تحوّل الموقف الحكومي من المنظمة الحقوقية الأمريكية «هيومن رايتس ووتش» إلى مواجهة قوية بين مثقف ومسؤول حكومي، كشف بوضوح عن وجهتي نظر متعارضتين فيما يخص الموقف المطلوب في علاقة الدولة بالمنظمات الحقوقية. المواجهة اشتعلت بين الروائي والمفكر الفرنسي من أصل مغربي، الطاهر بنجلون، ووزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي. والسبب مقال رأي علّق فيه بنجلون على مراسلة سبق أن وجهها الخلفي إلى مدير منظمة «هيومن رايتس ووتش»، دعاه فيها إلى حوار من أجل وضع قواعد للتعاون، وانطوت الخطوة في حد ذاتها على انزعاج رسمي من التقارير التي تصدرها حول المغرب. بنجلون اعتبر أن رسالة الخلفي الموجهة إلى كينيث روث، مديرة «غير ضرورية وعديمة الفائدة»، كونها تنطوي على موقف يعتبر أن هذه المنظمة الأمريكية تتبنى «توجها منحازا ضد المغرب»، مؤكدا بخلاف الموقف الحكومي، أن عمل هذه المنظمة يتميز ب»الاستقلالية» و»الشفافية» و»الموضوعية». في المقابل ردّ الخلفي على كلام بنجلون بالقول إن مقالته «سقطت في ترويج اتهامات وأحكام قيمة غير مفهومة»، وكان «من المفترض التحرّي الدقيق قبل إطلاقها»، متسائلا عما إذا كانت «هيومن رايتس ووتش» أصبحت منظمة «مقدسة أو معصومة أو لا يمكن مناقشتها»، وأنها «طابو جديد لا يمكن الاقتراب منه». وفي الوقت الذي دعا فيه بنجلون المغرب إلى ترك أبوابه مشرعة في وجه المنظمة، وألا يتخوف من تقاريرها، إن كان فعلا ليس هناك ما يخفيه أو يخفيه، على اعتبار أنه إذا كانت هناك أشياء غير صحيحة في تقاريرها فيمكنه الرد عليها بالحجة والدليل. ردّ الخلفي قائلا: «ليس للمغرب ما يخفيه»، وأضاف أن «مجرد التفكير بأنه خائف من أن يطلع الآخرون على ما يقع عنده أمر غير مقبول، خاصة في زمن ثورة المعلومات وتكنولوجيا المعلومات»، وتحدث الخلفي عن «أن انفتاح المغرب على المنظمات الحقوقية والآليات الأممية لحقوق الإنسان مستمر، وآخرها الزيارة المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحق في التغذية، وقبلها زيارة المقرر الأممي الخاص بالتعذيب والمقرر الأممي الخاص المعني بالاتجار في البشر، وغيرهم». وبينما أورد بنجلون ما يثبت أن عمل المنظمة يتمتع بالاستقلالية والشفافية، كشف أن «هيومن رايتس ووتش» سبق أن طلبت منه أن ينضم إلى فرعها بفرنسا، ومن أجل ذلك، حاول الاستفسار عن وظيفتها، وكذا شفافية عملها وموضوعيته، وأكد قائلا: «لقد اكتشفت أنها لا تتلق ولو سنتيما واحدا من أية دولة، وأن تمويلها تحصل عليه من خلال التبرعات والهبات»، عبر مانحين يعطون بدون حدود، وفوق «كل ذلك، فإن كل شيء يمكن التحقق منه». واعتبر بنجلون أن ذلك هو مصدر «استقلاليتها، وقوتها، وفخرها». وعن موضوعيتها، أضاف بنجلون، أنه يمكن الرجوع إلى تقاريرها، وهو ما يؤكده تقرير 2014، إذ لاحظ أن كل الدول 87 التي تضمنها التقرير، خضعت للمعايير نفسها «بدون تهاون أو نسيان». بدءا من الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تتوفر على وسائل إعلام قوية، تدافع وترافع عن حقوق الإنسان مهما كان سلوكها، إلى إسرائيل. وقال بنجلون إن منظمة «هيومن رايتس ووتش» لا تخضع لأية ضغوط كيفما كانت، ولا تعترف بالمحرمات، كما أن تقاريرها حول مختلف الدول تشمل الإيجابيات والسلبيات، سواء تعلق الأمر بالدول النامية أو تلك المعروفة تاريخيا باحترامها لحقوق الإنسان، مؤكدا أن ذلك هو «مصدر قوتها». وأضاف أن هذه المنظمة تعتمد على باحثين ترسلهم إلى كل مكان، ويعيشون في البلدان التي تشملها التقارير والأبحاث التي تصدرها، ويتحرون الدقة والمصداقية في العمل، قبل الحكم على أية دولة. مؤكدا أن هذا العمل هو الذي أكسب المنظمة «سمعة عالمية»، ويجعلها «تحظى بالاحترام»، بل وجعل دول كبرى مثل فرنسا وأمريكا تخشى منها وتحترمها كذلك، لأن تقاريرها «شفافة وموضوعية وتستند إلى الأخلاقيات». من جهته، اعتبر الخلفي أن هناك «العشرات من الأمثلة على التعامل المنحاز وغير المنصف والمفتقد للموضوعية والتوازن» في تقارير المنظمة، وضرب المثال «بالسياسة المغربية الجديدة للهجرة، حيث تمت محاسبة هذه السياسة من طرف المنظمة بناء على عشرات المزاعم والاتهامات التي تم تسجيلها قبل اعتماد هذه السياسة في أكتوبر 2013»، في حين أن تقرير المنظمة صدر في فبراير 2014 بعنوان: «انتهاك الحقوق والطرد.. المعاملة السيئة للشرطة للمهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء في المغرب». كما أن المنظمة لم تقدم للمغرب كافة هذه المزاعم والاتهامات الواردة من أشخاص ليقول رأيه بصدد الأدلة والشهادات المعتمدة، بل اقتصرت على تقديم بعضها فقط.