تاريخ الحركات الاحتجاجية يعلمنا أن معظم النار من مستصغر الشرر. وليس أخطر من تقريب الشرارة من مادة مشتعلة (المحروقات). يدعونا هذا التاريخ أيضا إلى عدم الاستكانة للهدوء الشعبي الظاهر مهما طال أمده فقد يكون مقدمة لعاصفة شديدة. ويدفعنا الى عدم التعويل على الصمت المطبق، فهو لا يدل على الرضا بل يشير الى تراكم الضغط ، وفي تراكمه خطر على الجميع! (حدث هذا في كل البلدان التي عرفت انتفاضات أو ثورات..) مسألة أسعار المحروقات في المغرب ليست مسألة اقتصادية فقط، تداعياتها اجتماعية وسياسية. والذين يصرون على عدم الاستماع لنبض الشارع يلعبون بالنار، خاصة عندما يكون تاجر المحروقات الأول في البلد هو نفسه رئيسا للوزراء. لا تهم تفاصيل أرباح شركات أخنوش، وهل هي حقيقية أم مبالغ فيها. وإن كانت مجلة فوربس التي لم نعهد عليها كذبا تقول إن ثروته زادت في وقت افتقرت فيه معظم فئات الشعب المتوسطة وما دونها. بغض النظر عن حجم وحقيقة الأرباح، فالمؤكد أن هناك انطباعا عاما بأن الرجل "يستفيد من الأزمة"، والمعلوم في أبجديات السياسية أن الانطباع أقوى من الحقيقة. هذا اذا افترضنا ان الامر مجرد انطباع. لذلك، هناك حاجة حقيقية للاستماع إلى غضب الناس، ومعظمهم لا حسابات لهم سياسية، لولا أن الأسعار بلغت حدا لا يطيقونه! الصمت الذي تعتصم به الحكومة لا يحل مثل هذه الأزمات بل يزدها تعفنا. صحيح، قد لا يكون هناك أي أثر احتجاجي مباشر، ولكن هذا ليس مؤشرا إيجابيا، إنه يعني ببساطة مزيدا من تراكم الضغط! المراهنة على الوقت قد تكون استراتيجية مفيدة بالنسبة للحكومة لأنها عابرة، ولكن ليست للدولة ولا للشعب لأنهما باقيان. عندما تصمت الحكومة في قضية مثل هذه فهي ترسل رسالة يفهم منها على أنها تحتقر الغضب الشعبي، و ليس خيارا مناسبا في علاج الأزمات.