الوقفة الأولى: زعمه أن البنوك لا توجد فيها معاملات ربوية، وهذا شيء تخالفه فيه البنوك نفسها، فعامة البنوك الموجودة على الكرة الارضية هي بنوك ربوية الا (بنيكات) تزعم أنها شرعية لا تتعامل بالربا. لكن هذا الجندي يجعل ذلك (الربا) ليس ربا، وان أبت هذه البنوك نفسها، فهو اذن ممن {يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين} الوقفة الثانية: خلطه بين ربا الفضل وربا الدين، وهذا من جهله المركب العظيم، فربا الفضل قسيم لربا النسيئة وكلاهما يندرجان تحت جنس واحد وهو: ربا البيع، أعني أنهما انما يكونان في البيع خاصة، فالفضل ما كانت فيه زيادة نوع على مثيله الموافق له في علة الربا، والنسيئة ما كان فيه التأخير خاصة دون زيادة. أما الزيادات المرتبة على القروض فهي عين ربا الجاهلية، ويسميها الفقهاء (ربا الديون) أو (ربا الجاهلية)، وهذا الاسم الاخير هو تسمية النبي ص اياه في خطبة الوداع وذلك في قوله (الا وان ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين). وصورته أن يقرضه بفائدة، فان سدد في الوقت المتفق عليه والا زاد عليه فائدة اخرى لقاء تأجيله، وكلما عجز عن السداد زاد عليه الفوائد. حتى يساوي ما عليه من الدين بفوائده قيمة رهنه، فحينئذ يغلق عليه الرهن ويباع ليستوفى من ثمنه سائر الدين بفوائده. وهذا النوع من الربا مجمع عليه بين المسلمين جميعا، وهو الذي جاء به القران، وتوعد الله اصحابه بالحرب، يقول حافظ المغرب ابو عمر بن عبد البر: "وأما الربا الذي ورد به القرآن فهو الزيادة في الأجل يكون بإزائه زيادة في الثمن وذلك أنهم كانوا يتبايعون بالدين إلى أجل فإذا حل الأجل قال صاحب المال إما أن تقضي وإما أن تربي فحرم الله ذلك في كتابه وعلى لسان رسوله واجتمعت عليه أمته " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (4/ 91) ويقول ابو بكر الجصاص الحنفي: "والربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به". ويقول الإمام المتفنن أبو محمد ابن رشد ((اتفق العلماء على أن الربا يوجد في شيئين: في البيع، وفيما تقرر في الذمة من بيع، أو سلف، أو غير ذلك. فأما الربا فيما تقرر في الذمة فهو صنفان: صنف متفق عليه، وهو ربا الجاهلية الذي نهي عنه، وذلك أنهم كانوا يسلفون بالزيادة وينظرون، فكانوا يقولون: أنظرني أزدك، وهذا هو الذي عناه – عليه الصلاة والسلام – بقوله في حجة الوداع: «ألا وإن ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب» وأما الربا في البيع فإن العلماء أجمعوا على أنه صنفان: نسيئة، وتفاضل" بداية المجتهد ونهاية المقتصد (3/ 148). وعلى هذا فما غالط به من الخلاف المنقول عن بعض الصحابة في ربا الفضل لا منجاة له فيه، لأن اولئك الصحابة لا يختلفون في تحريم ربا الدين. الوقفة الثالثة: زعم هذا المعمم الذي يتبرأ منه شيوخ الأزهر: أن فوائد البنوك تخرج على القراض الذي هو المضاربة وهذا القول من أجهل ما يمكن ان يصدر عن انسان ينتمي للفقه، لأنه مناف للواقع أيما منافاة، ومناف لحقيقة المضاربة منافاة بينة صريحة عند من له ادنى مسكة من عقل. بل المال المودع في البنوك هو قرض كامل الأوصاف وإن ظن المودِع لأمواله انه لم يقرض البنك بل حفظ فيه ماله وذلك أن ابسط تعريف للقرض هو : "دفع متمول في عوض غير مخالف له لا عاجلا " كذا يقول الرصاع من أصحابنا، وقيل فيه: "دفع مال لمن ينتفع به، ويرد بدله" ومعنى التعريفين متقارب. وهذا التعريف ينطبق تمام المطابقة على الاموال المودعة في البنوك، فان المال الذي تسحبه من رصيدك ليس هن عين المال الذي وضعته هناك، انما بدله ومثله ولا يمكن تسميته (وديعة) لأن الودائع لا يجوز التصرف فيها الا باذن صاحبها، واذا اذنت للبنك ان يتصرف في مالك فقد جعلته قرضا رغما عنك. ومن الفروق بين القرض والقراض: أن القراض عقد على عمل بين رب المال والعامل فيه، بخلاف القرض فليس فيه عمل. والمال في القراض لا يضمنه العامل ان افلس بلا تفريط، بخلاف القرض فهو مضمون على المقترض فرط أم لم يفرط. والمال في القراض يرد لصاحبه مع جزء من ارباحه، والقرض لا يجوز ان يرد معه شيء من الارباح. فلو كانت الاموال التي يسلفك اياها البنك بفائدة قراضا لوجب ان لا يطالبك بها ولا برأس المال اذا أنت أفلست، والواقع بخلاف ذلك. ولوجب عليه ايضا: ان يحدد لك العمل الذي تقوم به، ويكتب في الوثيقة ان المال الذي اعطاك هو مال قراض لا قرض. وهكذا اذا عكست أعني لو جعلت البنك هو العامل وأنت رب المال، فإن البنك لا يكون عاملا في الواقع، بل هو مصرف للاموال على وجه محرم، ولا يتاجر بها تجارة ظاهرة مباحة، وجعله كالعامل في المضاربة ضلال بين، لأنه ليس كذلك في الواقع. فإن البنك لو كان عاملا لما ضمن لك المال في حال الافلاس، ولكنه يضمنه ويلزم برده كاملا غير منقوص، وهذا مناف لحكم العامل في المضاربة. الوقفة الرابعة: زعمه ان البنوك لا تتعامل مع الفقراء انما مع اصحاب الاموال فقط، وهذا ايضا نوع من السفسطة، ونوع من المكابرة للواقع المشاهد المعلوم. فالبنوك تتعامل مع الصنفين معا، تحصل الأموال من الأغنياء، وتقرضها للمحتاجين، وكل محتاج فهو فقير. فيا عجبا لهذا الانسان كيف يبيع دينه بعرض من الدنيا، وكيف يتبجح بالجهل ويظنه علما، وهو خريج الازهر الذي يفترض فيه ان يكون عالما عدلا ضابطا لما يقول. لله در المغاربة حين قالوا في مثلهم السائر: (كن سبع وكلني).