د. رشيد الحمداوي (أستاذ باحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بمراكش) من خصائص هذا العصر سرعة انتشار الأخبار على اختلاف أنواعها وتعدد أشكالها، وتزداد هذه الأخبار صحة ودقةً عند المتلقين حينما توثّق بصور أو تسجيلات صوتية أو مرئية، وللأسف أن ذلك يشمل ما لا يليق أن يرى أو يسمع، مما يتعلق بإظهار العورات وأخبار الفضائح والجرائم الجنسية. وحين يتعلق الأمر بارتكاب الفواحش كالزنا واللواط والخيانة الزوجية ونحوها، فإن الناس يسارعون إلى نقل هذه الأخبار، ويتساهلون في روايتها ونشرها، وكثير منهم يتلذذ بالخوض فيها والتحدث عن تفاصيلها، وصار الخبر الواحد بهذه الهواتف المحمولة ينقل إلى آلاف الناس في بضع دقائق، ويبدأ الناس يتحدثون بذلك في لقاءاتهم ومجالسهم، حتى وإن كان الخبر مُحرَّفا أو مختلقا مكذوبا. ومن دواهي هذا الزمن أن هنالك من يرتكب الفواحش ويصورها ويقوم بنشرها إمعانًا في الفساد والإفساد، فيجمع إلى المعصية المجاهرةَبها وهَتْكَ سترِ الله عليه، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهىالله عنها، فمن أَلَمَّ بشيء منها فَلْيَسْتَتِرْ بسِتْرِ الله،ولْيَتُبْ إلى الله…"(). وقال في حديث آخر: «كلُّأمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أنيعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره اللهفيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد باتيستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه»(). وقد شددت الشريعة الإسلامية في مجال تلقي الأخبار بصفة عامة، وفي شأن أخبار الفواحش بصفة خاصة. أما في الأخبار عامةً فإن الله تعالى أمرنا بالتثبت فيما يُنقل إلينا إذا نقله غير العدول،فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌبِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىمَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]. ونبهنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن التحدث بكل ما يبلغك تمحيص لا يختلف عن الكذب في شيء فقال: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع"(). أما في شأن أخبار الفواحش فإن الله عز وجلحذرنا من تصديق أي خبر منها إن لم يكون عليه أربعة شهود، فقال: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِفَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 12، 13]. ومن ثم فإن أخبار المعاصي الجنسية وتهم الخيانة الزوجية ونحو ذلك مما يتعلق بالفواحشينبغي أن يتعامل معها بعدة أمور: أولا: عند سماع هذه الأخبار يجب التوقفُفيها، وعدمُ تصديقها، وعدم الحكم على المتهم فيها بالفِسق والعُهر ونحو ذلك…ذلك لأن الزنا لا يثبت إلا بالاعتراف أو شهادة أربعة شهود عدول، ولو أن أحدا من الناس نطق بهذه التهمة مُصرًّا عليها ولم يستظهر بشهود آخرين رأوا فعل الفاحشة رأي العين فإنه يكون قد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، وهي كبيرة القذْف، وقد شرع الله لها عقوبةً مغلظة صيانةً للأعراض وزجرًا للناس عن النيل منها، وهما في الحقيقة عقوبتان: عقوبة بدنية، وهي الجَلْد ثمانين جلدة، وعقوبة اجتماعية، وهي ردُّ شهادته، ولذلك قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَالْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُالْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوافَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 4، 5]. ثانيا: لا يجوز التحدث بهذا الخبر إلى الغير،لأن هذا يجعل الناس يسيئون الظن بالفاعل وإن كانت التهمة غير ثابتة، ويجعل المعصية تهون في النفوس، لأن تعدد أخبارها يصور للسامعين أن الفاحشة تقترف كثيرا، فتخف عليهم شناعتها،ويهون عليهم ارتكابها، من باب قولهم: إذا عَمَّت هانت. وربما تنطوي هذه الأخبار من طرف خفي على الإغراء بالمعصية، وتحريك الغريزة الجنسية، فيبوء المتحدث بها بإثم غيره. ثالثا: لا يجوز إذاعة هذا الخبر ونشره بأي وسيلة من وسائل النشر، سواء كان رسالة على الهاتف، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو نشره عبر صحيفة إلكترونية أو ورقية، أو موقع على الأنترنت، أو قناةٍ تلفزية أرضية أو فضائية أو غير ذلك من وسائل الإعلام وطرق النشر. وقد توعد الله تعالى الذين يحبون شيوع أخبارالفاحشة في المجتمع الإسلامي بالعذاب الشديد في الدارين فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19]. فما بالك بمن يشيع أخبارها؟ ذلك أن شيوع أخبار الفاحشة يهوِّن أمرها عند الناس ويزيل استشناعها واستقباحها من أنفسهم ويجعلهم يستصغرونها ويجترئون على فعلها(). رابعا: بالنسبة لأخبار وقائع الاغتصاب التي تنشر عبر وسائل الإعلام بين الفينة والأخرى فالأمر فيها مختلف، فإن هذه الأخبار لها فائدتان: الأولى: تحذير الناس من هذه الجرائم وتنبيههم على إمكان حدوثها، لا سيما إذا أضيف إلى الخبر بعض الإرشادات التي تعين على تفادي وقوع هذه الجريمة. الثانية: أن الخبر إذا تضمن ضبط أجهزة الأمن للمشتبه به في الاغتصاب أو المتلبس به فإن هذا قد يزجر بعض من تسول لهم أنفسهم اقتراف هذه الجريمة، ويصدّهم عن ارتكابها. ولكنْ لتكون هذه الأخبار غير مصادمة للتوجيهات الشرعية فيجب أن تكون واقعة الاغتصاب ثابتة، أما مجرد اتهام شخص لشخص بأنه فعل جريمة الاغتصاب لا ينبغي أن يصور على أنه فعل الجريمة، بل لا ينبغي أن ينشر مثل هذا الخبر أساسا، فما أكثر الدعاوى والاتهامات التي يصدقها الناس ويخوضون فيها، ثم يتبين بطلانها فيما بعد. وإذا كانت واقعة الاغتصاب أو الاعتداء ثابتة فيجب أن يخلو الخبر من الأسماء، حتى لا يكون في ذلك فضيحة تتأثر بها أسرة المعتدى عليه. ويستحب أن يخلو الخبر من تعيين المناطق بدقة، والاقتصار على إشارات مجملة، والاكتفاء بما يفيد الاعتبار بالحدث، ويجب أن يكون الخبر دقيقا في بيان شكل الجريمة، فثمة فرق بين الاغتصاب ومحاولة الاغتصاب والتحرش والاستدراج…الخ. فلا ينبغي مطلقا أن يُصوّر أي تصرف مشبوه على أنه محاولة للاغتصاب، ولا أن تُصوّر المحاولة على أنها اغتصاب فعلي. خامسا: أي قضية من هذا النوع إذا تم وقع ضبط مرتكبيها فإنها تترك لتحقيق أجهزة الأمن، ويترك فيها الحكم في نهاية المطاف للقضاء الذي يحكم بناء على البينات والأدلة التي عرضت عليها، إما ببراءة المتهم أو إدانته. ولا يحق لأحد أن يدين شخصًا بمجرد التهمة. ولا بد من التنبه إلى أن الصور – حتى إن كانت تظهر فعل الزنى – ليست بينة قاطعة، لأنها يمكن تركيبها (فَبْرَكَتها) بالبرامج الحاسوبية المتخصصة، ولا تؤكد نسبة ما فيها إلى أحد إلا بشهادة الخبراء في هذا المجال. والمسلم لا ينبغي أن ينسب المتهم بالفاحشة إلى الزنا، ولا أن يصفه بالعاهر أو الداعر أوالمغتصب أو الشاذ أو نحو ذلك من العبارات القدحية، لأنه يمكن أن يكون هذا المتهم المدان بريئا في نفس الأمر…لأن وسائل الإثبات الشرعية لا يتوقف عندها في هذا الزمن، وإنما يؤخذ بأدلة ربما تكون ظنية، وتفضي إلى تجريم البريء. ومن جهة أخرى لو أن هذا الإنسان ثبت عليه ارتكاب الفاحشة بالبينات القطعية، فلا ينبغي الكلام عنه بسوء، لأنه ربما يكون قد تاب إلى الله تعالى توبة نصوحا، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم()، وقد بشر الله تعالى التائبين من هذه الكبائر بأنه سيبدل سيئاتهم حسنات، فقال: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِإِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّوَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْلَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْتَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُسَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 68 – 70]. وقد أدبنا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأدب في واقعة المرأة الغامدية التي أقرت بالزنا وجاءتإليه تسأله أن يقيم عليها الحد مع أنه في منتهى الشدة، فحينما سبّها خالد بن الوليد بعد رجْمِها، نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال: "مهلا يا خالد، لا تَسُبَّها، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبةً لو تابها صاحب مَكْس() لغُفِر له"(). فالمسلم ينبغي أن يكون عف اللسان، طاهر القلب، غضيض الطرف، نقي المسمع عن المحارم، والتزامه بالأمور السالفة الذكر سيضيق من انتشار أخبار الفواحش، ويسهم في التقليل من ارتكابها، ونسأل الله تعالى أن يعيذنا من الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.