لم يكن قرار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتوقيف يحيى المدغري، خطيب مسجد "حمزة بن عبد المطلب" بسلا، بسبب ما اشتهر ب"خُطبة معَاصِي رْيافة"، الوحيد من نوعه، بل سبقته قرارات عزل مثيرة للجدل، في وقت تفضل فيه وزارة أحمد التوفيق أن تبقى صائمة عن إصدار أي بلاغ يبرر للرأي العام قراراتها. خطيب "اليسار" قبل موعد الانتخابات الجماعية التي شهدها المغرب في شتنبر الماضي، وضعت أحزاب "فيدرالية اليسار" شكاية ضد عمر العروش، الخطيب بمسجد "الحاج عبد الرحمان" بالحي المحمدي في الدارالبيضاء، تتهمه فيها ب"استهداف اليسار" و"الدعوة إلى عدم التصويت له في الاستحقاقات الانتخابية ودعم حزب العدالة والتنمية"؛ بعد ذلك بفترة وجيزة، تلقى الخطيب قرار التوقيف من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وتعود تفاصيل العزل إلى خطبة مثيرة ألقاها العروش يوم الجمعة 14 غشت المنصرم، حول "ثورة الملك والشعب" و"عيد الشباب"، تحدث فيها بإسهاب عن "احتفالات الشعب المغربي بهاتين المناسبتين"، مشيرا، في تصريح سابق لهسبريس، إلى أن العبارة التي أثارت الوزارة، وكانت سببا في مراسلته في البداية وعزله في المرحلة الثانية، هي قوله إن "جميع الإيديولوجيات باءت بالفشل بدءً من الماركسية والاشتراكية". "عاصفة الحزم" و"بلمختار" دفع إعلان انضمام المغرب إلى عملية "عاصفة الحزم" العسكرية التي تقودها العربية السعودية ضد معاقل الحوثيين في اليمن، خطيب جمعة بمسجد محمد السادس في وجدة، وهو نور الدين قراط، إلى الخوض فيما وصفه "دور بعض الدول العربية التي رفعت شعار عاصفة الحزم في تقسيم المنطقة وجعلها على حافة الهاوية"، إلى جانب خطبة انتقد فيها وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، رشيد بلمختار، لكونه "يتنكر للعربية"، وهي المواقف التي عجلت بعزله في يونيو من العام الماضي. خطبة "موازين" في صيف 2013، قرر التوفيق توقيف محمد الخمليشي، الخطيب بمسجد "الإمام علي" بفاس، إثر حديثه في خُطبتي جمعة عن "مهرجان موازين" بالرباط و"مهرجان الموسيقى الروحية" بفاس، مبررا القرار بكون موضوع الخطبتين "يتنافى مع الضوابط المنصوص عليها في دليل الإمام والخطيب والواعظ، وتعليمات المذكرة الوزارية التي تلزم خطباء الجمعة بكتابة خطبهم وعدم ارتجالها مهما كانت الأسباب والدوافع". الحادثة دفعت فريق حزب العدالة والتنمية البرلماني إلى طرح سؤال شفوي حول الموضوع داخل مجلس النواب، أمام وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، الذي قال إن القرار كان واضحا وأن صاحب "خطبة موازين" قال موقفا "لا يتفق معه الكل، وهو محط اختلاف بين الناس والفقهاء". "ذنوب ريافة" في آخر جمعة من شهر يناير الماضي، صعد يحيى المدغري على منبر مسجد "حمزة بن عبد المطلب" بحي سيدي موسى بمدينة سلا، ليخطب في الناس وهو يعلق على الهزات الأرضية التي ضربت منطقة الريف في الأسبوع ذاته، إذ وصف الواقع "نتاج غضب إلهي على ما يقترف بالمنطقة من تجارة مخدرات وغيرها من الموبقات"، مضيفا أن الناس جرحوا "ليس بسبب الزلزال، وإنما بسبب الرعب الذي جعلهم يفعلون المنكر في أنفسهم". نقل الخطبة بالصوت على مواقع التواصل الاجتماعي كان كفيلا ليثير موجة من الغضب العارمة على خطبة المدغري، الذي بدا غير موفق فيها لاعتبار التضامن الوطني الحاصل إثر الزلزال الذي هز منطقة الريف، حيث انهالت عليه المواقف الرافضة لمضمون خطبته والمطالبة باعتذاره، قبل أن يصدر قرار عزله من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، رغم خروجه في شريط فيديو يعتذر لأهل الريف وباقي المغاربة. خطبة "رأس اليهودي" خلال الأسبوع ذاته، تقرر توقيف خطيب مسجد "مولينا" وسط العاصمة الرباط، عبد الله المودن، بسبب تناوله، في خطبة سابقة، موضوعا همّ "تربية الأبناء"، موردا حديثا عن "حز عمة النبي عليه الصلاة والسلام لرأس يهودي بالسكين أثناء غزوة الأحزاب"، وهو ما عده أحد الحاضرين "إشادة بأفعال تنظيم داعش"، الذي اعتاد قطع الرؤوس في حق أسراه. وتورد مصادر إعلامية أن الخطبة تزامنت مع حضور وزير الثقافة محمد الأمين الصبيحي، الذي اعتاد الصلاة في المسجد المذكور لقربه من مقر وزارته، مشيرة إلى أن هو من قام بإبلاغ المعنيين عن الخطبة. الوزارة تدافع إثارة جدل عزل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية لأعداد كبيرة من الخطباء، في السنوات الأخيرة، دفعه إلى الخروج ببلاغ نادر مطلع العام 2013، أكد فيه أن عدد الأئمة والخطباء المعزولين بلغ 157 إماما وخطيبا من أصل أزيد من 21 ألفا، ما بين 2003 و2012، موردا أن أسباب عزلهم تعود ل"عدم الالتزام بثوابت الأمة"، و"فقدان الأهلية الشرعية"، و"عدم التزام الحياد في الانتخابات"، و"الخروج عن السياق الشرعي والخوض في الحساسيات السياسية"، وأيضا ل"سلوك لا أخلاقي أو إدانة قضائية". ورغم ذلك، يسجل على الوزارة أنها تبتعد عن إثارة قضية عزل وتوقيف خطباء الجمعة وعدم تبرير قراراتها عبر بلاغ توضيحي، سيرا على نهج باقي الوزارات الحكومية، إلا أنها تحيل، على لسان أحمد التوفيق، الماسك بحقيبتها منذ سنة 2002، على "دليل الإمام والخطيب والواعظ"، الذي أعدته رفقة عدد من العلماء، وصادق عليه المجلس العلمي الأعلى. الدليل يشير إلى أن الخطيب يلقي خطب الجمعة ويعدها وفق "المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف كما درج عليه المغاربة وثوابت الأمة وفي احترام لاختياراتها"، بما فيها "الخطب التي يتلقاها من الوزارة أو من المجلس العلمي"، مشددا على أن "الإمام في المسجد نائب عن الأمة بما هو نائب عن أمير المؤمنين". وترى وزارة الأوقاف أن الضوابط التي يجب على الخطيب الالتزام بها في الجانب المهنجي هي "تجنيب المنبر المعارك الشخصية والسياسية والإعلامية"، و"مراعاة المستويات الثقافية والتخصصات المختلفة"، و"تجنب إعلان الفتوى من فوق المنابر"، مع "الإيجابية بدل العدمية"، و"توظيف أساليب التقريب والتحبيب في الخطاب".