الرباط – تسعى المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2019-2023)، التي رصد لها غلاف مالي إجمالي قدره 18 مليار درهم، إلى إعطاء دفعة جديدة في مسار النهوض بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة، والتصدي للمعيقات الأساسية التي تواجه التنمية البشرية. وتقوم هذه المرحلة الثالثة على “هندسة جديدة” تروم “النهوض بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة، عبر التصدي المباشر، وبطريقة استباقية، للمعيقات الأساسية التي تواجه التنمية البشرية للفرد، طيلة مراحل نموه”، كما جاء في الرسالة السامية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الأولى للتنمية البشرية، تحت شعار “تنمية الطفولة المبكرة، التزام من أجل المستقبل”. هذا الشعار الذي يستمد أهميته وراهنيته من العناية الملكية الخاصة للنهوض بأوضاع الطفولة، باعتبارها عماد المجتمع، وقاطرة المستقبل، من أجل تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة ومندمجة. ومن أجل تفعيل المرحلة الثالثة من هذا الورش الملكي، تم التركيز على أربعة برامج شكلت الأعمدة الأساسية التي بنيت عليها الرؤية الجديدة للمبادرة، يتمثل أولها في “تدارك الخصاص المسجل على مستوى البنيات التحتية، والخدمات الأساسية، بالمجالات الترابية الأقل تجهيزا”. ويهدف هذا البرنامج إلى مواصلة الجهود المبذولة خلال المرحلتين الأوليين للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والمساهمة في الحد من الفوارق المجالية والاجتماعية، وتحسين ظروف عيش الساكنة القروية، وذلك من خلال خمسة محاور ذات أولوية تهم البنيات والخدمات الاجتماعية الأساسية المتعلقة بالصحة والتعليم والكهربة القروية والتزود بالماء الصالح للشرب، وكذا إنجاز الطرق والمسالك. اقرأ أيضا: مختصرات من جهة درعة تافيلالت حول جهود الحد من تفشي فيروس كورونا وفي إطار تفعيل هذا البرنامج برسم سنة 2019، تمت برمجة ما يناهز 521 مشروعا ونشاطا على الصعيد الوطني، يهم محاور الصحة، والتعليم، والماء، والطرق، والكهربة، بغلاف مالي ناهز 684 مليون درهم لفائدة ساكنة تقدر ب 744 ألف نسمة. كما شهدت سنة 2020 المصادقة من طرف أجهزة الحكامة على 484 مشروعا ونشاطا، بمبلغ اجمالي يناهز 600 مليون درهم. أما البرنامج الثاني المتعلق ب “مواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة” فيتوخى إرساء إطار عيش كريم يصون كرامة الأفراد في وضعية هشاشة، ويهم 11 فئة تشمل الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى والمسنين المفتقرين للموارد، والنساء في وضعية هشة، والسجناء السابقين بدون موارد، والمتسولين والمتشردين، والمدمنين، والأطفال والشباب. ويتعلق الأمر كذلك بالأطفال المتخلى عنهم، وأطفال الشوارع والشباب بدون مأوى. وتشمل هذه الأهداف أيضا تقديم الدعم والمواكبة اللازمين من أجل ضمان إدماجهم الاجتماعي والاقتصادي، وكذا تحسين ولوج مراكز الاستقبال، جودة الخدمات المقدمة وضمان استمراريتها مع دعم الجمعيات المسيرة لهذه المراكز. وبرسم سنة 2019، عرف هذا البرنامج برمجة ما يروم 838 مشروعا ونشاطا، بغلاف مالي قدره 431 مليون درهم، حيث يمثل محور بناء وتجهيز مراكز الاستقبال 62 في المائة من الغلاف الإجمالي، بينما يمثل الدعم الموجه لتسييرها 22 في المائة، متبوعا بمحور صيانة هذه المراكز ب14 في المائة، بالإضافة للتكوين وإنجاز الدراسات والبحوث. وبرسم سنة 2020، تم رصد اعتماد مالي بلغ 280 مليون درهم لفائدة عمالات وأقاليم المملكة، ستخصص لتمويل المشاريع المصادق عليها والتي تهم محاور التدخل المتعلقة بهذا البرنامج. أما البرنامج الثالث القائم على “تحسين الدخل، والإدماج الاقتصادي للشباب” فيهم مواكبة الشباب المقاول وحاملي المشاريع، والمساهمة في تطوير إدماج الشباب في سوق الشغل وتعزيز حظوظهم عبر ملاءمة مؤهلاتهم وتطوير مهارتهم الفنية، بالإضافة الى دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ووضع إطار مؤسساتي يشجع على التنسيق بين مختلف المتدخلين في مجال الإدماج السوسيو-اقتصادي للشباب. اقرأ أيضا: المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب يشرع في تشغيل مشروع كهربائي هام خدمة للصناعة الوطنية وفيما يخص أهم إنجازات هذا البرنامج، خلال السنة المنصرمة، فقد تمت تهيئة وتجهيز قرابة 70 منصة للشباب سنة 2019 بميزانية إجمالية بلغت 89.5 مليون درهم، تساهم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في هذا البرنامج ب 75مليون درهم. كما تمت برمجة 536 مشروعا مدرا للدخل في 49 عمالة وإقليما لصالح 3471 مستفيدا، بتكلفة إجمالية بلغت 231 مليون درهم ساهمت فيها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بمبلغ 136 مليون درهم. ومن بين الإنجازات المسجلة كذلك في إطار هذا البرنامج، تشغيل 1780 مربية ومربي في إطار برنامج تعميم التعليم الأولي بالمجال القروي، ومواكبة إقليمجرادة لتشغيل 1500 شاب، وبلورة منظومة للتنمية المحلية في إطار برنامج إنعاش الاقتصاد والتنمية القروية في المناطق النائية بالمغرب على مستوى 12 إقليما بشراكة مع المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي. كما تم أيضا، مواكبة مشروع “دعم الإدماج الاقتصادي للشباب” بجهة مراكش-آسفي، بتمويل من البنك الدولي تبلغ قيمته 55 مليون دولار ومجموعة من الشركاء المؤسساتيين، بهدف دعم تشغيل 25 ألف و500 شاب، وإنشاء 1500 مقاولة ودعم 400 تعاونية. وبخصوص البرنامج الرابع “الدعم الموجه للتنمية البشرية للأجيال الصاعدة”، فيتكون من ثلاثة محاور تشمل تحسين الوضعية الغذائية والصحية للأم والطفل، وتعميم التعليم الأولي في المناطق القروية والنائية، ومواكبة التمدرس ومحاربة الأسباب الرئيسية للهدر المدرسي. وفي محور “صحة وتغذية الأم والطفل”، تمت برمجة مشاريع تهم اقتناء معدات طبية لفائدة 596 مركز صحي على مستوى 14 إقليما بثلاث جهات بالمملكة، وبناء وتأهيل 44 دار للأمومة، واقتناء 107 سيارات إسعاف. وفيما يتعلق بمحور “تعميم التعليم الأولي في المناطق القروية والنائية”، كمحور ذي أولوية لدعم تنمية الرأسمال البشري للأجيال المقبلة، وفي إطار الشراكة مع القطاع الوزاري المكلف بالتربية الوطنية وباقي الفاعلين في المجال التي تنص على إحداث 10 آلاف وحدة جديدة وإعادة تأهيل 5 آلاف وحدة موجودة خلال السنوات الخمس القادمة مع ضمان استمرارية خدمات التعليم الأولي عبر تغطية تكاليف تسيير السنتين الاوليتين بالنسبة للوحدات المحدثة، فقد تمكنت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، خلال السنة الماضية من إحداث 1217 وحدة للتعليم الأولي (بنسبة إنجاز بلغت 100 في المائة سنة 2019) يستفيد منها أكثر من 33 ألف طفل في سن التمدرس بالتعليم الأولي تحت تأطير 1780 مربي ومربية. اقرأ أيضا: أبرز اهتمامات الصحف العربية الصادرة اليوم 25 أبريل كما تميزت سنة 2019 في موضوع ” مواكبة التمدرس ومحاربة الأسباب الرئيسية للهدر المدرسي”، ببرمجة بناء وتأهيل 126 دارا للطالب والطالبة لفائدة 8300 تلميذ، واقتناء 400 حافلة للنقل المدرسي لفائدة 21 ألف و700 تلميذ، واستفادة 4,5 مليون تلميذ(ة) من المبادرة الملكية “مليون محفظة برسم الدخول المدرسي 2019 /2020، فضلا عن إطلاق تجربة نموذجية للدعم المدرسي على مستوى جهة سوس-ماسة استفاد منها في مرحلة أولى 2400 تلميذ(ة) في أفق تعميمها على باقي جهات المملكة. ويمكن القول إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بحكم الطابع الأفقي لتدخلاتها، ودورها كرافعة رئيسية للتنمية الاجتماعية، تعتبر فلسفة ونموذجا جديدا في تدبير الشأن العام، يحتذى به لتوحيد مختلف الجهود، وتعزيز آليات المسار التشاركي على المستوى الترابي، وتنسيق السياسات العمومية، في إطار استراتيجية محكمة المراحل، متعددة الواجهات، متكاملة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية.