كثيرةٌ هي الكتابات والتعليقاتُ والحَواشي التي أُلّفَتْ عن الرّسُول وزوْجاته: كمْ عددهنّ، وهلْ كلهنّ مسْلمات؟ وهل تزوّج عائشة حقّا وهي بنْت تسع سنين؟ وهلْ كانتْ له علاقة خارج الزّواج، أوْ ما كان يُطلق عليه اسم «أمّ الولد»، وما سببُ ذلك؟ إلى غيرها من الأسئلة. يمكنُ تقسيم هذه الكتابات والتعليقات، عُمُوما، إلى نوْعيْن اثنيْن: نوْع تمجيديّ لا يعمل سوى على تكْرار ما قاله القدماء، أوْ على الأصَحّ كتابات معيّنة للقدماء. وهو تكرار ينطلقُ من رؤْية تقديسيّة للتاريخ، بلْ وتجْهَلُ حقيقة التاريخ الإسلامي، ومختلف سياقاته السّياسية والقَبَليّة والدّينية والجهوية. هذه الحلقات ستكون عرْضا موضوعيا لما دوّنته السير النبوية وكتب الأخبار الأولى، القريبة جدا من عصر الرسول، قبْل أنْ تظهر كتب التفسير والتأويلات الإضافية. 14.هذه الزوجة اشتهرتْ باسم «أمّ سلمة»، لقب أحد أبنائها. أمّ اسمها الحقيقيّ فهو: هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. كانت امرأة فائقة الجمال تنحدر من قبيلة بني مخزوم. ولشدة جمالها، تقدّم لخطبتها، بعد انقضاء عدّتها، أبو بكر الصديق ورفضته، وعمر بن الخطاب ورفضته هو كذلك. وكانت، قبل أنْ يطلبها الرسول لنفسه، متزوّجة منْ أبي سلمة، وهو عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وقد هاجرت معه إلى أرض الحبشة. أما والدة أمّ سلمة فهي عاتكة بنت عامر بن ربيعة، أحد بني غَنْم بن مالك بن كنانة. وكان أبو سلمة بن عبد الأسد، وأمه برَّة بنت عبد المطلب، رُمي يوم أحد بسهم رماه به أبو أسامة الجشمي، فانتقض عليه فمات منه.. فلما انقضت عدتها، تزوّجها الرسول بعد أربعة أشهر، وأعرس بها في شوال سنة أربع. فيقال إنه خطبها إلى نفسها، فجعلت أمرها إليه. ويقال إنه قال: مُرى ابنك سلمة يزوّجك. فزوّجها وهو غلام.. وكانتْ أمّ سلمة قدْ خلّفتْ لأبي سلمة: عمر، وسلمة، وزينب، ودرة. فمسألة الزواج بهنّد أمّ سلمة لا تتعلّق بجمالها فقط، بلْ يمتدّ ذلك ليشمل الانتماء القّبَليّ ومكانة أسرة الزوج والزوجة. وكعادة كتب الأخبار والسيرة والتاريخ والتفسير في الجمع بين «القدسيّ والدنيوي»، في إيجاد مبرّرات «دينية» لزواج الرسول، فإنّ أمّ سلمة كانت قد قالت لأبي سلمة: «بلغني أنه ليس امرأة يموت زوجها وهو من أهل الجنة وهي من أهل الجنة ثم لم تزوّج بعده إلا جَمَع الله بينهما في الجنة، وكذلك إذا ماتت المرأة وبقي الرّجل بعدها، فتَعالَ أعاهدْكَ ألا تتزوّج بعدي ولا أتزوّج بعدك». قال «أتطيعيني؟»، قلت «ما استأمرتك إلا وأنا أريد أن أطيعك»، قال «فإذا متّ فتزوّجي»، ثم قال «اللهم ارزق أمّ سلمة بعدي رجلا خيْرا مني لا يحزنها ولا يؤذيها قال فلمّا مات أبو سلمة قلت: مَنْ هذا الفتى الذي هو خير لي منْ أبي سلمة؟» فلبثت ما لبثت ثمّ جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فقام على الباب فذكر الخطبة»!! ويروي ابن سعد، في «طبقاته»، أنّ أمّ سلمة قالت: «لمّا انقضتْ عدّتي من أبي سلمة أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمني بيني وبينه حجاب، فخطب إليّ نفسي فقلتُ: «أيْ رسولَ الله، وما تريد إليّ؟ ما أقولُ هذا إلاّ رغبة لك عن نفسي، إنّي امرأة قد أَدْبَرَ مني سنّي، وإني أمّ أيتام، وأنا امرأة شديدة الغيرة، وأنتَ يا رسول الله تجمع النساء». فقال رسول الله فلا يمنعك ذلك أما ما ذكرت من غيرتك فيذهبها الله وأما ما ذكرت من سنك فأنا أكبر منك سنا وأما ما ذكرت من أيتامك فعلى الله وعلى رسوله فأذنت له في نفسي فتزوجني فلما كانت ليلة واعدنا البناء قمت من النهار إلى رحاي وثفالي فوضعتهما وقمت إلى فضلة شعير لأهلي فطحنتها وفضلة من شحم فعصدتها لرسول الله فلما أتانا رسول الله قدم إليه الطعام فأصاب منه وبات تلك الليلة فلما أصبح قال قد أصبح بك على أهلك كرامة ولك عندهم منزلة فإن أحببت أن تكون ليلتك هذه ويومك هذا كان وإن أحببت أن أسبع لك سبعت وإن سبعت لك سبعت لصواحبك قالت: «يا رسول الله افعل ما أحببت». ومن شدّة غيرتها أنها كانتْ رفقة الرسول في بعض أسفاره، ومعه في ذلك السفر صفية بنت حيّي، إحدى زوجاته التي سنتحدّث عنها لاحقا، فأقبل الرسول إلى هودج صفية بنت حيي وهو يظنّ أنه هودج أمّ سلمة، وكان ذلك اليوم يوم أمّ سلمة فبدأ الرسول يتحدث مع صفية، فغارتْ أمّ سلمة، وعلم الرسول فيما بعد بأنها صفية، فجاء إلى أمّ سلمة، فقالت: «تتحدثُ مع ابنة اليهوديّ في يومي وأنتَ رسول الله؟ قالت: «ثمّ ندمتُ على تلك المقالة فكانت تستغفر منها قالت يا رسول الله استغفر لي فإنما حملني على هذا الغيرة».(انظر التفاصيل في: (أسد الغابة، وسيرة ابن هشام، والطبقات الكبرى). وكانتْ عائشة، حين اتخذ الرسول أمّ سلمة زوجة له، قدْ قالت: «لما تزوّج النبيّ صلى الله عليه وسلم أمّ سلمة، حزنتُ حزنا شديدا لما ذكر لنا من جمالها. فتلطّفتُ حتى رأيتها فكان في عينيّ على أضعاف ما وُصفت لنا. فذكرتُ ذلك لحفصة، وكنّا يدا واحدة. فقالت: لا والله إن هذا إلا غيرة، وما هي كما تقولين. قالت: ثم رأيتها بعد ذلك، فكانت كما قالت حفصة». «إن لعائشة مني شعبة ما نزلها أحد»، فلما تزوّج أم سلمة، سئل عن الشعبة، فسكت فعُرف أنّ أمّ سلمة قد نزلت عنده بمنزلة لطيفة. وتوفيت أم سلمة في شهر شوال سنة تسع وخمسين للهجرة. غدا: زينبُ بنت جحش أو رهان الشرعيّة