تساقطات ثلجية وأمطار رعدية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء في المغرب    مكتب الصرف: تحويلات مغاربة العالم فاقت 117,7 مليار درهم سنة 2024    مع اقتراب شهر رمضان.. ارتفاع أسعار المواد الغذائية بالأسواق المغربية    مقتل مواطن مغربي بالرصاص في إيطاليا    الزوبير بوحوت يكتب: السياحة في المغرب بين الأرقام القياسية والتحديات الإستراتيجية    وهبي: العدالة الانتقالية تجربة وطنية رائدة أفضت إلى تعزيز المصالحة بين المجتمع المغربي وتاريخه    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    بن شرقي: "اللعب للأهلي كان حلمي وسأسعى لحصد الألقاب معه"    الرئيس السوري أحمد الشرع يصل إلى السعودية في أول زيارة رسمية    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين بتهمة قرصنة المكالمات الهاتفية    القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    باب برد: تفكيك عصابة إجرامية متورطة في سرقة وكالة لتحويل الأموال    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    نادٍ نرويجي يتبرع بعائدات مباراته ضد فريق إسرائيلي لدعم غزة    التوقيع على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون والشراكة بين مدينة طنجة ومدينة القدس الشريف    هذه توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب    كريستينا.. إسبانية سافرت للمغرب لاستعادة هاتفها المسروق بمدريد والشرطة المغربية أعادته إليها في أقل من ساعة    "هِمَمْ" ترفض التضييق والتشهير بمديرة جريدة "الحياة اليومية"    نزار بركة يترأس الدورة العادية الموسعة للمجلس الإقليمي لحزب الاستقلال في العيون    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    "رسوم ترامب" الجمركية تشعل حربًا تجارية .. الصين وكندا والمكسيك ترد بقوة    روبرتاج بالصور.. جبل الشويحات بإقليم شفشاون وجهة سياحة غنية بالمؤهلات تنتظر عطف مسؤولين للتأهيل    السلطات الأسترالية تعلن وفاة شخص وتدعو الآلاف لإخلاء منازلهم بسبب الفيضانات    حريق مُهول يأتي على ورش للنجارة بمراكش    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    المغرب يعزز موقعه الأممي بانتخاب هلال نائبا لرئيس لجنة تعزيز السلام    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معراج العباد إلى ربهم: (لا إله إلا الله)، وقفة على معانيها، واقتباس من أنوارها
نشر في هوية بريس يوم 08 - 10 - 2020

أوَّلُ كلمةٍ يدخلُ بها الإنسان بوّابةَ الإسلامِ، ويصلُ إلى مدارجِ التوحيد، ويرتقي في مراقي العبودية، هي كلمةُ (لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله)، التي بموجبها يعترفُ العبدُ للهِ عزّ وجلّ وحدَه بالربوبية والألوهية، ولمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بالرسالةِ. أنْ يشهدَ العبدُ أنَّ الله هوَ المستحقُّ للعبادةِ، وأنْ تنصَرفَ قواه -قوى عقلِهِ وقلبِهِ وبدنهِ وجوارحِه- في التسبيح، والتهليلِ، والتمجيد، والعبودية لهذا الإله العظيم، الذي أنتَ أيُّها الإنسان من بعضِ فضلِه، ومن بعضِ خلقِه، فكلُّ ذرَّاتِ كيانك الداخلية تعترِفُ به، وتمجِّده، وتسبِّحه، شئتَ أم أبيتَ، غفلتَ أم انتبهت، حَيِيْتَ أم مِتَّ، آمنتَ أم كفرتَ، فيبقى اختيارُ الإنسان أن يعبدَ ربَّه سبحانه وتعالى طَوْعاً بما أمره الله تعالى، وبما جاء على ألسنةِ رسلِهِ المكرّمين عليهم الصلاة والسلام، وأن يشهدَ أنَّ محمَّداً صلى الله عليه وسلم الخاتمَ للرسل هو عبدُ اللهِ ورسولُه، أرسلَه ربُّنا إلى الخَلْقِ أجمعين، من الإنس والجن، وذلك إقراراً باللسانِ، وإيماناً بالقلب، بأنَّه رحمةٌ مهداةٌ للعالمين.
أولاً: معنى: لا إله إلا الله محمد رسول الله:
إن معنى كلمة لا إله إلا الله أنَّه لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، فهو وحدَه سبحانه المستحقُّ بأنْ تصرفَ له جميعُ العباداتِ، وتكونَ خالصةً له دون سواه، قال تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [سورة البقرة: 163].
وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ۝ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ۝ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
[سورة الزخرف: 26-28]. وقال تعالى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [سورة آل عمران: 2].
ومعنى شهادةِ (أنَّ محمداً رسول الله): الإقرارُ باللسانِ، والإيمان بالقلبِ، بأنَّ محمَّد بنَ عبد الله القرشيَّ الهاشميَّ رسولُ اللهِ إلى جميعِ الخلقِ من الجنِّ والإنسِ، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [سورة الأعراف: 158] .
وقال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾
[سورة الفرقان: 1].
فكلمة لا إله إلا الله تشمل جزأين؛ النفي والإثبات:
أما "لا إله": فنافيةٌ لجميعِ ما يُعْبَدُ منْ دونِ الله تعالى، فلا يستحقُّ أنْ يُعْبَدَ أحدٌ سواه، و"النكرةُ في سياق النفي تفيدُ العمومَ"؛ فهي تشملُ كلَّ ما يمكِنُ أنْ يُتوجَّه إليه بالعبادةِ، وكلَّ مَنْ تُصْرَفُ إليه غير الله تعالى.
أما "إلا الله": فَمُثْبِتَةٌ العبادةَ للهِ تعالى، فهو الإله الحقُّ، المستحقُّ للعبادة، فإنَّ خبر "لا" المحذوفَ "بحق" هو الذي جاءت به نصوصُ الكتاب المبين، فمعنى "لا إله بحق إلا الله": أي لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، فكما تفرَّد سبحانه وتعالى بالخَلْقِ، والرزق، والإحياءِ، والإماتةِ، والإيجاد والإعدامِ، والنفعِ، والضّرِ، وغير ذلك من معاني ربوبيته، ولم يشارِكْه أحدٌ في خلقِ المخلوقات، ولا في التصرّفِ في شيءٍ منها، فكذلك تفرُّدُه سبحانه بالألوهيةِ حقٌّ لا شريكَ له، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سورة لقمان: 30].
أما لفظ الجلالة في كلمة الشهادة "الله" عزَّ وجلَّ:
فهو اسمٌ من أسمائه جلَّ وعلا، وهو اسمه الأعظم عندَ قومٍ.
وهو أكثرُ الأسماءِ تردُّداً في القرآن والسنة.
و"الله" هو أكثرُ الأسماءِ اشتهاراً وترديداً على ألسنةِ المخلوقين كلّهم بمختلف ألسنتهم.
و"الله" هو الاسم الدالُّ على الذاتِ العظيمةِ الجامعةِ لصفاتِ الألوهية والربوبية.
وهو اسمٌ له وحدَه، لا يتعلّق به أحدٌ سواه، ولا يُطْلَقُ على غيره، ولا يدّعيه أحدٌ مِنْ خلقه.
و"الله" اسمٌ للربِّ المعبودِ المحمودِ، الذي يمجِّده الخلقُ، ويسبّحونه، ويحمَدونه، وتسبّحُ له السماواتُ السبعُ، والأرضونَ السبعُ، ومن فيهنّ، والليل والنهار، والإنس والجن، والبَرُّ والبحر، قال تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [سورة الإسراء: 44].
و"الله" هو الربُّ الذي تألَهُهُ القلوبُ، وتحنُّ إليه النفوسُ، وتتطلَّعُ إليه الأشواقُ، وتحِبُّ وتأنَسُ بذكره وقربِهِ، وتشتاقُ إليه، وتفتقر إليه المخلوقاتُ كلُّها في كلِّ لحظةٍ وومضةٍ، وخطرةٍ وفكرةٍ، في أمورِها الخاصّةِ والعامّةِ، والكبيرةِ والصغيرةِ، والحاضرةِ والمستقبليةِ، فهو مبديها ومعيدُها، ومُنْشىِئُها وباريها، وهي تدينُ له سبحانه وتُقِرُّ، وتفتقِرُ إليه في كلِّ شؤونها وأمورِها، فما مِنْ مخلوق إلا ويشعرُ بأنَّ الله تعالى طوّقه مِنَناً ونعماً، وأفاضَ عليه من آلائه وكرمه وإفضاله وإنعامه الشيء الكثير، فجديرٌ إذاً أنْ يتوجَّه قلبُ الإنسان إلى الله تبارك وتعالى بالحبِّ والتعظيم والحنين.
"الله" عظيمٌ في ذاته، وصفاته، وأسمائه، وجلاله، ومجده، لا تحيطُ به العقولُ، ولا تدرِكُه الأفهام، ولا تَصِلُ إلى عظمته الظُّنون، فالعقولُ تحارُ في عظمته، وإن كانت تستطيع بما مُنِحَتْ من الطّوْقِ والقدرةِ أن تدرِكَ جانباً من هذه العظمةِ يمنحُها محبةَ اللهِ، والخوفَ منه، والرجاءَ فيه، والتعبُّدَ له بكلِّ ما تستطيع. قال الشاعر:
لله في الآفاق آيات لعلَّ أقلها هو ما إليه هداكا
ولعل ما في النفس من آياته عجبٌ عجابٌ لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار إذا حاولت تفسيراً لها أعياكا
"الله" هو الإله المعبود، الذي يُخْلِصُ له المؤمنون قلوبَهم، وعبادتهم، وصلاتَهم، وحَجَّهم، وأنساكَهم، وحياتَهم، وآخرتَهم، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [سورة الأنعام: 162-163]. وروحُ لا إله إلا الله وسرُّها: إفرادُ الربِّ جلّ ثناؤه، وتقدّست أسماؤه، وتباركَ اسمُه، وتعالى جَدُّه، ولا إله غيرُه؛ بالمحبةِ، والإجلالِ، والتعظيمِ، والخوفِ، والرجاءِ، وتوابعِ ذلك من التوكلِ، والإنابةِ، والرّغبة، والرّهبةِ، فلا يُحَبُّ سواه، بل كلُّ من كان يحِبُّ غيره فإنما يحبُّه تبعاً لمحبته، ولأنّه وسيلةٌ إلى زيادةِ محبته، ولا يُخَاف ولا يُرْجَى سواه، ولا يُتَوَكَّلُ إلَّا عليه، ولا يُرْغَبُ إلَّا إليه، ولا يُرْهَبُ إلَّا منه، ولا يُحْلَفُ إلَّا باسمِهِ، ولا يُنْذَرُ إلَّا له، ولا يُتَابُ إلَّا إليه، ولا يُطَاعُ إلَّا بأمرِه، ولا يُحْتَسَبُ إلَّا له، ولا يُسْتَعَانُ في الشدائِد إلَّا به، ولا يُلْتَجَأُ إلَّا إليه، ولا يُسْجَدُ إلَّا له، ولا يُذْبَحُ إلَّا له وباسمِهِ، يجتمع ذلك في حرفٍ واحدٍ؛ هو أنْ لا يُعْبَدَ بجميع أنواعِ العباداتِ إلَّا هو. فهذا هو تحقيقُ شهادةِ "أن لا إله إلَّا الله"، ولهذا حرَّمَ الله على النارِ مَنْ شهدَ "أنْ لا إله إلا الله" حقيقةً، ومحالٌ أن يدخل النارَ مَنْ تحقَّقَ بحقيقةِ هذه الشهادة، وقامَ بها كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ﴾
[سورة المعارج: 33]. فيكونُ قائماً بشهادتهِ في باطنهِ وظاهره، وفي قلبه وقالبه.
ومقتضى هذه الشهادة أنْ تصدِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبرَ، وأن تمتثل أمرَه فيما أمر، وأنْ تتَجَنَّبَ ما عنه نهى وزجر، وأنْ لا تعبدَ الله إلا بما شرع، وأنْ لا تعتقد أنَّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقّاً في الربوبية، وتصريفِ الكون، أو حقّاً في العبادةِ، بل هو صلى الله عليه وسلم عبدٌ لا يُعْبَدُ، ورسولٌ لا يكذَّبُ، ولا يملِكُ لنفسِهِ ولا لغيره شيئاً منَ النفع أو الضرِّ إلا ما شاء الله.
لقد عُرِفَتْ لا إله إلا الله لدى المسلمين "بكلمة التوحيد"، و"كلمة الإخلاص"، و"كلمة التقوى"، وكانت لا إله إلا الله إعلانَ ثورةٍ على جبابرةِ الأرض وطواغيتِ الجاهلية، ثورة على كل الأصنام والآلهة المزعومة من دون الله، سواء كانت شجراً أم حجراً أم بشراً. وكانت لا إله إلا الله نداءً عالمياً لتحريرِ الإنسان من عبوديةِ الإنسان والطبيعة وكلّ مَنْ خُلِق، وكانت لا إله إلا الله عنوانَ منهجِ اللهِ الذي لا تعنو الوجوهُ إلا له، ولا تنقادُ القلوبُ إلَّا لحكمه، ولا تخضعُ إلَّا لسلطانه.
ثانياً: فضل كلمة "لا إله إلا الله":
لقد ورد في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من الفضائل الجمّة لهذه الكلمة، والخصالِ العديدة، والأوصافِ الحميدةِ، ما يَصْعبُ استقصاؤه في هذا الموضع، فهي كلمةٌ قامت بها الأرضُ والسماوات، وخُلِقَتْ لأجلها جميعُ المخلوقاتِ، وبها أَرسلَ الله تعالى رسلَه، وأنزلَ كتبَه، وشرعَ شرائعَه، ولأجلِها نُصِبَتِ الموازينُ، ووضعت الدواوينُ، وقام سوقُ الجنّة والنار، وبها انقسمتِ الخليقةُ إلى المؤمنين والكفار، والأبرار والفجّار، فهي منشأُ الخلقِ والأمر، والثوابِ والعقابِ، وهي الحقُّ الذي خُلِقَتْ له الخليقةُ، وعنها وعن حقوقها السؤالُ والحسابُ، وعليها يقعُ الثوابُ والعقابُ، وعليها نُصِبَتِ القبلةُ، وعليها أُسِّسَتِ الملّةُ ولأجلِها جُرِّدتْ سيوفُ الجهادِ، وهي حقُّ اللهِ على جميعِ العبادِ، فهي كلمةُ الإسلام، ومفتاحُ دارِ السلامِ، وعنها يُسْألُ الأولون والآخرون، فلا تزولُ قدما العبد بين يدي الله حتى يُسْأَل عن مسألتين: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ فجوابُ الأولى: بتحقيق لا إله إلا الله معرفةً، وإقراراً، وعملاً. وجواب الثانية: بتحقيق "أن محمداً رسول الله" معرفةً، وإقراراً، وانقياداً وطاعةً.
ومما ورد في فضل هذه الكلمة في القرآن الكريم أنّها وُصِفَتْ بالكلمة الطيبة، والقولِ الثابتِ، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ۝ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [سورة إبراهيم: 24-25]. وأنها العروة الوثقى، كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ [سورة البقرة: 256]. ومن فضائلها أنّ الرسل جميعَهم أُرسلوا بها مبشِّرين ومنذرين، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [سورة الأنبياء: 25]. إلى غير ذلك من الفضائل التي ذُكِرتْ في القرآن الكريم.
وأما ما ورد في فضلها في السنة المشرفة فكثيرٌ جدّاً؛ نذكرُ منه بعضها:
فمن ذلك أنها أفضل شعب الإيمان، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الإيمانُ بِضْعٌ وسبعونَ، أو بِضْعٌ وستون شُعْبَةً، أفضلُها: قولُ لا إله إلا الله، وأَدْناها: إمَاطَةُ الأذى عن الطريق).
ومن فضائلها أن الجهاد أُقِيْمَ من أجل إعلائها، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتّى يَشْهَدوا أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّداً رسولُ اللهِ، ويقيموا الصلاةَ، ويؤتوا الزكاةَ، فإذا فعلوا ذلك عَصَمُوا منّي دماءَهم وأموالَهم، إلَّا بحقِّ الإسلامِ، وحسابُهم على اللهِ).
ومن فضائلها أنّها ترجُحُ بصحائفِ الذنوب، كما جاء في حديث البطاقة، فعن عبد الله بن عَمْرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ سَيُخَلِّصُ رجلاً مِنْ أُمَّتي على رؤوس الخلائق يومَ القيامةِ، فَيَنْشُرُ عليه تسعةً وتسعينَ سِجِلّاً، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يقولُ: أتُنْكِرُ مِنْ هذا شيئاً، أظلمَك كَتَبتي الحافظونَ؟ فيقولُ: لا يا ربِّ، فيقولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فيقولُ: لا يا ربِّ. فيقولُ: بلى إنَّ لك عِنْدَنَا حسنةً، فإنه لا ظُلمَ عليكَ اليومَ، فتُخْرَجُ بطاقةٌ فيها: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله، وأشهدُ أنَّ محمّداً عبدُه ورسولُه، فيقول: احْضُرْ وزنَكَ. فيقول: يا ربِّ ما هذهِ البطاقةُ مَعَ هذهِ السجّلاتِ؟ فقال: إنّك لا تُظْلَمُ. قال: فتوضع السجّلاتُ في كِفّةٍ، والبطاقةُ في كِفّةٍ، فطاشتِ السجلّاتُ، وَثَقُلَتِ البطاقةُ، فلا يَثْقُلُ مَعَ اسمِ اللهِ شيءٌ.
المصادر والمراجع:
* البخاري، الجامع الصحيح، رقم: (25).
* الترمذي، الجامع، رقم: (2639).
* سلمان بن فهد العودة مع الله، دار الإسلام اليوم ص36-39.
* سيد سعيد عبد الغني، العقيدة الصافية، ص 260.
* عبد الله بن عبد الرحمن الجربوع، الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للإيمان بالله، 1/233.
* علي الصلابي، قصة بدء الخلق وخلقُ آدم عليه السلام، ص 30-37.
* محمد بن أبي بكر بن القيم، الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ص 139.
* مسلم، الجامع الصحيح، رقم: (35).
* يوسف القرضاوي، الإيمان والحياة، ص 31.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.