قضية "أسماء أزقة تمارة" جديرة بِطول الوقوف عندها من أجل أن نختبر هذا التيار الذي يشغل وسائل الإعلام، يمارس الضغط من خلالها من أجل فرض رؤية واحدة، وقناعات محددة تأخذ منطلقها الأساس من معاداة "الإسلاميين"، وتستغل شيطنة الغرب للحركات الإسلامية، وضغوطه على الدول من أجل اضطهادهم ومنعهم من تدبير الشأن العام، لتظهرهم بمظهر الخطر الداهم، الذي ينطوي على التطرف والإرهاب بالإضافة إلى الفشل والتخلف والرجعية. ولنا عودة لهذا الموضوع (شيطنة الإسلاميين) في مناسبة أخرى، أما هذا المقال فنحاول فيه الاستفادة من هذا النقاش وهذه الضجة من أجل وضع بعض النقط على الحروف تكون بمثابة تكملة للموضوع الذي نشرناه آنفا. فإن كان هؤلاء المتباكون على الثقافة الأمازيغية أمثال "عصيد" و"كود" وجوقة معاداة الأسلمة، ومن اتخذ قرار الإزالة من المسؤولين صادقين في كلامهم في قضية التسميات المتعلقة بالشوارع والمؤسسات التي تشغل الفضاء العام، ولأن الحامل على الموقف والقرار هو الانتصار للثقافة والخصوصية المغربية، فإننا نقترح عليهم بإلحاح، ما دامت لهم القدرة والتأثير، أن يتوجهوا بطلب للحكومة أو لوزارة الخارجية حتى تطلب بدورها ديبلوماسيا من فرنسا مجرمة الأمس، أن تغير أسماء عسكرييها المجرمين الذي أعملوا النار والتفجير في المغاربة، وبقروا بطون النساء واغتصبوهن في الشاوية والأطلس وحيثما وصلت جيوشهم، وقتلوا كل مَن رفض استغلالهم للبلاد واستعبادهم للعباد، فالدارالبيضاء والرباط ومدن أخرى لا تزال تحتضن رغم كل هذا الإجرام أسماء رموز الاحتلال التي تعتبر وصمة عار في جبين كل مغربي، وذلا يتجدد كل يوم لكل من تم اغتصاب جدته أو قتل جده أو إعدام أسلافه من طرف أولئك الرموز المجرمين. فثانويات ومدارس البعثة الفرنسية بأهم مدننا ترفع عاليا على واجهاتها الرئيسية أسماء أمثال ليوطي (Lyautey)، ولويس ماسينيون (Louis Massignon) المستشرق الفرنسي الحاقد على الإسلام الذي أفنى حياته في خدمة الاحتلال، حيث كان من أكبر مستشاري وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون شمال أفريقيا، والراعي الروحي للجمعيات التنصيرية الفرنسية في مصر. والأدهى والأذل من وجود اسم ماسينيون في الفضاءات العمومية، أن يظل اسم المارشال ليوطي (Lycée Lyautey)، أول مقيم عام فرنسي في المغرب، الذي ذبح المغاربة في حروب الشاوية والأطلس، والذي دأب طيلة أكثر من 13 سنة، يمد ضباطه بالعدة والذخيرة والخطط ليمطروا الدواوير والقرى في أنحاء المغرب بالقنابل، لا يميزون فيها بين المرأة والطفل والعجوز والشاب. فرجاء من يعرف الأستاذ "عصيد" فليعلمه أننا وجدنا اسما لإرهابي و"وهابي" فرنسي، قتل آباءه وجداته الأمازيغ ودمر ثرواتهم وانتهك أعراض الحرائر، فليظهر لنا صدق غيرته على ثقافة المغرب؛ وأنا أقطع سلفا بأنه يعلم ولن يفعل، لأنه مدين بإيديولوجيته لفرنسا والظهير البربري، ويرى أن الفرنسي المحارب المجرم أقرب إليه من العربي المسلم. فلتذهب الذاكرة المملوءة بالدماء الأمازيغية، والمثخنة بأشلاء النساء والأطفال في جبال الأطلس إلى الجحيم، وليمت مرّة أخرى أولئك الأبطال الذين قتلتهم فرنسا، فالمهم عند الأستاذ "عصيد" وأمثاله أن ينفث الحقد والكراهية على كل ما ومَن هو عربي إسلامي، بل يحتقر أيضا كل ما هو أمازيغي إسلامي. فعن أي ثقافة مغربية يتحدث زعماء جوقة معاداة الأسلمة؟؟ كيف لم يُثِرهم اسم ليوطي وهو لا يزال يقف "شامخا" على باب أقدم مدرسة رئيسية ثانوية فرنسية في الدارالبيضاء، منذ إنشائها في سنة 1921ه إلى حد الساعة، يذكر كل مغربي يراه بأننا ما زلنا هنا وأنكم ما زلتم تحت سلطتنا الثقافية. وهذا لا يخالف الحقيقة في الواقع، فما نعيشه اليوم من فساد، ومن ضعف في الاقتصاد هو بسبب التبعية لفرنسا، واستنزافها لثروات البلاد، وما نشاهده من فشل في منظومة التعليم، هو من آثار سياسة الفرنسة والازدواجية اللغوية التي يدافع عنها أمثال هؤلاء الناعقين. في الحقيقة أعتذر منكم قرائي الأفاضل عن تضييعي لوقتكم، فهؤلاء ليسوا في العير ولا في النفير كما يقال، لأنهم في هذا الموضوع لن يضيفوا إلينا جديدا، فالعمى الإيديولوجي والحقد على الإسلام وأهله، يفقدهم كل أهلية فكرية للمشاركة في موضوعات تهم الثقافة والخصوصية المغربية. لكن يمكننا أن نوجه الكلام إلى نوع من مسؤولينا الذين ينامون وقت العمل، حتى إذا ما نعق ناعق هرولوا لِلَمْلمة الأمر، واتخاذ قرارات حاسمة لكنها مرتجَلة عجلى، تماما كما عودنا السيد التوفيق في قرارات عزل الخطباء والوعاظ كلما اغتاظ العلمانيون من خطبة أو موعظة تنتهك معتقداتهم. لقد ذكَّرتني عجلة المسؤولين في إزالة لوحات أسماء أزقة مدينة تمارة بحادثة وقعت بعد أحداث الدارالبيضاء الدموية المؤلمة، وبالضبط في خريف سنة 2004، حيث أثار انتباهي وأنا أمُرُّ ببلدة الشماعية المهمشة مسافرا على الطريق الوطنية الرئيسية منظر عجيب، لمؤسسة تعليمية إعدادية دون اسم، مع كونها قديمة الوجود؛ وبعد تمعن اتضح لي أن اسمها طُلي بطلاء أبيض، لكنه رغم ذلك يشي بالاسم الذي أريد له طمسه، فأوقفت سيارتي وقرأت الإسم، فإذا بي أصعق إذ وجدت المؤسسة تحمل اسم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ تملكني حينها الغيظ مختلطا بالأسف والأسى على عقليات تعبث بالتعليم والفكر والتاريخ والإدارة في هذا البلد الأبي الشامخ ذي التاريخ الأمجد. ليوطي وماسينيون وإخوانهم من القتلة؛ رموز للمغاربة طيلة 100 سنة، في حين ابن تيمية العربي المسلم الذي تحتفي به جامعات بريطانيا، والذي تعتبر كتبه اليوم من أكثر الكتب مبيعا في المعارض الدولية، ابن تيمية الذي يُدرَّس فكره وإنتاجاته لحد الساعة في مراكز وجامعات الغرب، يستعر منه بعض مسؤولينا، فقط لأن العلمانيين في بلدان العربان قرروا أن فكر القاعدة مستوحى من فتاويه وأفكاره، فيا لها من طامة بل عاهة ليس لها في الطب دواء. ابن تيمية المفكر الذي رد على المنطق الأرسطي بقوة الحجة وصحيح العلم، وَرَدَّ على الفلاسفة وأرباب علم الكلام، وناقش أغلب الفرق، وشارك في جل الفنون المعرفية، لقد كان بحق من الصنف القليل عدده، الذي يمكن أن تنعته بالعالم الموسوعي؛ مات صابرا في سجن القلعة مضطهدا من أجل آرائه التجديدية التي كان يحاول بها افتكاك العقل المسلم من أغلال البدع وقيود الخرافة، حيث كان أغلب المسلمين يعتقدون أن الأموات يضرون وينفعون ويتقربون إليهم بالنذور والقرابين. ابن تيمية الذي احتفى به زعماء الفكر من المغاربة في عدة ندوات وأيام دراسية، قبل أن تتهمه أمريكا بالإرهاب، وأشاد به زعيم الوطنيين وأستاذهم مولاي العربي العلوي، الذي كان رجلا يدين بالخرافة التي طغت على التصوف في زمنه وكان ينتمي إلى "الطريقة التجانية"، وينافح بقوة وتعصب عن الطرق وأهلها، وكان السبب المباشر لخروجه من ربقة الخرافة والرجعية والظلامية، كتابا قدمه له إدريس برادة الكتبي آنذاك بالسبيطريين "بفاس" -كما يروى-، وعنوان هذا الكتاب هو "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" لابن تيمية، فعرف معنى الحرية بحق، فكان من زعماء الحركة الوطنية تتلمذ له جل السياسيين الذين حررهم من ربقة التقليد ونورهم من ظلام الخرافة فأثروا جميعهم في الواقع المغربي، بعد أن كان أغلبهم يعتقد أن الاحتلال الفرنسي قدر المغاربة وعليهم أن يرضوا بقدرهم. فكيف يُمحى اسمُ مَن هذا قدره في التاريخ وهذه مكانته في العلم والنضال والتنوير، وتبقى أسماء مَن سجنوا وعذبوا العلماء والمجاهدين من رموز الإمبريالية تعلو شوارع المغرب؟؟ فما السبب في هذا الوضع المشين المذل؟؟ كيف يستعجل المسؤولون في محو اسم "ابن تيمية" الذي غادر هذا العالم في سنة 728ه أي قبل أكثر من 7 قرون؟؟ لا نريد أن نبالغ فالظاهر أن أحد المسؤولين سمع بأن ابن تيمية وهابي إرهابي لكثرة ما ذكر بعد 11 من شتنبر 2001، وحسب هذا المسؤول أنه لا زال حيا، فأسرع إلى إزالة اسمه من جدار المؤسسة حتى قبل أن يعوضوه باسم جديد. ودليل كونه حدثا مرتجلا لمعتوه يخشى على الكرسي أكثر من خشيته على ثقافة المغرب وسمعته وتاريخه بين الأمم، أن اسم ابن تيمية لا يزال علما على مدرسة بزواغة مولاي يعقوب لحد الساعة. ولكن حتى لو كان هذا الفعل فرديا لا علاقة له بسياسة الدولة، فلا ينبغي من هذا سلوكه الإداري وهذا عقله وثقافته، أن يكون في مركز القرار، فجوقة محاربة الأسلمة تستغل مثل هؤلاء، وهذا يعطي الانطباع بأن الإدارة في المغرب على رأسها مجموعة من المراهقين خفيفي العقول، في حين أن الأمر ليس كذلك. على مثل من يستعجل في أخذ هذه القرارات المضحكة المبكية، أن يعلموا أن أجدادهم العلماء كانوا يقولون: "الاستعجال حيض الرجال"، ولتثقفوا أنفسكم يرحمكم الله قبل أن تسودوا. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.