كشفت ردود الفعل السالفة لسنة 2005 وما بعدها. و ردود الفعل في الوقت الحاضر هذه الأيام من لدن المسلمين في العالم الإسلامي، تعبيرا منهم عن رفض الإساءة للرسول الكريم، عن أنهم قريبون كل القرب من الموروث الذي خلفه الآباء والأجداد، من آراء وأقوال واجتهادات حول شخص الرسول، في بعد عن الصورة التي رسمها القرآن الكريم له. فكتاب القرآن كان وراء شخصية الرسول، فبه خرج من الغفلة عن الكثير من الأمور التي لا علم له بها من قبل، وبه خرج كل من آمن به من الغفلة والجهل إلى نور الفهم والإيمان. ففضل الله عظيم على نبيه وعلى الذين آمنوا به. قال تعالى"وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما" النساء 113وقال تعالى"نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هدا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين " يوسف3. ولهذا، فمن يريد معرفة الرسول فعليه بالقرآن، ومن يريد معرفة كل الأنبياء والرسل فعليه بهذا الكتاب، مادام يضم قصص كل الأنبياء والرسل، وحيا من الله عالم الغيب والشهادة. أما من اشتغل بغيره فلاشك أنه غافل عن الحق والصواب، وهذا حال الكثير من الناس اليوم، إذ نسي الكثير منهم أن موضوع الإساءة للأنبياء موضوع قديم قدم التاريخ والإنسان، والقرآن يذكرنا بذلك، فكل الأنبياء والرسل تحملوا الكثير من الإساءة والأذى من لدن أقوامهم، إلا أن ذلك لم يشغلهم عن الهدف الأسمى والغاية الكبرى التي بعثوا من أجلها، وهي الدعوة إلى الله الواحد الأحد وتبليغ ما جاءهم من عنده سبحانه. ولم يثبت أن أحدا منهم جعل شغله الشاغل موضوع الإساءة والاستهزاء به، بل جهادهم وشغلهم هو الدعوة والجدال بالتي هي أحسن، وحجتهم في ذلك ما أيدهم الله به من الآيات، لعل أولائك الجاحدين لهم يدركوا الحق ويؤمنوا به. فإن نالوا الإحترام والتقدير من الناس فيلزمهم البلاغ، وإن نالوا الإساءة والأذى فعليهم بالصبر ويلزمهم البلاغ. وحتى لا يشتغل الرسول (ص) بموضوع لا يستحق الاهتمام، وليس من الضروري أن تعد العدة ويحرض الناس من أجله، وهو موضوع الاستهزاء والإساءة له وبمن آمن معه، من طرف الكافرين بالله ورسله، جاء القرآن موجها له ومذكرا أن لا يشغله ذلك عن البلاغ وعن الدعوة، والجدال بالتي هي أحسن فالله سيكفيه المستهزئين قال تعالى " يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون" يس 30. قال تعالى " وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً" (الفرقان41. قال تعالى" وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ الأنعام 10. قال تعالى" وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ" الرعد32. قال تعالى" فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ"الحجر 94-95 إن هم الرسول ليس هو النيل من الذين يستهزئون به ويسيئون له، بل همه الأكبر هو أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وييسر سبل الهداية أمامهم فهو الرسول الرحمة المهداة للعالمين. قال تعالى" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" الأنبياء 107. قال تعالى " وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" العنكبوت 46. قال تعالى" ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" النحل 125 . قال تعالى " وإنك لعلى خلق عظيم." القلم 4 هذا هو الرسول الكريم الذي نال درجة الخلق العظيم باتباعه لما جاءه من عند رب العالمين، فهل المسلمون اليوم يعرفون الرسول بهذه الصورة وبهذا المنهج؟ أم هم في حاجة إلى معرفة نبيهم كباقي الناس؟ خاصة أن الكثير من الخطباء وجدوا في هذا الموضوع مادة دسمة في سب وشتم أعدائهم. ووجدتها الكثير من التنظيمات الأصولية فرصة لتجميع الناس حول هدف موهوم. أنسي المسلمين اليوم أنهم ملزمون بالشهادة على الناس، وذلك بدعوته إلى الحق. وهذا لا يتأتى إلا بالعلم والمعرفة، لأن الله لا يعبد بجهالة قال تعالى " شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" آل عمران 18 قال تعالى " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً" البقرة 143 وهل أدرك المسلمين أن هذه فرصة لمعرفة الرسول الكريم؟ و عقدت الندوات والمحاضرات... وأزيلت الشبهات من أجل هذه الغاية النبيلة. أم أن الناس عاكفون على ثقافة الآباء والأجداد، متوهمين نصرة الحبيب بما يحلو لهم ! إن الرسول ليس في حاجة إلى من يدافع عنه، بل هو في حاجة إلى من يتدبر ما أنزل إليه من ربه، وفي حاجة إلى أناس لهم القدرة على البلاغ وعلى صناعة الحياة بدل الموت. إن كثيرا من الناس في العالم اليوم، غارقون في الجهل بحقيقة الأنبياء والرسل بما فيهم محمد. فمن يبلغهم الحقيقة؟ هل هذه الضوضاء التي عليها المسلمون كفيلة بذلك؟ إن القرآن الكريم يفرق بين موضوع الاستهزاء بالرسل والإساءة إليهم، وموضوع القتال ورد الظلم والاعتداء. فالظلم والاعتداء لا بد من رده وإعداد العدة قصد النصرة. أما الإساءة والاستهزاء فله صلة بالجهل، فينبغي الإعراض عنه، قال تعالى " وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً" الفرقان63 . فهل أعرض عباد الرحمن اليوم عن الجاهلين؟