هوية بريس – متابعات تتبدى الخسائر الاقتصادية كوجه آخر للفيضانات في السودان أشد قسوة وتأثيرا على اقتصاد البلاد المنهك أصلا تحت ضربات التضخم المفرط وترنح العملة المحلية "الجنيه" أمام العملات الصعبة. وطبقا للخبير الزراعي محمود عبد الجبار الذي حضر مؤتمرا تنويريا محدودا لوزير الزراعة أمس الأربعاء، فإن أكثر من 200 ألف فدان زراعي تضررت وأصبحت خارج دائرة الإنتاج جراء فيضانات نهر النيل وروافده، والتي تعد الأضخم خلال قرن. وهذه إحصاءات صادمة بشأن الخسائر الزراعية تفوق بكثير الأرقام الواردة في تقارير وزارة الداخلية التي أحصت حتى مساء أمس الأربعاء تضرر 4708 فدانات زراعية. ويقول عبد الجبار للجزيرة نت إن 89 ألف فدان في القطاع المروي تدمرت في المشاريع الزراعية المروية في الجزيرة والرهد وحلفا الجديدة، فضلا عن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية مثل قنوات الري. بساتين مغمورة لم تنحصر أضرار الفيضانات والسيول على القطاع المروي فقط، لكنها طالت القطاع الذي ينتج أغلب إنتاج البلاد من الذرة والسمسم وعباد الشمس. ويشير الخبير الزراعي إلى أن من ضمن الإحصاءات الأولية التي كشف عنها وزير الزراعة تضرر نحو 100 ألف فدان في القطاع المطري الذي يتركز في ولايات القضارف وسنار والنيل الأزرق. لكن الفاجعة -بحسب عبد الجبار- كانت في تضرر القطاع البستاني بالكامل، لتمدده على شواطئ نهر النيل ليكون أكثر القطاعات الزراعية تضررا، ولم تحدد مساحة البساتين المتضررة حتى الآن. ويضيف أن كل مزارع الموز -بدءا من ولاية سنار ومرورا بولايات الجزيرة والخرطوم ونهر النيل والشمالية- غمرت بالمياه ليفقد السودان أهم الصادرات البستانية، فضلا عن مزارع المانجو والجريب فروت. ويؤكد أن أكثر الولايات تضررا ولاية سنار (نحو 350 كيلومترا جنوب شرق الخرطوم)، وولاية نهر النيل المتاخمة للعاصمة شمالا، حيث خرجت حوالي 13 ألف فدان زراعي من دائرة الإنتاج في الولاية الأخيرة لوحدها. نفوق المواشي وقطعا، ستكون هذه الخسائر محدودة بوصفها مجرد إحصاءات أولية، حيث ما زالت تجري مسوحات لتحديد الخسائر بدقة في المباني والمرافق والقطاع الزراعي والرعوي. وطبقا لآخر تقرير للمجلس القومي للدفاع المدني مساء الأربعاء، فإن وفيات الأشخاص جراء الفيضانات والأمطار بلغت 103 وفيات، فيما نفقت 5480 رأسا من المواشي. ودمرت الفيضانات -وفقا للتقرير- 27 ألفا و449 منزلا بشكل كلي، و42 ألفا و630 منزلا بشكل جزئي، فضلا عن تدمير 179 مرفقا و359 متجرا ومخزنا. وأعلن مجلس الأمن والدفاع في السودان البلاد منطقة كوارث طبيعية، كما أعلن حالة الطوارئ في كل أنحاء البلاد لمدة 3 أشهر، بعد موجة من الفيضانات والسيول شردت مئات الآلاف من الأسر. وسجلت مناسيب النيل في الخرطوم وعند محطات القياس الرئيسية أعلى مناسيب منذ 100 عام، حيث فاقت معدلات الفيضان هذه السنة الفيضانات القياسية في عامي 1946 و1988. البنية التحتية ويتوقع خبير البنية التحتية في منظمة جايكا اليابانية أبو سفيان الكباشي أن تكون خسائر الفيضانات كبيرة للغاية في ظل ضعف مواد البناء وتدهور البنية التحتية بالبلاد. ويقول الكباشي للجزيرة نت إنه من المبكر تحديد الخسائر في المباني والبنية التحتية على وجه الدقة، لتفاوت المساكن المدمرة ما بين منازل مشيدة بالطين، وأخرى بالطوب، وأخرى مسلحة بالإسمنت والحديد. وينصح بنقل القرى والأحياء المجاورة للنيل بعد تحديد أقصى مناطق وصلها الفيضان بمنح السكان المتضررين أراضي سكنية تساهم الدولة في بنائها بمواد ثابتة، على أن تتملك الحكومة الأراضي التي يغمرها الفيضان مع حظر منحها لآخرين، سواء للسكن أو الاستثمار، ويرى أنه من الممكن أن تخصص الحكومة جزءا من أموال الإغاثة في مشاريع تقدم حلولا جذرية للفيضانات. ويحذر الكباشي من مغبة بناء الطرق دون مراعاة إنشاء جسور ومصارف لتصريف مياه الخيران والوديان إلى مجاري الأنهار، مما يؤدي إلى تراكم المياه وتوالد البعوض والذباب المسبب للأمراض، وهو أيضا خسارة اقتصادية تتمثل في استيراد الدواء وخروج المرضى من دائرة الإنتاج. مخاطر مستمرة وفي محاولة لتخفيف وطأة الخسائر، يقول محمود عبد الجبار إن الحكومة تعتزم مخاطبة المنظمات الدولية للمساعدة في تجاوز محنة الفيضانات، حيث أطلقت بعثة الخرطوم الدائمة بالأمم المتحدة نداء عاجلا لدعم جهود الحكومة. ويفيد عبد الجبار بأن الأضرار التي لحقت بالمزارعين تعد خطيرة مقارنة بخسائر المنازل والمرافق التي يركز عليها إعلاميا، مبينا أن المزارعين في حاجة للتعويض وجبر الضرر، فضلا عن توجيه البنوك بمنح المقترضين منهم فترات سماح جديدة لسداد الديون. ويرى ضرورة تعميم التأمين الزراعي على كل المحاصيل، إذ إنه إجباري في محصول القمح، لكنه اختياري في محصولات مثل الذرة والقطن، وهما محصولان تضررا الآن من الفيضانات. ويضيف أن "الأضرار الزراعية مخيفة، القطاع الزراعي تعرض لضربة كبيرة، والناس ما زالوا يركزون على خسائر المباني". وفي ظل استمرار ذروة فيضان النيل واحتمال هطول أمطار فوق المعدل يبقى خطر الفيضانات الخاطفة قائما، مما يعني المزيد من الخسائر الاقتصادية. ويتوقع حدوث فجوة غذائية جراء مئات الآلاف من الأفدنة الزراعية التي خرجت وستخرج من دائرة الإنتاج، مما يسفر عن نقص في الغلال، إلى جانب المخاوف من أسراب الجراد التي دائما ما تعقب موسم الأمطار. (الجزيرة نت)