، بهدف ضمان الاستمرارية البيداغوجية وتوفير لحظات من الترفيه التعليمي للأطفال وأولياء أمورهم. وإجمالا، ركزت المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على فئة الأطفال عبر تدخلات تندرج أساسا في إطار برنامج "مواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة"، وبرنامج "الدفع بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة". إذ تبرز معطيات على الموقع الإلكتروني للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية أن برنامج "مواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة" يسعى إلى الرفع من جودة الخدمات المقدمة بمراكز الاستقبال وخصوصا فئات الأطفال المتخلى عنهم والأطفال في وضعية الشارع والأطفال في وضعية إعاقة، مع العمل على إدماجهم في محيطهم السوسيو-اقتصادي. كما يهدف برنامج "الدفع بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة"، وفق المعطيات ذاتها، إلى تحسين الوضعية الغذائية والصحية للأم والطفل، وتعميم التعليم الأولي في المناطق القروية والبعيدة، وتشجيع التفوق المدرسي، ومحاربة الأسباب الرئيسية للهدر المدرسي. انطلاقا من المحاور الأربعة لتدخلها، تجعل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من الاستثمار في الرأسمال البشري نواة مختلف تدخلاتها وأساسا لاستشراف المستقبل. وفي هذا الصدد، تسعى المرحلة الثالثة من هذا الورش الملكي الهام إلى ضخ دينامية متجددة تقوم على الابتكار، لتجعل من التنمية المستدامة المتكافئة والشاملة بكافة المجالات الترابية للمملكة رهانا متجددا بتجدد التحديات.