ولي العهد والأميرة للا خديجة يشرفان على انطلاق عملية "رمضان 1446"    بتعليمات ملكية .. ولي العهد والأميرة للا خديجة يشرفان على إطلاق قفة رمضان    الحكم على الناشط فؤاد عبد المومني بالحبس النافذ 6 أشهر    لمواجهة مقترح ترامب.. الخطة المصرية البديلة لغزة تهدف لتهميش "حماس"    ترامب وزيلينسكي.. ولعبة الرّوليت الرّوسي    نشرة خاصة: تساقطات ثلجية وأمطار قوية مرتقبة الإثنين والثلاثاء بعدد من مناطق المغرب    الحكومة تدرس الخميس تطبيق قانون تنظيم جمع التبرعات وتوزيع المساعدات الخيرية    أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء: أمطار وثلوج وانخفاض في درجات الحرارة    مصرع شاب وإصابة خمسة في حادث سير مروع على الطريق الساحلي بين الحسيمة وتروكوت    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية وأمطار رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    القناة الثانية تتصدر المشاهدة الرمضانية بحصة 36% في وقت الذروة    وزارة الصحة تكشف حصيلة وفيات وإصابات بوحمرون بجهة طنجة    مجلس حقوق الإنسان.. أربعون دولة تجدد تأكيد دعمها للسيادة التامة والكاملة للمغرب على صحرائه    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    الطالبي العلمي يجري مباحثات مع وزير أوروبا والشؤون الخارجية لجمهورية ألبانيا (صور)    «أنورا» يحصد خمس جوائز أوسكار..وفيلم يوثق نضال الفلسطينيين يفوز بجائزة أفضل فيلم وثائقي..    الدار البيضاء: متابعة 4 أشخاص بتهم المشاركة في جرائم التشهير والقذف والإهانة والتهديد    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية بلغاريا بمناسبة العيد الوطني لبلاده    أزمة قلبية تنهي حياة قاصر أثناء خوضه لمباراة في دوري رمضاني بطنجة    وكالة الأنباء الإسبانية (إفي): ابراهيم دياز.. الورقة المغربية الرابحة لأنشيلوتي في ديربي مدريد    الدريوش: الحكومة تعمل على تقليص عدد الوسطاء في سوق السمك    بعد إلغاء شعيرة ذبح أضحية العيد.. دعم وحماية الفلاحين مربي الماشية الصغار على طاولة وزير الفلاحة    المرتبة 102 عالميًا..ضعف المنظومة الصحية والتعليمية يُبطئ مسار المغرب في "مؤشر التقدم الاجتماعي"    ثلاثة أعمال مغربية ضمن القوائم القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب    أهدنا الحياة .. ومات!    للمشاركة في احتفالات الذكرى 96 لتأسيسه .. الاستاذ إدريس لشكر يزور المكسيك بدعوة من الحزب الثوري المؤسساتي    بعد "إلغاء الأضحية".."حماية المستهلك" تدعو لاتخاذ تدابير تحقق الأمن الغذائي وتحد من الغلاء    الصحافي الذي مارس الدبلوماسية من بوابة الثقافة    مطالب باحترام إرادة ساكنة فكيك الرافضة لخوصصة مائها واستنكار ل"تغوّل" سلطة الوصاية    ضرورة تجديد التراث العربي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    كولر يستبعد عطية الله ورضا سليم من لائحة الأهلي لمونديال الأندية    استقالة جواد ظريف نائب رئيس إيران    هل بدأ ترامب تنفيذ مخططه المتعلق بالشرق الأوسط؟    حارس أمن آسيوي يطرد مواطنا من مصنع صيني ويثير جدلا واسعا    وزير الثقافة الإسرائيلي يهاجم فيلم "لا أرض أخرى" بعد فوزه بالأوسكار    رمضان في الدار البيضاء.. دينامية اقتصادية وحركة تجارية في الأسواق ومتاجر القرب    فيروس كورونا جديد في الخفافيش يثير القلق العالمي..    حكيمي ينافس على جائزة لاعب الشهر في الدوري الفرنسي    النصيري يسجل هدفا في فوز فريقه أمام أنطاليا (3-0)    مجلة إيطالية: المغرب نموذج رائد في تربية الأحياء المائية بإفريقيا والبحر الأبيض المتوسط    إحداث كرسي الدراسات المغربية بجامعة القدس، رافد حيوي للنهوض بالتبادل الثقافي بين المغرب وفلسطين (أكاديميون)    ناقد فني يُفرد ل"رسالة 24 ": أسباب إقحام مؤثري التواصل الاجتماعي في الأعمال الفنية    نتائج قرعة دور ربع نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي 2025    قراءة فيدورة جديدة من بطولة القسم الثاني : الكوكب تعزز صدارتها وتوسع الفارق …    ترامب يعلن إدراج خمس عملات مشفرة في الاحتياطي الاستراتيجي    دوبلانتيس يعزز رقمه العالمي في القفز بالزانة    كرة القدم: كوريا تتقدم بطلب تنظيم كأس آسيا 2031    الصين: إجمالي حجم الاقتصاد البحري يسجل 1,47 تريليون دولار في 2024    مسلسل "معاوية".. هل نحن أمام عمل درامي متقن يعيد قراءة التاريخ بشكل حديث؟    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    النائب البرلماني محمد لامين حرمة الله يشيد بهذا القرار الملكي    هذا هو موضوع خطبة الجمعة    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    المياه الراكدة    "حضن الفراشة" .. سلاح فتاك لمواجهة التوترات النفسية    متى تحتاج حالات "النسيان" إلى القيام باستشارة الطبيب؟    دراسة علمية تكشف تفاصيل فيروس جديد لدى الخفافيش وخبير يطمئن المواطنين عبر "رسالة24"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفضاء العام بالمغرب بين أسماء "الوهابية" وأسماء قادة الاحتلال
نشر في هوية بريس يوم 19 - 05 - 2020

قضية "أسماء أزقة تمارة" جديرة بِطول الوقوف عندها من أجل أن نختبر هذا التيار الذي يشغل وسائل الإعلام، يمارس الضغط من خلالها من أجل فرض رؤية واحدة، وقناعات محددة تأخذ منطلقها الأساس من معاداة "الإسلاميين"، وتستغل شيطنة الغرب للحركات الإسلامية، وضغوطه على الدول من أجل اضطهادهم ومنعهم من تدبير الشأن العام، لتظهرهم بمظهر الخطر الداهم، الذي ينطوي على التطرف والإرهاب بالإضافة إلى الفشل والتخلف والرجعية.
ولنا عودة لهذا الموضوع (شيطنة الإسلاميين) في مناسبة أخرى، أما هذا المقال فنحاول فيه الاستفادة من هذا النقاش وهذه الضجة من أجل وضع بعض النقط على الحروف تكون بمثابة تكملة للموضوع الذي نشرناه آنفا.
فإن كان هؤلاء المتباكون على الثقافة الأمازيغية أمثال "عصيد" و"كود" وجوقة معاداة الأسلمة، ومن اتخذ قرار الإزالة من المسؤولين صادقين في كلامهم في قضية التسميات المتعلقة بالشوارع والمؤسسات التي تشغل الفضاء العام، ولأن الحامل على الموقف والقرار هو الانتصار للثقافة والخصوصية المغربية، فإننا نقترح عليهم بإلحاح، ما دامت لهم القدرة والتأثير، أن يتوجهوا بطلب للحكومة أو لوزارة الخارجية حتى تطلب بدورها ديبلوماسيا من فرنسا مجرمة الأمس، أن تغير أسماء عسكرييها المجرمين الذي أعملوا النار والتفجير في المغاربة، وبقروا بطون النساء واغتصبوهن في الشاوية والأطلس وحيثما وصلت جيوشهم، وقتلوا كل مَن رفض استغلالهم للبلاد واستعبادهم للعباد، فالدار البيضاء والرباط ومدن أخرى لا تزال تحتضن رغم كل هذا الإجرام أسماء رموز الاحتلال التي تعتبر وصمة عار في جبين كل مغربي، وذلا يتجدد كل يوم لكل من تم اغتصاب جدته أو قتل جده أو إعدام أسلافه من طرف أولئك الرموز المجرمين.
فثانويات ومدارس البعثة الفرنسية بأهم مدننا ترفع عاليا على واجهاتها الرئيسية أسماء أمثال ليوطي (Lyautey)، ولويس ماسينيون
(Louis Massignon) المستشرق الفرنسي الحاقد على الإسلام الذي أفنى حياته في خدمة الاحتلال، حيث كان من أكبر مستشاري وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون شمال أفريقيا، والراعي الروحي للجمعيات التنصيرية الفرنسية في مصر.
والأدهى والأذل من وجود اسم ماسينيون في الفضاءات العمومية، أن يظل اسم المارشال ليوطي (Lycée Lyautey)، أول مقيم عام فرنسي في المغرب، الذي ذبح المغاربة في حروب الشاوية والأطلس، والذي دأب طيلة أكثر من 13 سنة، يمد ضباطه بالعدة والذخيرة والخطط ليمطروا الدواوير والقرى في أنحاء المغرب بالقنابل، لا يميزون فيها بين المرأة والطفل والعجوز والشاب.
فرجاء من يعرف الأستاذ "عصيد" فليعلمه أننا وجدنا اسما لإرهابي و"وهابي" فرنسي، قتل آباءه وجداته الأمازيغ ودمر ثرواتهم وانتهك أعراض الحرائر، فليظهر لنا صدق غيرته على ثقافة المغرب؛ وأنا أقطع سلفا بأنه يعلم ولن يفعل، لأنه مدين بإيديولوجيته لفرنسا والظهير البربري، ويرى أن الفرنسي المحارب المجرم أقرب إليه من العربي المسلم.
فلتذهب الذاكرة المملوءة بالدماء الأمازيغية، والمثخنة بأشلاء النساء والأطفال في جبال الأطلس إلى الجحيم، وليمت مرّة أخرى أولئك الأبطال الذين قتلتهم فرنسا، فالمهم عند الأستاذ "عصيد" وأمثاله أن ينفث الحقد والكراهية على كل ما ومَن هو عربي إسلامي، بل يحتقر أيضا كل ما هو أمازيغي إسلامي.
فعن أي ثقافة مغربية يتحدث زعماء جوقة معاداة الأسلمة؟؟
كيف لم يُثِرهم اسم ليوطي وهو لا يزال يقف "شامخا" على باب أقدم مدرسة رئيسية ثانوية فرنسية في الدار البيضاء، منذ إنشائها في سنة 1921ه إلى حد الساعة، يذكر كل مغربي يراه بأننا ما زلنا هنا وأنكم ما زلتم تحت سلطتنا الثقافية.
وهذا لا يخالف الحقيقة في الواقع، فما نعيشه اليوم من فساد، ومن ضعف في الاقتصاد هو بسبب التبعية لفرنسا، واستنزافها لثروات البلاد، وما نشاهده من فشل في منظومة التعليم، هو من آثار سياسة الفرنسة والازدواجية اللغوية التي يدافع عنها أمثال هؤلاء الناعقين.
في الحقيقة أعتذر منكم قرائي الأفاضل عن تضييعي لوقتكم، فهؤلاء ليسوا في العير ولا في النفير كما يقال، لأنهم في هذا الموضوع لن يضيفوا إلينا جديدا، فالعمى الإيديولوجي والحقد على الإسلام وأهله، يفقدهم كل أهلية فكرية للمشاركة في موضوعات تهم الثقافة والخصوصية المغربية.
لكن يمكننا أن نوجه الكلام إلى نوع من مسؤولينا الذين ينامون وقت العمل، حتى إذا ما نعق ناعق هرولوا لِلَمْلمة الأمر، واتخاذ قرارات حاسمة لكنها مرتجَلة عجلى، تماما كما عودنا السيد التوفيق في قرارات عزل الخطباء والوعاظ كلما اغتاظ العلمانيون من خطبة أو موعظة تنتهك معتقداتهم.
لقد ذكَّرتني عجلة المسؤولين في إزالة لوحات أسماء أزقة مدينة تمارة بحادثة وقعت بعد أحداث الدار البيضاء الدموية المؤلمة، وبالضبط في خريف سنة 2004، حيث أثار انتباهي وأنا أمُرُّ ببلدة الشماعية المهمشة مسافرا على الطريق الوطنية الرئيسية منظر عجيب، لمؤسسة تعليمية إعدادية دون اسم، مع كونها قديمة الوجود؛ وبعد تمعن اتضح لي أن اسمها طُلي بطلاء أبيض، لكنه رغم ذلك يشي بالاسم الذي أريد له طمسه، فأوقفت سيارتي وقرأت الإسم، فإذا بي أصعق إذ وجدت المؤسسة تحمل اسم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ تملكني حينها الغيظ مختلطا بالأسف والأسى على عقليات تعبث بالتعليم والفكر والتاريخ والإدارة في هذا البلد الأبي الشامخ ذي التاريخ الأمجد.
ليوطي وماسينيون وإخوانهم من القتلة؛ رموز للمغاربة طيلة 100 سنة، في حين ابن تيمية العربي المسلم الذي تحتفي به جامعات بريطانيا، والذي تعتبر كتبه اليوم من أكثر الكتب مبيعا في المعارض الدولية، ابن تيمية الذي يُدرَّس فكره وإنتاجاته لحد الساعة في مراكز وجامعات الغرب، يستعر منه بعض مسؤولينا، فقط لأن العلمانيين في بلدان العربان قرروا أن فكر القاعدة مستوحى من فتاويه وأفكاره، فيا لها من طامة بل عاهة ليس لها في الطب دواء.
ابن تيمية المفكر الذي رد على المنطق الأرسطي بقوة الحجة وصحيح العلم، وَرَدَّ على الفلاسفة وأرباب علم الكلام، وناقش أغلب الفرق، وشارك في جل الفنون المعرفية، لقد كان بحق من الصنف القليل عدده، الذي يمكن أن تنعته بالعالم الموسوعي؛ مات صابرا في سجن القلعة مضطهدا من أجل آرائه التجديدية التي كان يحاول بها افتكاك العقل المسلم من أغلال البدع وقيود الخرافة، حيث كان أغلب المسلمين يعتقدون أن الأموات يضرون وينفعون ويتقربون إليهم بالنذور والقرابين.
ابن تيمية الذي احتفى به زعماء الفكر من المغاربة في عدة ندوات وأيام دراسية، قبل أن تتهمه أمريكا بالإرهاب، وأشاد به زعيم الوطنيين وأستاذهم مولاي العربي العلوي، الذي كان رجلا يدين بالخرافة التي طغت على التصوف في زمنه وكان ينتمي إلى "الطريقة التجانية"، وينافح بقوة وتعصب عن الطرق وأهلها، وكان السبب المباشر لخروجه من ربقة الخرافة والرجعية والظلامية، كتابا قدمه له إدريس برادة الكتبي آنذاك بالسبيطريين "بفاس" -كما يروى-، وعنوان هذا الكتاب هو "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" لابن تيمية، فعرف معنى الحرية بحق، فكان من زعماء الحركة الوطنية تتلمذ له جل السياسيين الذين حررهم من ربقة التقليد ونورهم من ظلام الخرافة فأثروا جميعهم في الواقع المغربي، بعد أن كان أغلبهم يعتقد أن الاحتلال الفرنسي قدر المغاربة وعليهم أن يرضوا بقدرهم.
فكيف يُمحى اسمُ مَن هذا قدره في التاريخ وهذه مكانته في العلم والنضال والتنوير، وتبقى أسماء مَن سجنوا وعذبوا العلماء والمجاهدين من رموز الإمبريالية تعلو شوارع المغرب؟؟
فما السبب في هذا الوضع المشين المذل؟؟
كيف يستعجل المسؤولون في محو اسم "ابن تيمية" الذي غادر هذا العالم في سنة 728ه أي قبل أكثر من 7 قرون؟؟
لا نريد أن نبالغ فالظاهر أن أحد المسؤولين سمع بأن ابن تيمية وهابي إرهابي لكثرة ما ذكر بعد 11 من شتنبر 2001، وحسب هذا المسؤول أنه لا زال حيا، فأسرع إلى إزالة اسمه من جدار المؤسسة حتى قبل أن يعوضوه باسم جديد.
ودليل كونه حدثا مرتجلا لمعتوه يخشى على الكرسي أكثر من خشيته على ثقافة المغرب وسمعته وتاريخه بين الأمم، أن اسم ابن تيمية لا يزال علما على مدرسة بزواغة مولاي يعقوب لحد الساعة.
ولكن حتى لو كان هذا الفعل فرديا لا علاقة له بسياسة الدولة، فلا ينبغي من هذا سلوكه الإداري وهذا عقله وثقافته، أن يكون في مركز القرار، فجوقة محاربة الأسلمة تستغل مثل هؤلاء، وهذا يعطي الانطباع بأن الإدارة في المغرب على رأسها مجموعة من المراهقين خفيفي العقول، في حين أن الأمر ليس كذلك.
على مثل من يستعجل في أخذ هذه القرارات المضحكة المبكية، أن يعلموا أن أجدادهم العلماء كانوا يقولون: "الاستعجال حيض الرجال"، ولتثقفوا أنفسكم يرحمكم الله قبل أن تسودوا.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.