المشاهدات: 24٬535 ذ. إبراهيم الطالب هوية بريس – الأربعاء 03 فبراير 2016 كما كان متوقعا من وزير الأوقاف أحمد التوفيق، فقد تم عزل الخطيب المفوه يحيى المدغري صباح يومه الأربعاء بعد اجتماع بين الوزير ورئيس المجلس العلمي لمدينة سلا، حيث أمر السيد التوفيق بتوقيف الخطيب دون نقاش معه ولا استفسار له عن وجهة نظره التي حركت الصحافة العلمانية، مما يعطي الانطباع أن السيد الوزير أصبح لا يخرج عن "السطر" الذي يرسمه العلمانيون في التعاطي مع الشأن الديني. فإذا رجعنا إلى نماذج ممن عزلهم التوفيق من الخطباء والوعاظ نجد أن التهمة غالبا ما تكون بليدة تافهة، لا تستوجب العزل، لكن عند ربطها باحتجاجات العلمانيين واللادينيين، أو عند استصحاب الكفاءة العالية والأداء المتميز للخطيب المعزول أو عند التأمل في الموضوع سبب العزل، نخلص إلى نتيجة: تؤكد أن الوزير يزعجه ما يزعج العلمانيين الذين صرحوا أنهم جاؤوا لمحاربة أسلمة المجتمع، ومادام هؤلاء الخطباء يزيدون من تقوية أسلمة المجتمع بكفاءاتهم وأسلوبهم وحياة خطبهم وتفاعل المصلين معها من خلال الحضور الكثيف، واليقظة الكبيرة خلال الخطبة، فطبيعي أن يكون مصيرهم وفق منهج الوزير العزل. ومن نماذج هؤلاء الخطباء نسرد: – رضوان بن شقرون رئيس مجلس علمي بالدارالبيضاء سابقا، التهمة انتقاد استقدام "إلتون جون" ملك الشواذ لموازين. – محمد الخمليشي واعظ وخطيب بفاس، التهمة: انتقاد موازين. – عبد القدوس أنحاس خطيب بالرباط، التهمة: حضوره حفل توقيع كتاب أحد أعضاء جماعة العدل والإحسان. – نور الدين قراط خطيب بوجدة، التهمة: الحديث عن موازين والكيان الصهيوني.. – إدريس الخرشافي خطيب، وأستاذ جامعي يدرس بكلية الشريعة بفاس، التهمة: عدم انضباطه الحرفي بالخطبة الموحدة. – عبد الله نهاري خطيب وواعظ بوجدة، التهمة عدم امتثاله الحرفي لدليل الإمام والخطيب. وغيرهم كثير..، وآخرهم السيد الخطيب يحيى المدغري خطيب سلا، تهمته ربط الزلازل والجفاف بالمعاصي ومنها ترويج المخدرات. لا شك أن ضبط الشؤون الإسلامية مطلوب حتى لا ينالها التسيب، وتنحرف عن المسار الذي يرسمه الإسلام في تأطير المساجد وتحديد الوظيفة المناطة بالخطباء والوعاظ، لكن الأهم من هذا كله أن لا تصبح الوزارة المسؤولة عن الإسلام في بلاد المغرب أداة لترهيب العلماء والوعاظ والخطباء، والتضييق عليهم وتكميم أفواههم. فلصالح من يا ترى يتم عزل كل خطيب يحرك العقول، وينكر ما أمره دينه وعلمه أن ينكره ويعالجه؟ وهل وزارة الأوقاف فوق النقد والمساءلة، رغم اختصاصاتها الحيوية العامة التي تمس العقيدة والدين والسلوك، ورغم تصرفها في أموال الشعب الخاصة (الأوقاف) والعامة (ما يخصص لها من الميزانية العامة) التي تجعلها أغنى الوزارات؟ المغاربة أجمعون يعلمون أن وزارة الأوقاف منذ الملك الراحل وهي وزارة سيادة ولا علاقة لها بالعمل الحكومي ولا نسب إلا كما يقول المغاربة (ريحة الشحمة في الشاقور)، لذا لن ننتظر مساءلة الوزير بشكل فعال -يشفي غليل الآلاف من المواطنين الذين سيسيئهم قرار الوزير-، لا داخل دواليب الحكومة ولا تحت قبة البرلمان التي يحس الوزير وهو يدخلها كأنه يدخل قبة ضريح سيدي شيكر الذي يصرف على موسمه الملايين إحياء للصوفية حتى يحاربوا السلفية. لكن رغم هذا كله فالمغاربة الذين يقلقهم عزل خطبائهم بهذا الشأن المهين ينتظرون من نواب "العدالة والتنمية" وكل الغيورين على كرامة الخطيب والواعظ، أن يسائلوا سعادة الوزير على مواجهته بالعزل لكل خطيب بشكل مزاجي لكنه منسجم على الدوام مع ما يطالب به العلمانيون. فما هي الدوافع السياسية والفكرية الكامنة وراء كل هذه الشدة "الوزارية" في التعامل مع الخطباء والوعاظ؟؟!! إن الخلفية الفكرية التي ينتمي إليها الوزير والتي تأسست لديه من خلال تكوينه الأكاديمي، وقناعاته العميقة بالمناهج الغربية المادية التي يتأسس عليها علم التاريخ والعلوم الإنسانية عامة، لا سيما في تعاطيها مع المسألة الدينية، تتحكم بشكل كبير في منهج تدبيره للشأن الإسلامي، الأمر الذي يجعل السيد الوزير في نظرنا غير مؤهل لتدبير الشأن الإسلامي للمغاربة نظرا لتناقضه الصريح والواضح مع الوظيفة الشرعية والتاريخية للمؤسسات الدينية للمسلمين، بحيث إذا ما أخضعنا منهج السيد الوزير في تدبير الشأن الإسلامي للدراسة والتحليل وصلنا إلى نتيجة حتمية، تجعل من "الإسلام المغربي" -كما يحلو للسيد الوزير تسميته- إسلاما كهنوتيا في خدمة السياسة والسياسيين، يتحكم فيه وفي أحكامه حتى لا يتعارض مع مستلزمات مشروع "حداثي" لا يعترف بدين فاعل مؤطر للسلوكيات الشخصية والأسرية للمواطنين ومعاملاتهم التجارية، المتفرعة عن إيمانهم بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا رسولا. ومما يزيد من شراسة علمانية سعادة الوزير وطغيانها على منهجه في تصريف خطة تدبيره للشأن الإسلامي، تحمُّله لمسؤوليته بعد سنة من أحداث 11 من شتنبر الأمريكية، وقبيل سنة من أحداث الدارالبيضاء، الأمر الذي جعله يبني مشروعه على تصفية "وجودية" لأي خطيب لا يقبل نظام التوفيق الأشبه بالنظام العسكري، الصارم الانضباط. لكن إذا كان دور السيد الوزير يشمل محاربة التطرف والغلو والإرهاب، فإن أهم وظيفة له هو نشر الدين والشريعة وتقوية التدين بين المغاربة، وحفظ كرامة وحرية الخطباء والوعاظ والعلماء من الإرهاب العلماني وتشغيب اللادينيين. فالمغاربة لا يرضون بوزير وصي على دينهم يكون رجع صدى للعلمانيين وأداة عقاب لحراس الدين والشريعة.