المرأة ذلكم الكائن الوجودي، الذي يضفي على الحياة جمالا وبهاء، فلولاها -بعد فضل الله تعالى- ما كان للوجود البشري أي معنى، بل ما كان ليستمر الوجود الإنساني لو كانت الأرض بلا نساء. المرأة كائن العظيم في هذا الوجود: ألهمت الأدباء، وحركت ألسنة الشعراء، ووقت خلف جل العظماء، ودفعت الجميع لتقديم واجب المحبة والولاء، فهي أمي، التي حملت بي تسعا، وأرضعتني حولين كاملين، وهي: زوجتي التي حملت أو ستحمل أولادي في بطنها كما حملت بي أمي، وهي ابنتي: صاحبة العطف والحنان، التي تحس بألمي، وتبكي على مرضي، وكانت بالأمس جدتي، وستكون غدا حفدتي. إن أي عاقل لو فكر في هذا، لأوصله صريح فكره إلى ضرورة احترام المرأة وحسن تقديرها، وإكرامها: بدل إهانتها، وإعزازها بدل إذلالها. إن هذا الموضوع كبير جدا: يستحق أن يكون مركزيا في تقييم كثير من الأفكار والمعتقدات على وزانه، فما كان منها حسن الإكرام للمرأة فهو حسن، وما كان مشينا لها، فهو سيء غير جيد. وإن التأصيل: لهذه القاعدة: سهل ويسير: وذلك أن كل الافكار والمعتقدات، تقاس بمدى نجاحها: على المستوى العقلي، والمعرفي، والسلوكي، فما كان فيها في مصلحة الإنسان بالمعنى الكلي للمصلحة، فهو حق وواجب الالتزام، وما كان فيه ضرر كلي على البشرية، فهو باطل وواجب الاجتناب، هذا هو الواجب في الأصول الكلية، أما التصرفات الجزئية والعملية، فهذه ينظر فيها، من جانب خدمتها للمصالح الكلية والمقاصد الكبرى. فما أدى لمصلحة كبرى فهو مصلحة، وما أدى لمفسدة كبرى فهو مفسدة.[1] وبناء على هذا الأصل سوف نناقش الموقف الإسلامي للمرأة، مقارنا مع غيره من المعتقدات المعاصرة، سواء كانت ترجع لدين معين، أو فكر بشري. المرأة والموقف الإسلامي من وجودها ومكانتها: لا يخفى على أحد أن هذا الموضوع يصعب الإحاطة بهي في مقال مختصر، ولكن سوف نشير إلى أوصوله: أولا: المرأة: أصل من أصول الوجود الإنساني: فالمرأة مع الرجل هما البداية لهذا الوجود الإنساني، فإذا كان الإنسان عظيما، فالمرأة تحوز نصف العظمة، والنصف الآخر للرجل: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، فأصل الوجود البشري: هو الذكر والأنثى، فتكريم أحدهما يستلزم تكريم الآخر. ثانيا: المرأة ليست وسمة عار: إن من أعظم القضايا جمالا في القرآن والسنة النبوية: إخراج الوجود النسائي: من دائرة الشعور بالدونية والعار إلى العزة والافتخار حاكما على هذا السلوك: بالحكم الظالم السيء: قال الله تعالى: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } [النحل: 58، 59] إن الآية تقرر في واضح العبارة: أن تلقي الأنثى مولودة يجب أن يكون مثل تلقي الذكر، وإلا خرج الإنسان عن دائرة العقلاء. ثالثا: التكليف الإلهي للإنسان وليس للمرأة أو الرجل: وهذه الحقيقة لا تحتاج إلى استدلال، ويكفي القارئ فيها قول الله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الأحزاب: 35] رابعا: العلاقة بين المرأة والرجل مبنية على المودة والرحمة: يرفع النسويات المعاصرات، في مطالبتهن بحقوق المرأة، أن تعيش الأنثى، ضدا وندا للرجل[2]، وأن يكون مشروعها: هو إخضاع الرجل لرغبات المرأة، فإن رسالة الله الإسلامية تسير عكس هذا، وعكس اعتداء الرجل على الأنثى، وهو بناء العلاقات بين الرجل والمرأة على أساس السكينة، والمودة والرحمة: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21] خامسا: المرأة والإحسان إليها وصية رسول الله صلى الله وسلم: أن يتعب النبي صلى الله عليه وسلم نفسه في تصحيح النظر الفكري والعمل السلوكي، تجاة المرأة: فهذا يكشف عن قصد هذا الدين في إعزاز المرأة وإكرامها مثل الرجل، لكن الأمر يزداد وضوحا: أن تجده صلى الله عليه وسلم يكرر في مناسبات عديدة: يردد [ اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ][3]، ليعطي لكل مسلم يؤمن بالله ورسله ضرورة حسن التعامل مع المرأة. إن هذه الأصول المقدمة بين يديك تكشف عن محاسن النظر الاعتقادي للمرأة والعملي السلوكي معها في الإسلام، وإن معرفة حقيقة هذا أن يقف الناظر فيه بعد تحققه على نظرة الغير خارج الموقف الإسلامي للمرأة في هذا الزمن: من جهة التصور الفكري للمرأة والمعاملات السلوكية، ومن الواجب عدم الفصل بينها: أقصد النظرة المعرفية للمرأة والعمل السلوكي معها، فقد يعامل الإنسان المعاصر المرأة بخلق الحسن نظرا لوجود قانون يحميها، ولكن نظرته الفكرية لا تتغير تجاهها… ولهذا سوف نقف مع مجموعة من النظرات المعاصرة للمرأة مما يحملها الإنسان اليوم في فكره حتى وإن خالفه ي السلوك، أو يدعي حمله في الفكر ويأتي عكسه في السلوك. أولا: نظرة اليهود للمرأة: إن كل يهودي موجود في هذا الزمن أو قبله أو سيأتي بعده، فإن مصدر عقيدته: هي التناخ (التوراة) أو ما يطلق عليه المسيحيون العهد القديم، وعليه فنظرة اليهودي للمرأة منطلقها التوراة والأسفار المحرفة: ولذلك وجب النظر فيها لمعرفة نظرة اليهودي إليها. ولكن استجلاب كل النصوص في هذا يحتاج نفسا طويلا ودراسة مستفيظة ونحن هنا على جناح الاختصار: فقد جاء في سفر التكوين: (3: 1-16) [وكانت الحيّةُ أَحْيَلَ جميع الحيوانات البريّة التي عملها الربّ الإله، فقالت للمرأة: أحقًّا قال الله: لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ فقالت المرأة للحيّة: من ثمر شجر الجنة نأكل. وأمّا ثمر الشجرة التي في وسط الجنة، فقال الله: لا تأكلا منه ولا تَمَسّاه؛ لئلا تموتا. فقالت الحيّة للمرأة لن تموتا. بل الله عالم أنه يوم تأكلا منه تتفتح أعينكما وتكونان كالله عَارِفَيْنِ للخير والشر… فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضًا معها فأكل… فقال الربّ الإله للحيّة: لأنّكِ فعلت هذا ملعونة أنتِ من جميع البهائم، ومن جميع وُحوش البريّة… وقال للمرأة: تكثيرًا أُكَثِّرُ أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادًا، وإلى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك][4] وجاء أيضا في سفر الجامعة:[ فوجدت أمرّ من الموت المرأة التي هي شباك وقلبها اشراك ويداها قيود، الصالح قدام الله ينجو منها أما الخاطئ فيؤخذ بها][5] فهذين النصين وغيرهما يكشفان النظرة الدونية للمرأة باعتبارها مصدر الخطيئة البشرية، وأن وجودها أمر من الموت… ثانيا: نظرة المسيحية للمرأة: المسيحة هي الوارث الشرعي للكتاب المقدس عند اليهود، وهم الذين سموه بالعهد القديم، وسمو أسفار كتابهم بالعهد الجديد، وبالتالي، فكل مواقف للعهد القديم من المٍرأة هو مستصحب في الفكر المسيحي، ولذلك جاء في في تيموثاوس (وآدم لم يغو لكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي)[6]. بل يبلغ التجني من قبل أحد كتاب الأنجيل أن ينقلوا عن السيد المسيح عليه السلام: تعريض المرأة للإهانة النفسية المباشرة، فقد جاء في إنجيل متى: (ثم خرج يسوع من هناك وانصرف إلى نواحي صور وصيدا، وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة إرحمني يا سيد يا ابن داود ابنتي مجنونة جدا، فلم يجبها بكلمة فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين اصرفها لأنها تصيح وراءنا، فاجاب وقال لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، فأتت وسجدت له قائلة يا سيد أعنّي، فأجاب وقال ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب، فقالت نعم يا سيد والكلاب أيضا تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها، حينئذ أجاب يسوع وقال لها يا امرأة عظيم إيمانك ليكن لك كما تريدين فشفيت ابنتها من تلك الساعة)[7]. ويبلغ الأمر مداه أن تتحول هذه النصوص إلى فلسفة عقدية يتبناها رجال الكنيسة، فتصبح المرأة عار على الوجود البشري: حتى يقول أحد قساوستهم: كريستوم – (شراً لا بد منه، وإغواء طبيعياً، وكارثة مرغوباً فيها، وخطراً منزلياً، وفتنة مهلكة، وشراً عليه طلاء)[8]. ثالثا: نظرة الملاحدة للمرأة: يعلم جميع الدارسين للفكر الإلحادي، أنه ليس على نهج واحد في كل قضايا الفكر والاعتقاد، بل ما يؤمن به اليوم قد يكفر به غدا… لكنهم يُجمعون على نسبية الأشياء، وعبثية الوجود، والتفسير المادي للأشياء، وعليه فموقف الملحد من المرأة، هو نفس موقفه من الإنسان، فالإنسان حسب التفسر المادي، هو وسخ كميائي: يعيش بلا غايات ولا أهداف في الوجود:مفارقة للوجود الحيواني: وهي الشبع واللذة، والمتعة، والتكاثر.. ولذلك لا تنتظر من الملحد، موقفا حسنا من المرأة، إذا كان هو نفسه: لا يستحسن وجوده، وعليه فالمرأة كذلك، في نظرة بعضهم شر من وجود الرجل: يقول تشارلز داروين: " المرأة في البيت أفضل من الكلب"[9]. يقول الملحد الشهير شوبنهاور يقول: "المرأة مُهيئة مبُاشرةً لأعمال التمريض والتعليم في طفولتنا المبكرة، ففي الواقع المرأة تركيبتها صبيانية وتافهة وقصيرة النظر.[10]". وعليه فالملاحدة ينظرون نظرة دونية للمرأة، وهذا هو المنسجم مع الإلحاد، الذي لا يعطي قيمة للأشياء إلا بقدر ما تحقق لهم من النفع المادي، وما بقي فلا قيمة له. رابعا: نظرة العلمانية للمرأة: العلمانيون عموما تسمع الدنيا كلها مدى حرصهم على المرأة، وأنه يجب إكرامها، وهذا حقيقة موقف حسن ينبغي التنويه به، لكن حديث العلماني عن المرأة، هو مفصل على مقاس المرأة الغربية، دون غيرها، ولذلك تقوم القيامة عندما تهان المرأة الغربية، ولا تسمع لهم همسا ولا ركزا عندما تهان وتعذب وتقتل المرأة الشرقية، وبالضبط المسلمة، فحقوق المرأة عند العلمانية حقوق عنصرية، تمايز بين النساء، والواقع خير شاهد. بقي من الإفكار المواقف تجاه المرأة، الفكر النسوي، فهو وإن ظهر في البداية على أنهم مدافع عن حقوق المرأة في الغرب، فإنها انتهى بها المطاف، أن لا تكون هي المرأة وإنما على حسب تعبير سيمون دي بوفورا (لا تولد المرأة امرأة بل المجتمع هو الذي يعلمها أن تكون امرأة) [11] وعليه فلن تعطي النسويات أي قيمة المرأة، مادم الأصل هو الجندر وليس الرجل والمرأة. وخلاصة الكلام أن تقدير المرأة وإعزاز شأنها لا يمكن أن يكون خارج النسق الإسلامي، الذي جاء لأجل إكرام الإنسان: فمن ابتغت العزة في غيرها، لن تجد إلا الإهانة أو الضياع، ليبقى الإسلام نور الله في الأرض فمن أخطأه عاش في الظلمات. [1] ومن هنا تعلم بطلان، الفكر النسوي المناهض للإنجاب: لأن رفض الإنجاب وإن كان ظاهر المصلحة المرأة، فهو مفسدة كبرى على البشرية. [2] رجع مقال النسوية والحرب على رجل القش: (https://atharah.com/feminism-and-the-war-on-the-straw-man/) [3] صحيح البخاري، باب الوصاة بالنساء رقم الحديث (5186) [4] سفر التكوين، ترجمة الفاندايك 3: 1-16 [5] سفر الجامعة: ترجمة الفاندايك 7: 26 [6] تيموثاوس 1 ترجمة الفاندايك:( 2: 14) [7] إنجيل متى ترجمة الفاندايك: 15: 21 – 28 [8] وِل ديورَانت، : قصة الحضارة، ترجمة: الدكتور زكي نجيب محمُود وآخرين، دار الجيل، بيروت – لبنان، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس (1408 – 1988) 16/ 187 [9] Charles Darwin, The Autobiography of Charles Darwin 1809-1882, New York pp. 232-233 [10] راجع هذا المقال بموقع الجزيرة: https://www.aljazeera.net/blogs/2017/4/26 [11] أمل بنت ناصر الخريف، مفهوم النسوية: دراسة نقدية في ضوء الإسلام مركز باحثات لدراسات المرأة (الطبعة الأولى 1437-2016)