منذ القدم اعتبر علماء الدين، التصوف سلوكا وتعبدا وزهدا في الدنيا، وإقبالا على العبادات واجتنابا للنواهي ومجاهدة للنفس وكثرة لذكر الله، وقد نسب العلماء فترة ظهور هذا المذهب، إلى عهد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) وعهد الصحابة، لكن في المقابل، يرى بعض الباحثين، أن أصل التصوف هو بوذي، ومسيحي، وفارسي، بينما يرفض الصوفية المسلمون ذلك التأصيل، مؤكدين أن التصوف تطبيق عملي راقي للإسلام، ووجود في التاريخ إلا للتصوف الإسلامي. أما بالنسبة للأولياء الصالحين، فعلماء الشريعة يؤمنون بحدوث الكرامات على أيدي الصالحين، وهم مؤمنون متقون، والكرامة عندهم، أمر خارق للعادة، يظهرها الله عز وجل على أيدي أوليائه، والكرامات للأولياء، تشبه معجزات الأنبياء في نقضها للعادة المعروفة، وبينهما فروق كثيرة، من أهمها أن الكرامة غير مقرونة بدعوى النبوة، وغير مقرونة كذلك بالتحدي، ويمكن للعبد الصالح أن تقع له كرامة أو كرامات، وهو لا يعلم بها. ومن أهم الفروق بين النبوة والولاية أيضا، أن الكرامة لا يمكن أن تبلغ إلى مثل معجزات الأنبياء والمرسلين، ولا تكون مساوية لها على الإطلاق، فكلما وقعت معجزة لنبي لا يمكن أن تقع كرامة لولي، حيث يشير العلماء إلى مسألة مهمة، أن ليس كل ما يظهر على أيدي الصالحين أو غيرهم، يكون كرامة من عند الله، بل قد تكون غواية من الشيطان، أو إضلالا من بعض الجان. الدكتور ادريس الفاسي، الأستاذ بكلية الشريعة جامعة القرويين بفاس، أوضح في تصريح خص به “برلمان.كوم“، أن “الاعتقاد العام لمجموع الأمة لأهل السنة والجماعة في الأولياء، لا يختلف عن اعتقاد الصوفية واعتقاد غير الصوفية شيئا، لأنها مسألة متعلقة بالعقيدة، والعقيدة جامعة للصوفية ولغيرهم، والعقيدة التي تتعلق بأولياء الله تعالى، فيها مجموعة من العناصر أهمها، أن الولي هو الذي يتقي الله تعالى، فالولاية مربوطة بالتقوى، أما الاعتقاد الثاني، فهو اعتقاد في كرامات الأولياء، لأن الله تعالى يكرمهم بكرامات ليثبت بها أفئدتهم كما ثبت فؤاد رسوله (ص) في أيام المحن”. وأشار الدكتور الفاسي “أن الولاية يدل عليها لفظ الولي، لأن الله تعالى يتولاه بحفظه وبرعايته، ولهذا قال الله عز وجل “ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون”، فمن هذه الآية، تتأكد عقيدة المسلمين جميعا، وأن الوصف الجامع بين الإيمان والتقوى هو الولاية بلفظ الآية”. وأوضح الأستاذ بكلية الشريعة بفاس، أن “الاعتقاد مبني على أحاديث كثيرة وردت عن البخاري وغيرهم، والحديث القدسي ((من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته))، وفي لفظ، أن الله يتولى الأولياء ويدافع عنهم، آيات أخرى متطابقة في الدلالة على معنى أن الله يتولى الصالحين كقوله تعالى “إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين”. ويتابع الدكتور الفاسي، “هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة وهي التي يعتقدها الصوفية وغير الصوفية ممن يعتقد هذه العقيدة وهي جامعة للمسلمين بصفتهم مسلمين. وكون بعض الناس يقولون ويعتقدون أن الولي يتصرف في الكون وفي الناس، فإن هذا الكلام يتعلق بشيء آخر وهو يتعلق بأحاديث أخرى وآيات أخرى من قول الله تعالى “من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه”، فمن أذن الله له تعالى بالشفاعة يشفعه، وهناك في الحديث الشريف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو حديث متواتر، في شفاعة الأولياء وشفاعة العلماء، وهناك أحاديث كثيرة في من يشفعهم الله في سيئاتهم وفي سيئات غيرهم”. وبالنسبة للمعتقد السائد الذي يفيد أن منزلة الصوفية أعلى منزلة من النبي، أجاب الدكتوب فاسي قائلا، “ليس هناك دليل على ذلك، ولم يرد به نص مما نسب ل”محيي الدين ابن عربي الحاكمي” وهو منه براء وفي ذلك كتاب كتبه أحد المستشرقين الفرنسيين فجمعه شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في نبوة الولاية عند محيي الدين ابن عربي، وحقق هذا الموضوع، ولا يوجد شيء صحيح يدل عليه، إنما هو تأويلات لأقوال، لأن الإنسان قد يتكلم بكلمة وتصرف على غير الجهة، فإدا كان قد وردت كلمة في تقدير مكانة الأولياء ومرتبتهم عند الله عز وجل وصرفها صارف عن غير الجهة فليس معنى ذلك أنه عقيدة”. كما نبه الدكتور الفاسي، إلى أن “الإمام محيي الدين ابن عربي، كتب عقيدته مفصلة ومن جملتها عقيدته في الأولياء في مقدمة كتابه “الفتوحات المكية”، ونقلها أيضا في مقدمة نقلها الإمام الشعراني في مقدمة كتابه عقائد الأكاذيب مفصلة بنصيها ونقلها غيرهم، عقيدة مفصلة يحذر فيها بالتفصيل والتدقيق الذي لا يقبل احتمالا ولا تأويلا وهي التي يمكن أن يرجع إليها، لأن إذا رجعنا إلى كلمة خرجت مخرجا ما وصرفت عن غير الجهة فهذا شيء آخر”. وبالنسبة لكيفة نيل مرتبة الولاية عند الصوفية يقول الأستاذ الفاسي، إن “هناك تفصيلات عن الأولياء ومراتبهم، وهذا علم آخر يتعلق بعلم التربية ومراتب النفس، ويسمى علم المكاشفة بعد علم المعالمة، فهو شيء خاص في خاص. لذلك، مادام العبد يتقرب وهو يزداد قربا وكلما يبتعد يزداد بعدا، تبقى مسألة مسافات، فكلما تتقرب من الشيطان تبتعد عن الرحمان، وكلما اقتربت من الرحمان تبتعد عن الشيطان، والأمر واضح في قوله تعالى “ألا إن أولياء الله لا خوف عليه ولا هم يحزنون”. وأضاف “بالنسبة على الأبدال والأوتاد، فقد ورد حديث عن الرسول كتب فيه جلال الدين السيوطي رسالة خاصة في هذا الموضوع، وحتى لا يقع سوء فهم في قضية المكاشفة، اتقوا الله يعلمكم الله، لأن الإنسان مادام يتقي الله يفتح له خيراته ويكون ينظر بنور الله، ((اتقوا فراسة المؤمن فهو يرى بنور الله))، أما مسألة الكشف، فهي خاص في خاص لا يمكن أن يقاس عليه، ليس مثل العلوم الرياضية أو العلوم الطبيعية يعني إذا قمت بكدا وكدا ستصل لكدا وكدا، هذه أمور يفتح الله منها ما يشاء على من يشاء، فمن يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها”.