قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} الأعراف:33. بات من الواضح لكل منصف من خلال خرجات أبي حفص التي يمارس فيها التزوير مع التلبيس المؤديان ل"التخربيق" حتما، أنه لا يعرف عظم أمر الزواج في دين الله، ولا يعلم أن الزواج الشرعي: كلمة من كلمات الله، وأن أحكامه هي من حدود الله، التي عظم الله شأنها، ووقف عباده عندها، وحرم عليهم تعديها، فأينك من ذلك كله؟؟ وتريد في النهاية تلفيق صورة الزواج وتركيبها على الفاحشة لطمأنة الجمهور، برخصة من هنا، ورخصة من هناك، وهذا عين الترخص المذموم قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «ثلاثة يهدمن الدِّينَ: زَلَّةُ العالم، وجدالُ المنافق، وأئمَّةٌ مضلُّون»، ورحم الله الإمام السَّفارينيُّ حيث قال: «وهذا باب لو فُتح لأفسد الشريعةَ الغَرَّاء، ولأباح جُلَّ المحرَّمات»، وهناك فروق بين التلفيق والترخيص. ومن باب بذل النصيحة، أقدم مادة فقهية في مبحث شروط صحة عقد الزواج في الإسلام لعلها تذكرك بماض جافيته، أو تحجزك عن اقتفاء ما ليس لك به علم حتى تردعك عن تكرار الكذب على الشرع، وإن كانت بوادره قد بدت منك مرارا، كما أذكرك بقول الله عز وجل: «وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ» النحل: 116. أبا حفص: أنت تعلم أن التحليل والتحريم حق لله تعالى، ولذلك فقد عاب الله على الذين يتبعون متبوعا في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله؛ فقال تعالى: «اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» سورة التوبة31، يُبين لك ذلك ما جاء في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلا هذه الآية على عدي بن حاتم الطائي فقال: يا رسول الله لسنا نعبدهم؟! قال: «أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟» قال: بلى، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فتلك عبادتهم« رواه أحمد والترمذي وحسنه. أشفق عليك أبا حفص أن تُحل ما علم تحريمه من الدين بالضرورة، كل ذلك دون حجة ولا برهان، بل مجاراة الواقع، ومداهنة الناس، وإرضاءً لمن تهرول صوبهم، وما إلى ذلك من حظوظ النفس وإليك المادة باختصار فما هي شروط صحة عقد الزواج؟ أولا: ولي المرأةِ شرط لصحةِ النكاح، فإذنُه فيه معتبَر ولا يصحّ نكاح إلا به، وهو مذهب جماهيرِ العلماء، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وأهلِ الظاهر خلافا لأبي حنيفة للمزيد انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد والمحلى لابن حزم والمغني» لابن قدامة، ومِن أصرَح الأدلة على شرطيتِه: قولُه صلَّى الله عليه وسلم: «لَا نِكَاحَ إِلَّابولي» أخرجه أبوداود والترمذي وأحمد، مِن حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. والحديث صححه ابن الملقِّن في «البدر المنير»، والألباني في «الإرواء». وأيضا قولُه صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ -ثَلَاثًا وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَإِنَّ السُّلْطَانَ وَليُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة مِن حديث عائشة رضي الله عنها. وصححه ابن الملقِّن في «البدر المنير»، وحسَّنه ابن حجرٍ في «موافقة الخُبر الخَبَر». ثانيا: إذْنُ المرأةِ البالغةِ العاقلة ورضاها معتبَرٌ -أيضا في النكاح؛ فلا يصحُّ إكراهُها على الزواج ممَّن لا ترغب فيه سواء كانت ثيِّبا أو بِكرا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ»، قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟» قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ» أخرجه البخاريُّ في «النكاح» باب: لا يُنْكِح الأبُ وغيرُه البِكْرَ والثيِّبَ إلَّا برضاها، ومسلمٌ في «النكاح»، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي حديثِ خنساءَ بنتِ خِذَامٍ الأنصارية رضي الله عنهما: «أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا -وَهِيَ ثَيِّبٌ- فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ نِكَاحَهَا» أخرجه البخاري في «الإكراه» باب: لا يجوز نكاحُ المُكْرَه، وفي حديثِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: «أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ؛ فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد، مِن حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال ابن حجر في «التلخيص الحبير»: «رجالُه ثِقَاتٌ»، والحديث صحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ل «مسند أحمد» ثالثًا: الصداق أو المهر شرط لصحة النكاحِ، وهو مذهب مالكٍ وروايةٌ عن أحمد للمزيد انظر «بداية المجتهد» لابن رشد، «الإنصاف» للمرداوي لقوله تعالى: «وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ» الممتحنة: 10 رابعًا: الشهادةُ على عقد النكاح لقوله صلى الله عليه وسلَّم: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» أخرجه ابن حبّان في «صحيحه»، والبيهقي في «السنن الكبرى» مِن حديث عائشة رضي الله عنها. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع»، وقال الترمذي رحمه الله في سننه: «والعملُ على هذا عند أهلِ العلم مِن أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومَن بعدهُم مِن التابعين وغيرِهم، قالوا: لَا نِكَاحَ إلَّا بشهودٍ، لم يختلفوا في ذلك، مَنْ مَضَى منهم، إلَّا قومًا مِن المتأخِّرين مِن أهل العلم». فهذه هي شروط صحة العقد بأدلتها، وليست مجرد دعوى عريضة عارية عن الدليل كما زعمت، وهي شروط يتوقف عليها الزواج يا أبا حفص، وتترتَّب بتوفُّرها فيه آثارُهُ عليه، وبدونها يَبْطُلُ العقدُ ولو بتخلُّف أحدها والله تعالى أعلم. أما الإيجابُ والقَبولُ الذي روجت لهما في خرجتك الأخيرة على أنهما كافيان لحصول حقيقة الزواج، فهما ركنان مِن أركان عقد النكاح، وهذا باتفاقِ المذاهِبِ الفقهية ولي معك كَرَّة في موضوع استدلالك بحديث في الجامع الصحيح للبخاري رحمه الله والحمد لله رب العالمين.