هوية بريس – السبت 29 غشت 2015 هذا حال أهل الجاهلية يا أهل الإسلام الكتابة عن هذا الموضوع تمتزج بكثير من الحسرة والألم حين ترى معلما من معالم الرجولة يتهاوى، إنه فطري تعلقت به شرعيات رتبت عليه جزاء موفورا وذلك لمن تحقق به، أما من انسلخ عنه فإنه يفقد بذلك علامة التميز الأولى للرجولة والفحولة. إنها الغيرة التي صنعت من رجال العرب قبل الإسلام صورا من التألق تجعل اللبيب مشدوها للمستوى الذي وصلت إليه عزة النفس غيرة على الأعراض، إنهم قوم اتخذوا من دون الله أوثانا آلهة ومع ذلك لم تمت في نفوسهم الغيرة وظلت العلامة المميزة على مر العصور حتى جاء الإسلام فأحيى هذه النفوس وزكاها بالإيمان وأعطى للغيرة بعدا تعبديا زادها توطنا وقوة في نفوس الرجال فلا تستطيع عاديات الزمن أن تزيلها مهما كانت، وظلت نار الغيرة متوهجة متوقدة تزيد ولا تنقص، تستعر ولا تخب، وقد سطر لنا التاريخ من ذلك نماذج عدة تظهر مدى غيرة أولئك على أعراضهم أشد ما تكون الغيرة، ونذكر من ذلك قصة واحدة ذكرتها كتب التاريخ، فيها من معاني الانبهار والإعجاب ما يجعل بعض أهل الزمان يستحيون من أنفسهم ويخجلون، جاء في كتاب سمط النجوم العوالي للعصامي وغيره (بتصرف) عن حميد بن وهب قال: كانت هند بنت عتبة قبل أبي سفيان عند الفاكه بن المغيرة، وكان له بيت للضيافة تغشاه الناس من غير إذن، فخلا البيت ذات يوم فقام الفاكه، وهند فيه،أقبل رجل ممن كان يغشى ذلك البيت فولجه، فلما رأى المرأة ولى هاربا، فأبصره الفاكه، فانتهى إليها، فوجدها راقدة فضربها برجله، وقال: من هذا الذي كان عندك؟ قالت: ما رأيت أحدا ولا انتبهت حتى أنبهتني، فقال لها الحقي بأهلك، وتكلم فيها الناس، فخلا بها أبوها عتبة بن ربيعة، فقال لها: يا بنية، إن الناس قد أكثروا فيك فأنبئيني بذلك، فإن يكن الرجل صادقا، دسست إليه من يقتله ، وإن يكن كاذبا حاكمته إلى بعض كهان اليمن!! قال: فحلفت له بما كانوا يحلفون به في الجاهلية؛ أنه كاذب، فقال عتبة للفاكه: إنك قد رميت ابنتي بأمرٍ عظيمٍ، فحاكمني إلى بعض كهان اليمن. فخرج الفاكه في قومه، وخرج عتبة في قومه ومعهم هند ونسوة معها تأنس بهن فلما أشرفوا على بلاد الكاهن، تنكر حال هند وتغير وجهها، فقال لها عتبة:إني قد رأيت ما بك من تغير الحال، وما ذاك إلا لمكروه عندك، فقالت: لا والله يا أبتاه، ولكني أعرف أنكم ستأتون بشرا يخطئ ويصيب، فلا آمنه أن يسمني بسيماء تكون علي سبة في العرب آخر الدهر، فقال لها أبوها: إني سوف أستخبره لك قبل أن ينظر في أمرك، فخبأ في إحليل فرسه حبة من الحنطة، وصبحوا الكاهن فنحر لهم وأكرمهم، فلما تغدوا قال له عتبة: إنا جئناك لأمر وقد خبأت لك خبيئة أختبرك بها فانظر ما هو، قال الكاهن: برة في كمرة، قال عتبة: أريد أبين من هذا، قال: حبة بر في إحليل مهر، فقال عتبة: صدقت، انظر في أمر هؤلاء النسوة، فجعل يدنو من إحداهن ويضرب كتفها ويقول: انهضي، حتى دنا من هند فضرب كتفها، وقال: انهضي غير وسخاء ولا زانية، فنظر إليها الفاكه فأخذ بيدها، فنترت يدها من يده، وقالت: إليك عني. هذه صورة بالغة الدلالة صريحة المعاني فقوم وثنيون همجيون مشركون بالله يصلون إلى هذه الدرجة من الغيرة إذ يتحاكمون إلى الكهان لإثبات براءة العرض من الدنس كما يظهر من ذلك عزة نفس المرأة العربية التي فقدت بدرجة كبيرة وكبيرة جدا في كثير من نساء المسلمين اليوم حيث ترفض هند بنت عتبة الرجوع إلى زوجها ثأرا لعرضها الذي شك فيه. الإسلام يزيد في نار الغيرة وقودا والتاريخ يحفظ صورا مشرقة هذا عن قوم الجاهلية الأولى أما وقد جاء الإسلام وأعاد صناعة الرجل العربي وأبقى على قيمه الحسنة وأعطاها قيمة مضافة ممزوجة بالإيمان والرغبة فيما عند الملك الديان، فكانت صور الغيرة أكثر إشراقا تعبر بصدق عن قوة الغيرة المستمدة من السنة من مثل قوله عليه السلام: إن الله يغار وإن المؤمن يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه (صحيح البخاري) وترسخ عند القوم أنه: لا يسلم العرض الشريف من الردى***حتى يراق على جوانبه الدم ومما تجدر الإشارة إليه أن المسلمين في ذاك الوقت كانوا يغارون على أعراض شريفة يحبسها الإيمان عن ارتكاب الرذائل، بخلاف ما نحن عليه، ومع ذلك لم تنطفئ شعلة الغيرة استصحابا لهذا الحال، و قصة الذي قتلته الحية عجيبة فتأملها، قال أبو سعيدٍ الخدري كان فتى حديث عهدٍ بعرسٍ فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فبينا هو به إذ أتاه الفتى يستأذنه فقال: يا رسول الله ائذن لي أحدث بأهلي عهدا فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك بني قريظة، فانطلق الفتى إلى أهله فوجد امرأته قائمة بين البابين فأهوى إليها بالرمح ليطعنها وأدركته غيرة فقالت: لا تعجل حتى تدخل وتنظر ما في بيتك فدخل فإذا هو بحيةٍ منطويةٍ على فراشه فركز فيها رمحه ثم خرج بها فنصبه في الدار فاضطربت الحية في رأس الرمح وخر الفتى ميتا (الموطأ). هكذا تكون الغيرة وليحيا الرجال. ما ينبغي أن نكون هكذا يا أهل الإسلام إنه لمن العار أن يكون من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا يرضى بالهوان في أهله والتهتك في بنته وأخته ولا ينكر ومن المهانة أن يعلم الفضيحة عن ذويه ولا يتمعر وجه خجلا بل هناك من يدعم ذلك بخسة غريبة لا يرف له جفن ولا تقف له شعرة وهو يرى عرضه مستباح؛ تبرج وتهتك وانحراف. وأطم من ذلك من يرضى بأهله مشهورات في سوق الدعارة، وواقع الحال يغني عن كل سرد، وبعض هؤلاء يزاحم في الصفوف الأولى في المسجد تاركين وراءهم فسادا عريضا راضون عنه فماذا عملت الصلاة في نفوس هؤلاء؟ وهم كالضباع يحتاجون إلى هرمونات الرجولة المفقودة في كثير من ذكور اليوم ممن لم يلتحق بركب الرجولة بحق. إن المرء ليحار حين يرى ما وصلت إليه بنات المسلمين وزوجاتهم من فجور في اللباس ومجون في السلوك يجعلك تتساءل ألهؤلاء أباء أو أزواج؟ وإن كانوا ألهم قلوب أبية ونفوس تغار؟ أم إنه عمى البصيرة أصاب الكثير منهم فحال بينهم بين الغيرة؟. هوان نلمسه حتى في كثير ممن يحسبون على الالتزام إذ يغضون الطرف عن بعض المخالفات الشرعية في تصرفات ولباس زوجاتهم وبناتهم ومن هن تحت إمرتهم بحيث يتخففن في اللباس ولا يلتزمن الوقار. مناشدة لرد الاعتبار ورفع الضيم ينبغي أن تعلم أيها المسلم علم اليقين أن الأعراض وصلت لدرجة من المهانة لم يعد يبالي لها أحد إلا من رحم الله، وإنه لوضع ما عاد يغني السكوت عنه شيئا بدعوى دع الخلق للخالق أو شيئا من هذا الكلام الموتور، وإنها لمناسبة لنصرخ في آذان كثير من أولياء الأمور بأن يتحلوا بالغيرة على أعراضهم ونذكرهم بأن فقدان الغيرة خلق الخنازير دون سائر الحيوان، وإنه لمن العار أن تغار الحيوانات على أزواجها ولا يغار الإنسان عموما، فكيف إذا كان هذا الإنسان مسلما، وليكن قدوتهم في ذلك رجال الذكور من أمثال سعد بن معاذ وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول: لو وجدت معها رجلا يعني امرأته لضربتها بالسيف غير مصفح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتعجبون من غيرة سعد؟ فأنا أغير من سعد والله عز وجل أغير مني، ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن" (سنن الدارمي)، وكذلك عمر الفاروق وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فرأيت فيها دارا أو قصرا"، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخل فذكرت غيرتك، فبكى عمر، وقال أي رسول الله أو عليك يغار (صحيح البخاري). لقد انهار عملاق الغيرة وماتت في نفوس كثير من المسلمين مع تأثير ثقافة التهتك، الشيء الذي جعل كثير من النساء لا يعبئن بأزواجهن، وأين هن من زوجة الزبير بن العوام رضي الله عنه وقد قالت: جئت يوما والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال: إخ إخ ليحملني خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب فاستحييت منه وعرفت غيرتك، فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه (البخاري). ذهبت الغيرة وحل الذكر السيء لقد أصبح كثير المسلمين كمن أكل مخ الضبع بل بعضهم كأنما أكل الضبع بما فيه ولست مبالغا في هذا أو مسرفا في القول. وهذا التاريخ يسجل عنا أقبح صور الدياثة ويعلن موت الغيرة في قلوب كثير من الرجال وعلى رأسهم كثير من المسؤولين ولا أدل على ذلك من أعراض بناتنا التي تقدم قربانا لعشرة ملايين سائح من حثالة البشر يرجون استقطابها على حساب القيم، فأي غيرة بقيت واسم المغرب صار لصيقا بالدعارة إلى درجة الغثيان حيث تصبحنا وتمسينا الصحافة الوطنية والدولية بأخبار عن الدعارة المغربية الرائدة على المستوى الوطني والدولي، ولو كان فينا بصيص من الغيرة لما وصلنا إلى هذه الحال التي لا تتمناها لعدو بله صديق. وكيف تعود الغيرة إلى القلوب وكل الجهود تصب في قتل ما تبقى منها، وتضييق الخناق على ما تبقى من شرفاء في هذا البلد، فلكل من وصلته الرسالة نريده أن يشمر جاهدا على أن لا يصاب بلوثة الدياثة وأن لا يفقد شعلة الغيرة في قلبه، وأن يكون في مستوى التحدي حتى نعيد للعِرض الجريح عافيته، وللشرف الموءود حياته، ونرفع عن جبيننا وصمة العار التي وصمها كثير من الدياييث وذويهم ممن لا يقدرون قيمة العرض والوطن.