يقول بعضهم ما محصله: " هذا الذي تسمونه كرامة إنما هو شيء له تفسير علمي، ويمكن أن يقع للمسلمين والكفار، والمتقين والفجار، ولذلك فلا يمكنكم جعله دليلا على صلاح من وقعت له هذه "الكرامة"!". والجواب المختصر على هذه الثلاثة كالآتي: 1- خرق العادة يمكن أن يفسره العلم، ولا يمنع ذاك أن يبقى خارقا للعادة، وأنه من تقدير الله تعالى. فالمجاهد الذي يطلق رصاصة واحدة فيسقط بها مروحية، يمكن تفسير فعله بأن الرصاصة أصابت نقطة حساسة من المحرك فسببت سقوط الطائرة. فهل يصبح الفعل بهذا التفسير "معتادا"، أي "غير خارق للعادة"؟ كلا بالطبع! وهل يمنع هذا التفسير أن يقول المسلم الموحد: الله تعالى هو الذي قدر أن تصيب الرصاصة من الطائرة هذا الموضع، خلافا للغالب المطرد، وأن يردد قوله تعالى "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى"؟ كلا بالطبع. وقل الشيء نفسه في أمثلة أخرى: النور الذي يصعد من القبر يمكن تفسيره بالعلم، وهو خارق للعادة. الميت الذي يبتسم حال موته يمكن تفسيره بالعلم، وهو خارق للعادة، أو على الأقل مخالف للمطرد الكثير منها. وهلم جرا. ولا يشك في هذا المعنى إلا الذين ينصبون المعارضة بين العلم والدين، ويجعلون العلم ربا خالقا من دون الله، فما له تفسير علمي يمتنع عندهم أن يكون من خلق الله وتقديره؛ وإنما هي عندهم قوانين علمية، قد تكون مطردة، وقد يكون فيها نصيب من الاحتمال. 2- تقر الشريعة بأن خرق العادة يمكن أن يقع من المسلم والكافر. وهذا بدهي، تمويها كان ذلك أو حقيقة. فالكاهن مثلا قد يخبر بالمغيب، خلافا لعادة الناس المطردة في الجهل بالغيب. وهو مع ذلك في ميزان الشرع: على ضلال مبين! بل يقع خرق العادة من المسيح الدجال الذي هو من أكفر الخلق، فيكون منه إحياء الموتى وإنبات الزرع وإنزال المطر..! ونحن نرى اليوم عجائب تقع من الناس -مسلمهم وكافرهم- ليست من المعتاد المألوف. وجميع ذلك من تقدير الله، إكراما لبعض عباده، أو فتنة وابتلاء لهم. 3- ليس كل خرق للعادة كرامة، ولا كل كرامة دليلا على الاستقامة. ويلخص ذلك ابن حجر بقوله: "خرق العادة قد يقع للزنديق بطريق الإملاء والإغواء، كما يقع للصديق بطريق الكرامة والإكرام، وإنما تحصل التفرقة بينهما باتباع الكتاب والسنة". وكلام العلماء في هذا كثير مشهور (الشاطبي، ابن تيمية..). وعلى هذا: فإذا وقع خرق العادة من المؤمن الصالح المتبع للوحي، رجونا أن يكون ذلك كرامة له من ربه سبحانه، وزادنا ذلك استبشارا وطمأنينة. ولم يمنعنا من ذلك: إمكان تفسيره بالعلم الحديث، ولا وقوع نظيره من الكافر والفاجر. ثم اعلم أن إنكار أهل العلم على جماعة من متتبعي الكرامات، وعدهم ذلك من الخرافات، مرده إلى أحد أمرين أو لكليهما: . أولهما: أن يكون صاحب الكرامة معروفا بالبدعة والفجور، مجاهرا بمخالفة الشريعة، فهذا لا كرامة له، ولا كرامة! . والثاني: غلو القوم في الحديث عن الكرامات في تراجم الأولياء -كما تجده مثلا في التشوف أو في طبقات الشعراني- فلا يكادون يذكرون من أحوال المترجم السنية غير خوارق العادات! والغلو مذموم على كل حال. والله الهادي.