يعتبر إميل دوركايم أبرز علماء الاجتماع الفرنسيين الذين نهجوا نهج أوجست كونت في إقامة علم الاجتماع على أسس علمية مادية وعلمانية. وإذا كان أوجست كونت، مؤسس علم الاجتماع الغربي، قد خلص، في إطار تفكيره العلماني، إلى أن "الإنسانية" هي رمز الدين الجديد، فإن إميل دوركايم جعل من "العقل الجمعي"، إله ورمز هذا الدين. و"العقل الجمعي" عند إميل دوركايم، يوجد خارج عقول أفراد المجتمع، وهم يخضعون دائما لتعاليمه وتوجيهاته، ولو على غير إرادة منهم. كما أنه المكون الأول لأفكار الناس، ومذاهبهم، وعاداتهم. وهو الملزم لهم باتباع أوامره وإملاءاته. و"العقل الجمعي" دائم التغير، ولذا ينفي دوركايم وجود قيم أو أخلاق ثابتة، أو دين موجه للإنسان مدى الحياة. بل كل الأديان في رأيه، تولدت عن أسباب اجتماعية معينة، وأنها تتغير وتفنى لأسباب اجتماعية أخرى. ويذهب إميل دوركايم إلى أن "العقل الجمعي" أقوى من حرية الفرد، بل يتنافى معها، وقد يتجاوزها أو يلغيها في بعض الحالات، مما يجعل سلوك الناس في الحياة سلوكا جبريا. ويتضح من فلسفة إميل دوركايم أن "العقل الجمعي" بمثابة كائن لا مرئي يسير المجتمع ويتحكم فيه، بحيث لا يستطيع الناس مواجهته أو التمرد عليه. ولعل في الاقتصار على العوامل الاجتماعية في فهم وتحليل كل ما يتعلق بالمجتمع، أثر من آثار هذا "العقل الجمعي" أو الكائن اللامرئي. إن الميل إلى تعظيم المجتمع وتقديسه، وجعله مصدرا للدين ومنتجا له، يشير إلى أن دوركايم كان من الرواد الأوائل الذين عملوا على شق طريق أنسنة الدين وعلمنته.