هوية بريس – الجمعة 05 فبراير 2016 الحمد لله الذي بعث في كل فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضلّ إلى الهدى ويبصرون بكتاب الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وما أسوأ أثر الناس عليهم، ينفون عن دين الله تحريف الغالين وتأويل المبطلين ونزعات الجاهلين، وأشهد أن لا اله الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد: يقول الله جل في علاه: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} آل عمران. قال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه "مفتاح دار السعادة": "استشهد سبحانه وتعالى بأولي العلم على أجل مشهود عليه وهو توحيده فقال: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ}. وهذا يدل على فضل العلم وأهله من وجوه: أحدها: استشهادهم دون غيرهم من البشر والثاني: اقتران شهادتهم بشهادته والثالث: اقترانها بشهادة الملائكة فهذه تزكية وتعديل لهم من الله سبحانه، لأنه لا يستشهد من خلقه إلا العدول الورعون، كما جاء في الأثر المعروف: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين". وعن أبي الدرداء رضي الله عنه في الحديث الطويل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإنّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحض وافر} رواه أبو داو وقال الألباني: صحيح. فهم سادة الأمة وحراس العقيدة وسياجها، فالتأدب معهم وعدم التنقيص من قدرهم والدب عن أعراضهم وذكر محاسنهم ومحامدهم فيه منفعة للمسلمين. لهذا كانت حاجة الأمة إليهم كحاجة الجسم إلى الماء والهواء وهذا أمر معلوم ومتقرر عند ذوي العقول، ألم يقل الله جل جلاله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} الانبياء؟؟؟ أما النيل منهم والتطاول عليهم إنما هو إعلان للحرب على الله ورسول والمؤمنين. قال الإمام الطحاوي رحمه الله في عقيدته: {وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل}. وقال الحافظ ابن عساكر: {واعلم يا أخي -وفقنا الله وإياك- لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أنّ لحوم العلماء رحمة الله عليهم مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، لأنّ الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمر عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على من اختاره الله منهم لنعش العلم خلق ذميم}، وقال أيضا: {ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب}. وقال ابن المبارك رحمه الله: ((من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته)). روى البخاري في صحيحه (برقم:6502)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب))، ومن كان حربا لله تعالى فهو خاسر. قال شيخ الإسلام رحمه الله: ((من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا)، والعلماء هم أهل الإيمان والتقوى حقا فيدخلون بالدرجة الأولى في أولياء الله سبحانه وتعالى. فبتوقيرهم توقر الشريعة لأنهم حاملوها، وبإهانتهم تهان الشريعة، فإذا ذلوا وسقطوا أمام أعين الناس ضاعت الشريعة التي يحملونها ولم يبق لها قيمة في نفوس العباد. وهدا الفعل والله باب ضلالة وإضلال وفساد وإفساد، فإذا جرح شهود الشرع جرح المشهود به، لكن الجهال لا يفقهون ولا يتثبتون. يقول الإمام الذهبي رحمه الله: "رحم الله امرأ تكلم في العلماء بعلم أو صمت بحلم وأمعن في مضايق أقوالهم بتؤدة ثم استغفر لهم ووسع نطاق المعذرة". وفي كتاب "جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر رحمه الله: مَعَ الْعِلْمِ فَاسْلُكْ حَيْثُ مَا سَلَكَ الْعِلْمُ…وَعَنْهُ فَكَاشِفْ كُلَّ مَنْ عِنْدَهُ فَهْمُ فَفِيهِ جِلَاءٌ لِلْقُلُوبِ مِنَ الْعَمَى…وَعَوْنٌ عَلَى الدِّينِ الَّذِي أَمْرُهُ حَتْمُ فَإِنِّي رَأَيْتُ الْجَهْلَ يُزْرِي بِأَهْلِهِ…وَذُو الْعِلْمِ فِي الْأَقْوَامِ يَرْفَعُهُ الْعِلْمُ يُعَدُّ كَبِيرَ الْقَوْمِ وَهْوَ صَغِيرُهُمْ…وَيَنْفَذُ مِنْهُ فِيهِمُ الْقَوْلُ وَالْحُكْمُ وَأَيُّ رَجَاءٍ فِي امْرِئٍ شَابَ رَأْسُهُ…وَأَفْنَى سِنِيِّهِ وَهْوَ مُسْتَعْجِمٌ فَدِمُ يَرُوحُ وَيَغْدُو الدَّهْرَ صَاحِبَ بِطْنَةٍ…تَرَكَّبَ فِي أَحْضَانِهَا اللَّحْمُ وَالشَّحْمُ إِذَا سُئِلَ الْمِسْكِينُ عَنْ أَمْرِ دِينِهِ…بَدَتْ رُحَضَاءُ الْعِيِّ فِي وِجْهِهِ تَسْمُو وَهَلْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ أَقْبَحَ مَنْظَرٍ…مِنْ أَشْيَبَ لَا عِلْمٌ لَدَيْهِ وَلَا حُلْمُ هِيَ السُّوءَةُ السَّوْءَاءُ فَاحْذَرْ شَمَاتَهَا…فَأَوَّلُهَا خِزْيٌ وَآخِرُهَا ذَمُّ فَخَالِطْ رُوَاةَ الْعِلْمِ وَاصْحَبْ خِيَارَهُمْ…فَصُحْبَتُهُمْ زَيْنٌ وَخُلْطَتُهُمْ غَنْمُ وَلَا تَعْدُوَنْ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ…نُجُومٌ إِذَا مَا غَابَ نَجْمٌ بَدَا نَجْمُ فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْعِلْمُ مِمَّا اتَّضَحَ الْهُدَى…وَلَا لَاحَ مِنْ غَيْبِ الْأُمُورِ لَنَا رَسْمُ وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.