شد الحبل بين المنظمات الحقوقية العالمية والمغرب لا يزال مستمرا، ولا يبدو في الأفق أن هناك انفراجا قريبا في العلاقات المتوترة بينهما، فقد أعاد التقرير الذي أعدته منظمة «هيومان رايتس ووتش» النقاش إلى الواجهة حول رحابة صدر الحكومة لتقبل الانتقادات التي توجهها منظمات كثيرة إلى المغرب في مجال حقوق الإنسان، وخاصة حرية التعبير والتجمع وحق تأسيس الجمعيات. المغرب يقول إنه يمثل حالة استثناء في محيطه الإقليمي بدليل أنه فتح ذراعيه أمام كل الفاعلين الحقوقيين المهتمين بحقوق الإنسان وفوق ذلك سمح للمقرر الأممي بزيارة المغرب ولقاء فاعلين من مختلف المنابر الحقوقية، بل إن المسؤولين يقولون إن المغرب أصبح نموذجا يجب أن تحتدي به الدول السائرة في طريق تثبيت مبادئ حقوق الإنسان. يقول المغرب أيضا إن بعض المنظمات الحقوقية تتحامل عليه بطريقة مفضوحة، وحجته على ذلك استثناء مخيمات تندوف التي»تشهد خروقات سافرة لحقوق الإنسان» والتعرض لضغوط من طرف أعداء البلد في إشارة واضحة إلى الجارة الشرقية الجزائر. المغرب كذلك، لا يقبل أن يحظى بوضعية «التلميذ الكسول» لدى الجمعيات الحقوقية العالمية، ويتهم جمعيات من داخل المغرب بالتحريض عليه وإعطاء معلومات خاطئة عن الوضع الحقوقي، لأنه في نظره قطع أشواطا مهمة منذ إقرار تجربة العدالة الانتقالية، عبر هيئة الإنصاف والمصالحة ومرورا بإقرار مدونة الأسرة، ووصولا إلى منح الحقوق للمهاجرين الأفارقة والانفتاح على المؤسسات الحقوقية الدولية. على هذا الأساس، ظل مصطفى الخلفي، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، يقول دائما إن بعض المنظمات الحقوقية العالمية تتعامل بمنطق الانحياز والكيل بمكيالين فيما يخص قضايا حقوق الإنسان، وكان يرجع ذلك في كل خرجاته الإعلامية إلى ما يسميه بالأوراش الحقوقية الكبرى التي انخرط فيها المغرب، وأن الحكومة التي ينتمي إليها لا تتوانى في التعاطي بكل أريحية مع كل المؤسسات الحقوقية التي تعمل بحيادية، حيث سبق للمغرب أن انضم إلى اتفاقيات دولية وبروتوكولات حقوقية، وأبدى رغبته في الانضمام إلى أخرى، ولم يتخذ يوما وضعية «المعادي لها» كما تفعل بلدان مجاورة للمغرب. المنظمات الحقوقية في صك دفاعها عن اتهامات المغرب بالتحيز تقول إن صدر الدولة يضيق كلما اقتربت من موضوع الصحراء أو حرية التعبير، ولتثبت ذلك تقول: المغرب بلد يتطور في مجال حقوق الإنسان لكن هناك خطوط حمراء يرفض أن تقترب منها واتهاماته لنا بالانحياز مردود عليه لاسيما وأن حالة المغرب تتكرر في الكثير من مناطق العالم التي تشهد النزاعات. لقد حاولت المنظمات الحقوقية أن لا تدخل في اصطدامات مباشرة مع المغرب، رغم أنها ردت على انتقاداته بعنف في بعض الأحيان، خاصة عندما تقول إن المغرب يحاول تبرير عجزه في التقدم في مجال حقوق الإنسان عبر توجيه مسار النقاش ليصير نقاشا هامشيا حول التحيز وعدم الإنصاف. مهما كان الأمر، فإن التقرير الأخير الذي أصدرته منظمة «هيومن رايتس ووتش» الأمريكية أمسك العصا من الوسط، وحاول أن يستجيب لطلبات المغرب في حدها الأدنى، حيث تجنب التقرير الخاص بالمغرب الإشارة إلى لفظة الصحراء الغربية، كما دأب على ذلك في جميع تقاريره، كما أنه أفرد تقريرا خاصا بمخيمات تندوف على غرار السنة الماضية، لكنه جاء في التقرير الخاص بالجزائر بمعنى أن المنظمة تعترف أن مخيمات تندوف تابعة للجزائر بشكل مباشر. وبالرغم من كل الانتقادات الحادة و»الناعمة» التي وجهتها المنظمة للمغرب فيما يخص حرية التعبير والتجمع وتأسيس الجمعيات-الاستشهاد بجمعية الحرية الآن- ، فإنه لم يصدر إلى حدود اللحظة تعليق رسمي من طرف الحكومة المغربية حول الموضوع بمعنى أن الصيغة المعتمدة في التقرير الأخير قد تكون في منظور السلطات المغرب» يعين الصواب»، لاسيما فيما يتعلق بإدراج تقرير مخيمات تندوف ضمن الوضعية الحقوقية بالجزائر. لاشك أن سوء الفهم السائد بين الطرفين مرده الأساس هو قضية الصحراء المغربية، فبينما يصر المغرب على أن إنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وإنشاء لجان جهوية تابعة له بالصحراء عهد لها استقبال كل الشكايات الواردة عليه ومعالجتها واعتماد مقاربة التنمية، وفوق ذلك تتعامل مع «انفصاليين» مدفوعين ويتلقون دعما متواصلا من طرف جبهة البوليساريو معطيات ضرورية ينبغي التعامل معها بنزاهة، تتشبث المنظمات الحقوقية بمنهجية العمل التي تنجز بها تقاريرها السنوية. على العموم، يمكن القول إن المغرب في السنوات الأخيرة بدأ يذيب جليد «الحرب الباردة» مع المنظمات الحقوقية، ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك، فقد جلدت تقارير كثيرة الوضعية الحقوقية خاصة وضعية المهاجرين الأفارقة، وتعامل مع هاته التقارير بالكثير من رحابة الصدر لكن بالمقابل مازال يتعاطى بحذر شديد مع ملفات حقوقية تعتبرها المنظمات الحقوقية وهرية. في هذه الظرفية يجب على الحكومة أن تسارع إلى الإفراج عن مدونة النشر، بالإضافة إلى التخلي عن منطق مقص الرقيب في التعامل مع الجمعيات المزعجة، وأن توسع صدرها قليلا أمام الانتقادات، فالديمقراطية كما الطبيعة لا تقبل الفراغ. هذه حصيلة ثلاث سنوات من ممارسة حقوق الإنسان في عهد بنكيران الرياضي: واقع ممارسة حقوق الإنسان يتميز بالتعسفات وخرق القانون المهدي السجاري لم يكن تقييم منظمة «هيومن رايتس ووتش» لأوضاع حقوق الإنسان في المغرب، خلال سنة 2014، ليمر دون أن يخلف من ورائه ردود فعل متباينة. فإذا كانت بعض الفعاليات الحقوقية ترى في مضامين التقرير تذكيرا بالبيانات والمواقف التي سبق أن عبرت عنها في مناسبات مختلفة، فإن الموقف الرسمي اتهم المنظمة الدولية بتبخيس المنجزات والإصلاحات الحقوقية. «هيومن رايتس ووتش»، ورغم تسجيلها لعدد من النقط الإيجابية التي اتسمت بها الأوضاع الحقوقية في المغرب، إلا أنها وصفت تقدم الإصلاحات بالبطيء. المنظمة سجلت أن المغاربة مارسوا السنة الماضية حقهم في الاحتجاج السلمي في الشوارع، لكن الشرطة استمرت في تفريقهم بعنف في بعض الأحيان. وأضافت: «تسامحت السلطات مع العديد من المسيرات والتجمعات المطالبة بالإصلاح السياسي والمحتجة على الإجراءات الحكومية، لكنها فرقت بالقوة بعض التجمعات واعتدت على متظاهرين». على صعيد حرية التعبير، أكدت «هيومن رايتس ووتش» أن وسائل الإعلام المستقلة، الورقية والرقمية، واصلت التحقيق وانتقاد المسؤولين والسياسات الحكومية، «لكنها تواجه المحاكمة والمضايقة إن تجاوزت الحدود». وأشارت في الآن ذاته إلى أن التلفزيون الحكومي المغربي يسمح ببعض المساحة للنقاش والتحقيقات الصحفية، ولكنه يسمح بالقليل من الانتقادات المباشرة للحكومة أو المعارضة بشأن القضايا الرئيسية. حرية تكوين الجمعيات كانت بدورها محور انتقادات المنظمة. يقول التقرير: «يستمر المسؤولون تعسفا في منع أو إعاقة العديد من الجمعيات في الحصول على التسجيل القانوني على الرغم من أن دستور 2011 يضمن الحق في تكوين الجمعيات»، وأعطت في هذا السياق مثالا برفض السلطات تسجيل «الحرية الآن». هذه الانتقادات التي وجهتها المنظمة لأوضاع حقوق الإنسان تربطها خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بما اعتبرته غياب الإرادة السياسية لتطوير الأوضاع الحقوقية في المغرب، «وهو الأمر الذي يعثر تنفيذ الاتفاقيات المصادق عليها والقوانين التي يتم تغييرها، وبالتالي يتم وضع كل ذلك في الرفوف مقابل ممارسة تتميز بالتعسفات وخرق القانون». وترى الرياضي، في سياق حديثها عن مجال الحريات، أن «الدولة تنتهك وتتعسف على القوانين بشكل يومي»، حيث سجلت أن عدد الانتهاكات المسجلة يبقى مرتفعا، ولم تسجل منذ 15 سنة، «على اعتبار أن هناك تسلسلا وتواترا للانتهاكات المتعلقة بالحق في التجمع والتنظيم والتعبير والتظاهر السلمي». وعلى مستوى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، فأكدت الناشطة الحقوقية أن «العمال والعاملات في القطاع الخاص بمجرد أن يؤسسوا مكتبا نقابيا يتم طردهم من العمل بتواطؤ مع السلطة في العديد من المناطق والقطاعات». هذه الأوضاع المتردية، تقول الرياضي، «تشمل أيضا فئة العاطلين، كل ذلك إلى جانب التمظهرات الأخرى المرتبطة بالفقر والمناطق المهمشة والتعليم». وبخصوص تبرؤ الدولة من أي ممارسات للتعذيب، والإجراءات التي اتخذتها وزارة العدل بشأن التحقيق في أي ادعاءات في هذا الشأن، أكدت الرياضي أنه لحد الآن لم تتم معالجة الملفات التي تحمل شكايات بالتعذيب، «بل على العكس من ذلك فعوض التحقيق في الشكايات وإغلاق الملف إذا لم يثبت أن هناك تعذيب، فالضحايا الذين وضعوا الشكايات تم اعتقالهم ومحاكمتهم»، على حد تعبير المتحدثة ذاتها. لكن هذه الانتقادات تواجه باتهامات من السلطات العمومية للمنظمة الدولية بتبخيس الخطوات الإصلاحية التي قام بها المغرب. المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان خرجت عن صمتها حيال تقرير «هيومن رايتس ووتش»، لتسجل تناقضا بين التعبير الصريح للمنظمة عن ارتياحها للعمل في المغرب في جو من الحرية، من جهة، وتبخيسها لمجهودات المغرب في مجال حماية حقوق الإنسان وضمان الحريات للجميع، بما فيه المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية. واعتبرت المندوبية أن المسار الواسع للإصلاحات المهيكلة التي انخرطت فيها المملكة مسار مستدام وتدريجي وتشاركي ومنفتح على كل الأطراف المعنية، بما فيها المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية، ولم يحصل فيه أي تراجع، بل ازدادت ديناميته وخاصة منذ اعتماد دستور 2011. وفي خضم هذه الانتقادات، تبرز أيضا حصيلة حقوق الإنسان في عهد حكومة الإسلاميين. حصيلة تميزت خلال ثلاث سنوات بإنجاز عدد من الإصلاحات ذات الطابع الحقوقي، منها إصلاح القضاء العسكري عبر اعتماد قانون ينص أساسا على عدم عرض المدنيين أمام المحاكم العسكرية وإحالة العسكريين على القضاء العادي في حالة ارتكابهم جرائم للحق العام، مع ملاءمة قواعد المحاكمة مع ضمانات المحاكمة العادلة المقررة في قانون المسطرة الجنائية. المغرب صادق أيضا على البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب، في أفق وضع الآلية الوطنية لمراقبة أماكن الاحتجاز خلال السنة الجارية، إلى جانب مراجعة قانون المسطرة الجنائية نحو تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة وتكريس حقوق الدفاع وقرينة البراءة، حيث تم إقرار مجموعة من المستجدات كاعتماد حضور المحامي إلى جانب الأحداث والمصابين بإحدى العاهات، وكذا إلى جانب باقي المشتبه فيهم بارتكاب جناية أو جنحة، ما عدا الموضوعين رهن الحراسة النظرية، واعتماد تقنية التسجيل السمعي البصري لاستجوابات الأشخاص الموضوعين رهن الحراسة النظرية. سنة 2014 تميزت أيضا بالموقف الحازم من القضايا المرتبطة بالتعذيب، وتبرؤ الدولة من أي انتهاكات قد يتورط فيها المكلفون بإنفاذ القانون. وهكذا ألزم وزير العدل والحريات النيابات العامة بضرورة إجراء المعاينات أو الفحوص من طرف أطباء محايدين في حالة معاينة أو ادعاء آثار التعذيب. ورغم أهمية ومحورية هذه الإصلاحات في المسار التراكمي لمنظومة حقوق الإنسان في بلادنا، إلا أنها لا تخفي حقيقة بعض التجاوزات، التي تتناقض مع النصوص القانونية المتقدمة التي تم اعتمادها، خاصة في الجانب المتعلق بالحريات العامة، وما عرفته العلاقة بين الإدارة وبعض الجمعيات من توتر خلال السنة الأخيرة، رغم أن القانون هو الذي يفترض أن يحسم في أي خلاف بين الطرفين. الهيبة: هناك تناقض بين تعبير « هيومان رايتس» عن ارتياحها لمناخ الحرية والحديث عن تقييد الجمعيات قال إن ما حصل من خلافات لا ينم أبدا عن أي إرادة لتقييد حرية العمل الجمعوي حاورته حليمة بوتمارت - لماذا تأخرتم في إصدار موقف رسمي على التقرير الجديد ل»هيومن رايتس وتش» مما ترك الفرصة سانحة أمام خصوم الوحدة الترابية للإشادة به من خلال قراءة تخدم مصالحه؟ لم نتأخر أبدا، فقد قدمنا دائما ردودا وقراءات بخصوص العديد من التقارير الوطنية والدولية وفق مقاربة خاصة ومن موقع المهام المنوطة بالمندوبية، والتنسيق مع مختلف القطاعات والسلطات العمومية المعنية. وهنا ينبغي التذكير بالردود التي قدمناها في حينه بخصوص تقرير هذه المنظمة حول أوضاع حقوق الإنسان بمخيمات تندوف، والتي تضمنت قراءة نقدية لمنهجية ومضامين وخلاصات وتوصيات ذلك التقرير، عبر العديد من وسائط الإعلام. وخلال تقديمها للتقرير السنوي حول أوضاع حقوق الانسان في العالم، والجانب الخاص بالمغرب، تابعنا مجريات الندوة الصحفية واطلعنا على كل الوثائق التي قدمت خلالها، وعُقد اجتماع يوم الجمعة الماضي بمقر المندوبية مع ممثل المنظمة المذكورة، بطلب منه، ومشاركة ممثلين عن القطاعات المعنية. كما اتصلنا بها قبل زيارته للمغرب وذكرنا بضرورة مناقشة منهاجية التفاعل مع المنظمة، من خلال لقاء على أعلى مستوى مع المسؤولين بها، خاصة وأنهم يسجلون دائما مناخ الحرية الذي يشتغلون فيه، كما جاء الرد الأول للسلطات العمومية على مضامين الندوة الصحفية مباشرة بعد عقدها، من خلال بيان للمندوبية ركزت فيه أولا على ذلك التناقض بين تعبير المنظمة عن ارتياحها لمناخ الحرية الذي تشتغل فيه ببلادنا، والحديث عن تقييدات للعمل الجمعوي، انطلاقا من مصادر وحيدة وتعميمها. في الواقع هذا الرد كان أساسا على بعض مضامين الندوة وعنوان بيان المنظمة بهذه المناسبة. كما أن التركيز على حالات معزولة، وانطلاقا من مصادر تدعي وجود خروقات وتبنى عليها أحكام عامة بالنسبة لمسار حقوق الانسان، لنستخلص أن هناك تراجعا في مجال حقوق الانسان لا يستقيم والتقييم الموضوعي لأوضاع حقوق الإنسان في بلادنا. كان من المفروض أن يكون هناك توازن في الخلاصات بين ما اعتبرته المنظمة تراجعا وما اعتبرته إيجابيا. - في نظركم كيف يمكن أن يتم إعداد تقرير يستجيب للمتطلبات المهنية والأخلاقية والمعايير المعترف بها والموضوعة على الصعيد الدولي في مجال تقييم وضعيات حقوق الانسان وإعداد التقارير؟ أولا بالنسبة للتقارير في المغرب هي ممارسة متطورة، سواء على صعيد السلطات العمومية أو على صعيد المجتمع المدني، والمؤسسات الوطنية. وللتذكير فالمغرب شرع في تقديم تقاريره لآليات الأممالمتحدة منذ نهاية السبعينيات، وهناك حصيلة مهمة في التقارير المقدمة، والتي تتطور منذ السنوات الأخيرة بإشراك المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، والمؤسسات الوطنية، والتي تعتبر فاعلا أساسيا في مجالات حقوق الانسان. كما أن للمجتمع المدني تجربة في إعداد وتقديم التقارير الموازية. هناك أيضا انفتاح كبير على تقارير المنظمات غير الحكومية الدولية، فالتقارير تختلف في طريقة إعدادها وفي الإمكانيات المتوفرة لدى كل منظمة. وليست هناك قواعد شاملة وعامة تعتمد في هذا المجال، لكن هناك مبادئ أساسية تتجلى في: أولا أن تكون هذه التقارير مبنية على مصادر متنوعة فيما يتعلق بالمعلومات والمعطيات؛ ثانيا أن تكون هناك شفافية في معالجة تلك المعطيات وأن تكون موضوعية، بحيث لا يجب أن يكون فيها تركيز على مصدر معين، أو الاقتصار على ادعاءات دون التأكد من مدى صحتها؛ ثالثا المهنية والكفاءة في طريقة صياغة التقارير وفي الاستنتاجات والخلاصات التي ينبغي أن تكون متوازنة. - كيف استجابت منظمة «هيومن رايس وتش» لمقترح التشاور مع السلطات العمومية من أجل تجميع المعطيات الخاصة بمجال حقوق الإنسان ببلادنا؟ الآن يطلبون اجتماعات، وسيتم الرد على مضامين وخلاصات التقرير السنوي كتابة، ولا بد من عقد اجتماع آخر لتقديم توضيحات أخرى، بما يساهم في المزيد من التفاعل والشفافية في التعاون مع المنظمة المذكورة. حسب لقاء يوم الجمعة حصل اتفاق مبدئي على تنظيم هذا اللقاء، في انتظار تحديد تاريخ ذلك. - أصدر القضاء المغربي قرارات ضد وزارة الداخلية بخصوص منع جمعية مغربية، بمعنى أن هناك إقرارا واضحا بالتضييق على الحريات، وهذا ما جاء في تقرير هيومن رايتس، فلماذا هذه الانتقادات الموجهة إلى تقرير ينقل الواقع؟ ينبغي تقييم حرية العمل الجمعوي على ضوء ما يقدم من معطيات شمولية، بحيث أن النسيج الجمعوي عرف تطورا سريعا وتنوعا في تكويناته منذ نهاية التسعينيات وخاصة ابتداء من سنة 2005، تاريخ إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إذ ارتفع عدد الجمعيات من حوالي 4000 جمعية في بداية التسعينيات إلى حوالي 116 ألف و836 جمعية. اليوم هناك ما يزيد عن 118 ألف جمعية بالمغرب، حسب التقرير الأخير، منها 5150 جمعية تشتغل في مجال حقوق الانسان. وهناك جمعيات فاعلة في مجال حقوق المرأة الطفل والأشخاص ذوي الإعاقة وكذا قضايا المهاجرين، والعديد منها يتعاون مع قطاعات حكومية أو مؤسسات وطنية في إطار شراكات محددة. ما حصل هو بعض من خلافات أو نزاعات التي لا تنم أبدا عن أية إرادة لتقييد حرية العمل الجمعوي. فأي واقع نقله تقرير المنظمة المذكور، شخصيا لم ألمس فيه ولو على الأقل استئناسا بالمعطيات والمعلومات الواردة في الدراسة الأخيرة حول الجمعيات أو مخرجات الحوار الوطني حول أدوار المجتمع المدني. فالواقع لا يمكن اختزاله في حالات معينة للخروج بمثل تلك الخلاصات، في حين أن الأمر يتعلق بديناميكية متميزة للنسيج المجتمعي ببلادنا وللأدوار التي تلعبها المنظمات غير الحكومية. ولا بد أن نشير إلى أن أزيد من مليون نشاط جمعوي نظم بدون قيود، فقط هناك بعض الأنشطة لم يتم تنظيمها لاعتبارات معينة، إما بسبب تزامن تلك الأنشطة مع أنشطة طلبتها جمعيات أخرى في التواريخ نفسها، أو لانعدام استعمال الفضاءات التي ستنظم فيها تلك الأنشطة لوجود أشغال التهيئة، وهناك أنشطة منعت لعدم احترام شكليات التصريح المطلوبة قانونا. مؤشر آخر وهو مستوى وجودة مشاركة المنظمات غير الحكومية المغربية، فرديا أوفي إطار شبكات وائتلافات، في أنشطة الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش. هل اعترفت «هيومن رايتس ووتش» ضمنيا بمغربية الصحراء؟ خديجة عليموسى لم تدرج منظمة «هيومن رايتس ووتش» الصحراء إلى جانب المغرب كما دأبت على ذلك في تقاريرها السنوية السابقة الخاصة بحقوق الإنسان، حيث كانت دائما تضع عنوان «المغرب، الصحراء الغربية»، بل اكتفت هذه السنة في تقريرها لسنة 2015 بوضع «المغرب» في الفصل الخاص به، وهو ما اعتبره متتبعون إشارة إيجابية من المنظمة الحقوقية الأمريكية تجاه المغرب واعترافا بمغربية الصحراء، بينما هناك من يرى أن هذا التصنيف لا يحمل أي دلالة أو تفسير، بل هو إرجاع الأمور إلى نصابها. وفي هذا السياق، استبعد خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن يكون لهذا التغيير بعد سياسي، سواء بالاعتراف أو عدم الاعتراف بمغربية الصحراء، خصوصا بالنسبة لمنظمات دولية تعنى بحقوق الإنسان. خطوة منظمة «هيومن رايتس ووتش» هي نوع من الاستدراك الطبيعي، إذ أن المغرب هو كتلة واحدة، وبالتالي فإشارة المنظمة هي تنميط منطقي يعبر عن واقع منطقة واحدة، وأن ما يقع من انتهاكات، إن كانت موجودة أصلا، يقول الأستاذ الجامعي، في تصريح ل»المساء»، فهي تحدث في كافة التراب المغربي ولا ينبغي التفرقة بين المغرب وصحرائه، ولا بين الأقاليم الشمالية والجنوبية، وأن المعاناة المتعلقة بحقوق الإنسان متفاوتة في الدرجات حسب الحالات ولا علاقة لها بالمواقع. ومن الجديد الذي حمله التقرير، أيضا، هو إفراد فقرة خاصة بتندوف عند الحديث حول حقوق الإنسان، وهو ما اعتبره شيات تصحيحا للواقع، لأن المسؤولية القانونية والإنسانية والأخلاقية بالنسبة لمخيمات تندوف وما يقع بها من تجاوزات تتحمل مسؤوليته الجزائر. التقرير السنوي للمنظمة الأمريكية لسنة 2015، والذي حمل عنوان «الحقوق ليست خطأ في أوقات الاضطرابات»، انتقد بشدة الوضع العام لحقوق الإنسان في الجزائر سنة 2014، والذي قال إنه لم يتغير على الرغم من الوعود التي روجت لها الحكومة منذ سنة 2011. فقد قلصت السلطات حرية التعبير والحق في تكوين الجمعيات والتجمع والاحتجاج السلمي، كما اعتقلت وحاكمت النشطاء السياسيين والحقوقيين. وأشار التقرير إلى أن السلطات الجزائرية ظلت تفرض قيودا على منظمات حقوق الإنسان، بمنعها من الولوج القانوني إلى ترابها، كما أنها حافظت على عدم التعاون مع خبراء الأممالمتحدة لحقوق الإنسان. وأكد التقرير أن الحكومة الجزائرية لم تمنح تصريحا لدخول آليات الأممالمتحدة إلى البلاد منذ 2011، وأن طلبات الإذن بالدخول تشمل طلبات مقررين خاصين معنيين بالتعذيب وحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، وكذا فرق الأممالمتحدة العاملة في مجال الاختفاء القسري والمعنية بالاحتجاز التعسفي. وكشفت المنظمة أن الأوضاع الحقوقية بمخيمات تندوف تعرف انتهاكات جسيمة، ومنها حالة الشابة الصحراوية محجوبة محمد حمدي داف، التي تعرضت للاحتجاز القسري على يد عائلتها بمخيمات تندوف، والتي تم منعها لأكثر من ثلاثة أشهر من العودة إلى إسبانيا، كما أن هناك حالات أخرى لمحتجزات «لديهن إقامة قانونية في أوروبا، لكنهم اليوم محتجزات قسرا بالمخيمات»، توضح المنظمة الدولية، التي حملت المسؤولية للجزائر بخصوص ما يقع على أراضيها بتندوف، وفي هذا الإطار يقول شيات: «إن الجزائر هي من تتحمل مسؤولية ما يقع بالمخيمات، ومنها مشكل حرية التعبير لأن الصحراويين ليسوا كلهم يدينون بالولاء السياسي لجبهة البوليساريو، وليست لهم جميعهم نزعات انفصالية، فآراؤهم السياسية مختلفة ومتنوعة ولكنها لا تصل إلى الرأي العام الدولي بسبب التعتيم المفروض هناك، وبسبب الحد من وصول المنظمات الدولية الحقوقية إلى مخيمات تندوف «. ومن بين ما يطبع الوضع هناك، الحد من وصول المنظمات الدولية الحقوقية إلى مخيمات تندوف من أجل معرفتها ومعرفة عدد سكانها وكيفية تدبير المساعدات الدولية التي تتلقاها، والتي تستعملها فئة من أجل الاغتناء غير المشروع، يقول أستاذ العلاقات الدولية، والذي يرى أنه حان الوقت لحصر كل الصحراويين فقط بمخيمات تندوف، وليس كل المتواجدين بها، مع السماح لجهات دولية بالوصول إلى المخيمات وتوجيه الأطراف إلى أماكن أخرى. إشارة «هيومن رايتس ووتش» إلى كون الجزائر تفرض قيودا على المنظمات الدولية ولا تتعاون مع خبراء الأممالمتحدة، قابله تنويهها ب «تعاون المغرب مع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة واستضافته زيارات قام بها فريق العمل المعني بالاحتجاز»، وهو ما يدل على أن المغرب منفتح على المنظمات والهيئات الدولية، إلى جانب «توفره على آليات وطنية كفأة موثوق منها وذات مصداقية»، يقول شيات، الذي يرى أن الحديث عن توسيع مهمة بعثة «المينورسو» لا يعدو أن يكون مزايدات سياسية، في وقت ينبغي السعي نحو إحداث آلية من آليات المراقبة في تندوف من أجل كشف الانتهاكات التي ترتكب هناك. العلاقة الملتبسة بين الداخلية والجمعيات.. كلفة حقوقية مؤلمة في تقارير المنظمات الدولية مصطفى الحجري وجد التوجس الذي يطبع علاقة وزارة الداخلية بالجمعيات الحقوقية طريقه إلى التقارير السنوية التي أصدرتها المنظمات الحقوقية الدولية، بعد أن رصدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» ما أسمته ب»استمرار المسؤولين المغاربة وبشكل تعسفي في منع أو إعاقة العديد من الجمعيات في الحصول على التسجيل القانوني». الجمعية أشارت بأصبعها إلى هذا الملف وهي حريصة على التذكير بأن هذه الوقائع تحدث رغم أن دستور 2011 يضمن الحق في تكوين الجمعيات، لتستشهد برفض السلطات المغربية تسجيل «الحرية الآن»، التي تعنى بحرية التعبير، ومنعها من تنظيم ندوة في نادي المحامين في الرباط، كما وقفت على حرمان جمعيات أخرى من التسجيل القانوني بما فيها جمعيات خيرية، وثقافية، وتعليمية، تضم قياداتها أعضاء من جماعة العدل والإحسان. في هذا الصدد قال الدكتور هشام الشرقاوي، الخبير في مكافحة الإفلات من العقاب والمحكمة الجنائية الدولية، إن هذه الانتهاكات ليست في صالح الدولة المغربية، التي أصبحت عضوا في مجلس حقوق الإنسان ولها عدة التزامات دولية تجاه المنتظم الدولي، وأضاف أن الحركة الحقوقية التي تتعرض الآن لبعض التجاوزات هي صمام الأمان للشعب المغربي، بعد أن «استطاعت أن تخرج عدة فئات من المجتمع، لفضح كل التجاوزات التي تعرفها قطاعاتهم، كما أن هذه الحركة الحقوقية هي التي أنقذت الدولة المغربية من تداعيات الربيع العربي، وذلك من خلال مشاركتها في مسلسل العدالة الانتقالية، الذي امتص الاحتقان الشعبي الناتج عن 50 سنة من الاضطهاد والاستبداد». واعتبر الشرقاوي، في تصريحاته ل»المساء» أنه من واجب الدولة المغربية أن تحترم وتقدر الحركة الحقوقية الملتزمة بالمبادئ الكونية لحقوق الإنسان وصيانة كرامة المواطنين، عوض المضي في الاتجاه المعاكس الذي ستكون كلفته مؤلمة من الناحية الحقوقية والسياسية. من جهة أخرى، فإن الإشارات التي تضمنها التقرير حول المنع والتضييق ستسجل كنقط لصالح بعض الجمعيات الحقوقية في مواجهة وزارة الداخلية، خاصة بعد الاحتقان غير المسبوق الذي وصلت إليه هذه العلاقة عقب الاتهامات التي وجهها لها وزير الداخلية بخدمة أجندات أجنبية، حيث اعتبرت عدد من الفعاليات الحقوقية أن ما ورد في تقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش» «موضوعي»، ويعكس واقع الحركة الحقوقية التي تتعرض الآن، حسب الشرقاوي، للعديد من الانتهاكات المرتبطة بحرية الرأي والتعبير والحق في التنظيم والاحتجاج، «رغم صدور عدة أحكام قضائية- ننوه بها كحقوقيين- لصالح الحركة الحقوقية». ورغم أن منظمة «هيومن رايتس ووتش» حرصت على تلطيف حدة بعض انتقاداتها بالإشارة إلى أن السلطات تسامحت مع العديد من المسيرات والتجمعات المطالبة بالإصلاح السياسي والمحتجة على الإجراءات الحكومية، لكنها عادت لتؤكد بأن هذا التسامح اختفى بعد اللجوء للقوة من أجل تفريق بعض التجمعات، كما رصدت حالات اعتداء على متظاهرين. وبدا لافتا أن تقرير «هيومن رايتس ووتش» أكد أيضا أن دستور 2011 تضمن أحكاما قوية بشأن حقوق الإنسان، لكن هذه الإصلاحات لم تؤد إلى «تحسين الممارسات، أو إقرار تشريعات تطبيقية، أو مراجعة القوانين القمعية»، وهو حكم قاس جاء من منظمة طالما كانت تتهم من طرف المغرب بعدم الموضوعية والانحياز ووضع نظارات سوداء في تعاطيها مع الخطوات التي اتخذتها الدولة في مجال حقوق الإنسان، خاصة بعد الحراك الشعبي الذي ميز سنة 2011 والذي انتهى بوضع دستور جديد للبلاد. تعليقا على ذلك قال الشرقاوي إن دستور 2011 الذي اعتبره العديد من المتتبعين بأنه دستور الحريات يعرف انتكاسة حقيقية في الآونة الأخيرة، وأضاف «لقد سبق لنا أن نبهنا إلى أنه في غياب الإرادة السياسية لكل الفاعلين السياسيين والدولة للقطع مع ثقافة التسلط والاستبداد والتحكم، سيترتب عن ذلك تجاوزات وانتهاكات تتعارض مع كل المواثيق الدولية، ما سيجعل المغرب عرضة للمساءلة على الصعيد الدولي». وعلاقة باستمرار التشنج بين الداخلية وعدد من الجمعيات الحقوقية، وسيطرة الهاجس الأمني في التعاطي مع تأسيس الجمعيات، قال الشرقاوي بأن توصية الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 45 لسنة 1946 تنص على أنه لا يجوز انتهاك الحقوق تحت ذريعة الحفاظ على السلم والأمن. كما شدد الشرقاوي على أنه في غياب حكامة أمنية مؤطرة بفلسفة الحق والواجب وربط المسؤولية بالمحاسبة وترسيخ قيم المواطنة، «سنصطدم دائما بأشباح الدولة العميقة (الدولة غير المؤسساتية المبنية على الولاء والتحكم والريع والإفلات من العقاب)، التي تريد أن ترجع المغرب إلى سنوات الرصاص وسنوات الاصطدام بين الدولة والمجتمع»، مع العلم، يضيف الشرقاوي، أن الدولة المغربية قد أعطت عدة إشارات مهمة في مجال حقوق الإنسان «إلا أنه في غياب الضمانة المؤسساتية وترسيم مبدأ عدم الإفلات من العقاب في جميع التشريعات الوطنية، سيصعب الوثوق في نوايا الدولة».