هوية بريس – الأربعاء 20 نونبر 2013م الحمد لله القائل في محكم التنزيل: "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ". وهذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها هي دين الإسلام، الذي ارتضاه الله للبشرية جمعاء، بعد إكماله وإتمام النعمة به، والذي خلقه الحياء. فالحياء فطرة ربانية فطر الناس عليها، إذا هم رضوا ما ارتضاه الله لهم من دين الحياء، ولكنهم اتبعوا خطوات الشياطين فاجتالتهم عن هذه الفطرة، فلما انعدم الحياء وأفلت الحشمة كان الذي نعاني منه من صناعة الناس ما يشاءون؟ ففي الحديث القدسي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: "إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا". فاتباع خطوات الشيطان من أسباب الخروج عن دين الفطرة والعبث فيها بالفساد لتخريب أخص خصائصها الحياء. والحياء من الخصائص القيمية الجبلية التي حبى الله بها البشر لتكون رادعة داخلية له عن ارتكاب المحرمات، فيرتفع بها عن منزلة الحيوانات. فالإنسان يستحي بطبعه وفطرته، ولا تجده يتجرأ على محارم الله إلا بفساد في هذه الفطرة نتيجة تدخل إبليس وأعوانه. قال تعالى: "فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ". فآدم وحواء -عليهما السلام- رفضا التعري بفطرة الحياء التي جبلا عليها، بعدما غرر بهما اللعين وذاقا من الشجرة، ليكون بذلك الأصل العظيم أن الرقي والتحضر في الستر والحشمة والحياء. وعندما تختل موازين الفطر السليمة وتتعكر بتزيينات إبليس وجنوده تصبح المعادلة معكوسة منكوسة، فيصير التقدم في التعري والازدهار في الإباحية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت". وما المظاهر المخلة بالآداب التي نعاني منها إلا تفسير قاطع وتأويل ساطع لهذا الحديث، فعندما لا يكون الحياء مانعا لك عن ارتكاب المحرمات فاصنع ما تشاء. فلما انعدم الحياء أصبحنا نرى جيلا ناشئا مرتميا في أحضان ما تنفثه الثقافة الغربية من سموم متخذا منها القدوة والأسوة. فلم يعد عيبا أن ترى المومسات الكاسيات العاريات يتظاهرن من أجل حقهن في الفاحشة والبغاء، وتصبح المعاكسات جهارا نهارا، والقبلات سرا وعلانية، وما خفي كان أعظم. وكلها فعال قبيحة توحي بمسخ فطر مرتكبيها وانتكاستها عن طريقها القويم. ولقد أصبح ذوو الفطر السليمة ممن يرون هذه الأفعال تنافي الآداب والأخلاق يُنعتون بالتخلف والرجعية، وهذه التهمة بخصومهم أولى. ورحم الله من قال: إذا قلَّ ماء الوجه قلَّ حياؤه — ولا خير في وجهٍ إذا قلَّ ماؤه حياءك فاحفظه عليك فإنما — يدلُّ على فضل الكريم حياؤه فالحياء خير كله ولا يأتي إلا بخير، ولا خير فيمن انعدم حياؤه، وهو الدواء الناجع للعديد من الآفات. كما قال القائل: ورب قبيحة ما حال بيني — وبين ركوبها إلا الحياء فكان هو الدواء لها ولكن — إذا ذهب الحياء فلا دواء ولقد أحسن القائل: وإذا رزق الفتى وجها وقاحا — تقلب في الأمور كما يشاء فما الحالة التي وصلنا إليها من تدني وانحطاط المستوى الأخلاقي إلا بسبب قلة الحياء، وانعدام الحشمة.