أنّ الأوّل يسرق من جيبك وجيوب من حولك القرش ليشتري ما يسدُّ به الرّمق ويروي الظَّمأ ويشبع بطونًا تجوع وتعطش.. والثّاني يسرق من جيب عقلك وعقول من حولك العلوم والمعارف، والأفكار والمشاعر، والتُّراث والثَّقافة، والتّاريخ والجغرافيا، والأدب والفنّ، واللُّغة والهويَّة، والدّين والتَّقاليد والعادات والأعراف، والأصول والثَّوابت.. فكلاهما لصٌّ… إلا أنّ أخطر السَّرقات وأعظمها شرًّا وضررًا، وانتهاكًا لإنسانيَّة الإنسان هي تلك السَّرقات التي تخرب المجتمعات والشُّعوب.. وهي التي تنشر الاستهزاء والسُّخرية، والفراغ والعبث والتَّفاهة.. وهي التي تعرّي الإنسان من لباس الحياء والاحتشام والفضيلة، وتدمِّر الأُسَر والبيوت، وتهدم المساجد والصَّوامع، وتنشر الفساد والشُّذوذ والرَّذيلة، وتجهض القيم والمبادئ والأخلاق.. وهي التي تنفي الإنسان خارج بيته وأرضه ووطنه، ليحيا طريدًا مشرَّدًا ويتجرَّع مرارة الذُّل، وانتهاك العرض والشَّرف، والحرِّيّة والكرامة.. وهي التي تخلع الإنسان من كلّ ما ينتسب إليه ويعتزُّ به ويفخر، لتجتثَّه من منبته وجذوره، وليتحوَّل إلى مسخٍ بشريٍّ، ومتحوِّلٍ لمجموعة أجناس مشوّهة لا يمكن تحديد جنسها ولا هويَّتها، ولا تحديد حجم التّهديد والخطر الذي تمارسه على نفسها وعلى أبناء وبنات هذه الأمّة التي صارت أرحامها عقيمة، تنجب كلّ يومٍ صرخة من صرخات الضَّمير الإنساني الذي قد مات، وصرخات تتسلَّق على أكتاف الشُّرفاء..