الأربعاء 14 أكتوبر 2015 سقطت مقالة السيد الطاهر بنجلون، الصادر بالموقع الإلكتروني "Le360" حول موضوع المراسلة الموجهة من طرف وزارة الاتصال لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" في ترويج اتهامات وأحكام قيمة غير مفهومة، وكان من المفروض التحري الدقيق قبل إطلاقها، وهنا لا بد من التوقف عند بضعة ملاحظات منهجية وموضوعية. فأولا، منظمة "هيومن رايتس ووتش" ليست مقدسة أو معصومة أو لا يمكن مناقشتها، والقبول بذلك مناف لمبادئ الحرية وضمنها حرية التعبير، فهل هي طابو جديد لا يمكن الاقتراب منه. ثانيا، إن دعوة المغرب لهيومن رايتس ووتش كانت دعوة للحوار من أجل وضع قواعد للتعاون بما يخدم النهوض بحقوق الإنسان، مثل ما هو حاصل مع باقي المنظمات الحقوقية والمؤسسات الأممية. ثالثا، ليس للمغرب ما يخفيه، ومجرد التفكير بأنه خائف من أن يطلع الآخرون على ما يقع عنده أمر غير مقبول، خاصة في زمن ثورة المعلومات وتكنولوجيا المعلومات، ففي مختلف الظروف في الأقاليم الصحراوية الجنوبية بقي الأنترنت مفتوحا، إيمانا بأن المغرب ليس لديه ما يخفيه، ولهذا فانفتاح المغرب على المنظمات الحقوقية والآليات الأممية لحقوق الإنسان مستمر وآخرها زيارة المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحق في التغذية، وقبلها زيارة المقرر الأممي الخاص بالتعذيب والمقرر الأممي الخاص المعني بالاتجار في البشر، وغيرهم. وهذا ما أكده تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الأخير حول قضية الصحراء المغربية والذي قدم فيه إحصاءات رقمية دالة حول عدد بعثات حقوقية عدة تزور المغرب. ولهذا يعد المغرب نموذجا في المنطقة على مستوى الانفتاح على الآليات الحقوقية العالمية، وليس في النية التراجع عن ذلك، لكن في المقابل لا يمكن استغلال هذا الانفتاح للمس بصورة المغرب وبمصداقية الإصلاحات الهامة المنتهجة. رابعا، وهنا سأثير أمثلة دالة من بين عشرات الأمثلة على التعامل المنحاز وغير المنصف والمفتقد للموضوعية والتوازن، ويتعلق الأمر بالسياسة المغربية الجديدة للهجرة، حيث تمت محاسبة هذه السياسة من طرف المنظمة بناء على عشرات المزاعم والاتهامات التي تم تسجيلها قبل اعتماد هذه السياسة في أكتوبر 2013، في حين أن تقرير المنظمة صدر في فبراير 2014 بعنوان "انتهاك الحقوق والطرد… المعاملة السيئة للشرطة للمهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء في المغرب". كما أن المنظمة لم تقدم للمغرب كافة هذه المزاعم والاتهامات الواردة من أشخاص ليقول رأيه بصدد الأدلة والشهادات المعتمدة، بل اقتصرت على تقديم بعضها فقط. نفس الأمر بخصوص التقرير المتعلق بقضية الصحراء المغربية بعد زيارة المنظمة لمخيمات تندوف، والذي عمل على وضع المغرب والبوليساريو في نفس المستوى، وتعاطى باستخفاف بلغ حد التجاهل لدور الجزائر، ويمكن للسيد بنجلون أن يعود لما يناهز عشر تقارير وبلاغات ومقالات صدرت عن هذه المنظمة حول قضية الصحراء في حوالي سنة ونصف، ليقف بنفسه على حجم هذا الانحياز الشديد. إن من حق المغرب ومن واجب حكومته أن تكون معنية بالصورة النمطية السلبية التي تنتج عن تقارير وبلاغات هذه المنظمة، لما ينتج عنها من تبخيس للإصلاحات، ولهذا ما دعونا إليه هو حوار تقدم فيه المنظمة توضيحاتها حول حالات الانحياز الموثقة وذلك لتأسيس تعاون يضمن التعاطي المنصف عوض ما نراه من تضخيم اختلالات أو تجاوزات معزولة. وعلى كل، فإن الرسالة التي تم توجيهها للمنظمة كانت منتجة، حيث أن المنظمة استجابت لطلب الحوار. وليس من حق الطاهر بنجلون أن يصادر حق المغرب في أن يدافع عن صورته وعن حقه في انتقاد هذه المنظمة، أو يروج للخوف منها أو من غيرها، فليس للمغرب ما يخفيه، كما أن غيرها من عشرات المنظمات تنشط في المغرب بكل حرية. كما يمكن للسيد بنجلون أن يعود خلال السنة ونصف الماضية إلى حوالي 25 تقريرا وبلاغا ومقالا صدر عن هذه المنظمة ليرى مغربا آخر غير المغرب الذي يعرفه، اللهم إلا إذا كان غير قادر على الرؤية السليمة، ويمكنه أن يتساءل كيف أصبحت حالات معزولة ومتناثرة هي الصورة السائدة عن المغرب. إن شمس المغرب لا يمكن أن يغطيها غربال تقارير هذه المنظمة. ختاما، ما كان منتظرا من السيد بنجلون هو موقف منصف، وليس اجترار موقف منحاز يسقط في دعم التبخيس، بل إن الأجدر به أن يدعو إلى الحوار، على اعتبار أن ما يطلبه المغرب هو أن تتعامل معه هذه المنظمة مثلما تتعامل معه باقي المنظمات الحقوقية والهيئات الأممية، وذلك وفق قواعد الأخلاقيات المتعارف عليها عالميا في تنظيم العلاقة بين الدول والمنظمات الحقوقية. مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة.