تزامنا مع الارتفاع المهول لأسعار المحروقات وعدم تدخل الحكومة لحماية القدرة الشرائية للمواطنين كما هو الحال في بعض الدول الأخرى كإيطاليا مثلا التي خصصت حكومتها ما يقرب من 30 مليار أورو لدعم الأسر والشركات في مواجهة ارتفاع أسعار النفط. طفى إلى السطح مجددا خلال شهر أبريل المنصرم وبداية شهر ماي الجاري جدل تضارب المصالح وزواج المال والسلطة بالنسبة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، لكن هذه المرة تجاوز الاهتمام بالموضوع حدود المغرب، حيث نشرت جريدة "لوموند" مقالا مطولا أشارت فيه إلى تضارب المصالح بالنسبة لأخنوش باعتباره في نفس الوقت رئيسا للحكومة ومالكا لإحدى أكبر شركات المحروقات التي تراكم أرباحا كبيرة بشكل يعتبره الكثيرين غير شرعي وغير مقبول، أرباح فاقت حسب بعض المختصين 45 مليار درهم منذ التحرير وحتى نهاية سنة 2021. المقال السالف الذكر لقي اهتماما كبيرا وأعادت نشر مضامينه الكثير من المواقع والجرائد الوطنية. التحذير من زواج المال والسلطة، من ابن خلدون إلى بنكيران إلى رجل بوجهين يعتبر عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية من السباقين إلى إثارة جدل زواج المال والسلطة بالمغرب، كان ذلك في الثالث من فبراير 2018 خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السادس لشبيبة حزبه حيث هاجم أخنوش قائلا "زواج المال والسلطة خطر على الدولة، زواج المال والسلطة خطر حذر منه العلماء سابقا والتعامل مع المواطنين لا يحسنه إلا السياسيون". يشار إلى أن العلامة ابن خلدون كان قد حذر في مقدمته من الجمع بين الحكم والتجارة، مبينا أن صاحب الجاه (السلطة) يستفيد بنفوذه في صنع ثروته وهو ما يشكل تهديدا مزدوجا للمال والسلطة وينذر بخراب العمران. وقد عاد موضوع تضارب المصالح وزواج المال والسلطة إلى الواجهة بقوة وشكل مادة دسمة للصحافة الوطنية والدولية خلال شهر أبريل الماضي ويمكن القول بأن مجلة "تيل كيل" قد لخصت الإشكالية بسهولة وعمق حين نشرت على غلافها للعدد رقم 993 صورة لعزيز أخنوش بوجهين وجه رئيس حكومة مستسلم لا يحرك ساكنا ولا يبالي أمام ارتفاع أسعار المحروقات ووجه رجل أعمال سعيد وضاحك يساعده الوضع في مراكمة الأرباح والأموال. فرغم جائحة كورونا ورغم أزمات الاقتصاد المغربي فثروة أخنوش تضاعفت خلال السنتين الماضيتين حسب مجلة "فوربس" الأمريكية حيث تجاوزت سقف 2 مليار دولار بحلول سنة 2022. زواج المال والسلطة بين عجز حلول الأرض والتطلع لحلول السماء لازالت الزيادات المهولة في الأسعار وعلى رأسها تلك المتعلقة بالمحروقات تثير استياء عارما وردود فعل غاضبة لدى فئة عريضة من المغاربة، خاصة أن الجهات المعنية لم تكلف نفسها لا اتخاذ إجراءات من شأنها احتواء الوضع ولا عناء الخروج بتوضيحات وتبريرات مقنعة من شأنها أن تشفي غليل الرأي العام. هذا وفي الوقت الذي تراكم في شركات المحروقات (بما فيها شركة رئيس الحكومة) الأرباح الهائلة تبدو المؤسسات بمختلف مستوياتها عاجزة عن حماية المواطنين. فخلاصات وتوصيات اللجنة البرلمانية الاستطلاعية حول أسعار بيع المحروقات بقيت حبرا على ورق والتحقيق الذي قام به مجلس المنافسة قبل إعفاء رئيسه السابق لا يعرف مصيره وهو اليوم في نسخته الجديدة ينتظر تدخل الحكومة والحكومة تنتظر رأي مجلس المنافسة والأمور تدور في حلقة مفرغة. وأمام هذا العبث وكل هذا العجز لم تجد إحدى النائبات البرلمانيات في الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة عزيز أخنوش إلا تحذيره من عذاب الله مذكرة إياه بالآية القرآنية "وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ، الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ، يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ، كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ". فهل يتعظ أخنوش أم أنه كما قال الشاعر : "لقد أسمعت لو ناديت حيًا.. ولكن لا حياة لمن تنادي ولو نارٌ نفخت بها أضاءت.. ولكن أنت تنفخ في الرماد ". *أستاذ الاقتصاد بجامعة ابن زهر