انتشرت في الآونة الأخيرة على منصات مواقع التواصل الاجتماعي صور لأسراب من الصراصير تجتاح فضاءات البيت العتيق، تزامنا مع إقامة حفلات غنائية في بعض ربوع المملكة العربية السعودية، أحياها بعض الفنانين بمناسبة دخول السنة الميلادية الجديدة، وقد رأى الكثير من مرتادي هذه المواقع أن الظاهرة عقاب من الله تعالى إنذارا لآل سعود والقائمين على شؤون دولتهم، كما رأوا من قبل أن الرياح التي نزعت ستار الكعبة عقاب كذلك، محاولين تأويل آية من كتاب الله بما يتوافق ومواجيدَهم، وقالوا إن هذه الظاهرة مثل ما في قوله تعالى: « فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ…» ضاربين بظواهر الطبيعة والمسببات العلمية لها عرض الحائط، وهذا مع الأسف يُعرّي حقيقة الكثير منا، ويُظهر الفجوة الكبيرة التي بينه وبين مسايرة الواقع. وقد ثبت بالعلم أن لهذه الصراصير كما لغيرها من الكائنات نظام حياة خاص ،فطرها عليه باريها سبحانه ، فهي تتحاشى المواطن ذات الحرارة المنخفضة، وتهاجرها إلى الأماكن التي يمكن أن تجد فيها جوا ملائما، ويمكن أن تكون هذه إحدى هجراتها الموسمية، فلجأت إلى الجزيرة العربية المعروفة بالحرارة المعتدلة نوعا ما في فصل الشتاء. ولو سلّمنا لهم بهذا الأمر وقلنا إن هذا فعلا عقاب، فكيف تأتَّى لسلطات البلد القضاء عليه في وقت وجيز جدا؟ ونحن المسلمون نَدين بأن أمر الله تعالى إذا حل لا مرد له ولا قائمة لشيء أمامه إلا أن يشاء الله، « لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنَ اَمْرِ اللَّه إِلَّا مَنْ رَحِمَ»، وكيف ينزل الله تعالى عقابه -وهو الرحيم بعباده- على المعتمرين ومن اعتكفوا تقرُّبا إليه في بيته الحرام ويدع الذين أفسدوا في الأرض -تبعا لزعم القائلين بأن هذا عقاب- هنيئين في دُورهم لا تنالهم سوءة ؟ أليس هذا خروج عن منهاج القسط والعدالة؟ تعالى سبحانه عن ذلك علوا كبيرا. ولو نظرنا إلى الآية الكريمة في سياقها السردي، وفيما قاله المفسرون فيها، لوجدنا هوة شاسعة بين مَن نزلت في حقهم وبين من نزَّلناها نحن عليهم تأويلا، فأولئك أعلنوا العداء والعصيان لموسى رسول الله آنذاك، وجحدوا كل ما آتاهم به من حجج وبراهين، فاستحقوا بذلك عقابه وعذابه، ولم يُرفع عنهم حتى استنجدوا بموسى عليه السّلام وخضعوا مرغمين لشروطه، وهؤلاء على العكس تماما، فهم مسلمون يدينون بدين الواحد الدّيان، حسب تعاليم ديننا التي تحرم علينا تكفير الناس وإخراجهم من دين الله بغير حق، وأمرنا أن نحكم بالظاهر ما دام مرد الحكم على الباطن إلى الله وحده. تأويل الآيات، إذن، وتحميلها ما لا تتحمل من المعاني، يبقى عين الافتراء على الله تعالى والقول عليه بغير حق، لأن القرآن في مجموعه شيء غير القرآن في آية مبتورة من سياقها، ومنه فليس جائزا بأي حال أن نرغم الحوادث لتميل إلى ما يتوافق وعواطفنا، فنفرقها إلى اختبار أو عقاب تبعا لاختلاجات الصدر من كراهية ومحبة.