مع حلول العشر الأوائل من محرم من كل سنة، والتي تصادف ذكرى استشهاد سيد شباب أهل الجنة الحسين، رضي الله عنه، يحيي الشيعة طقوس عاشوراء، بإقامة المجالس والشعائر الحسينية، والسير في مواكب العزاء، والتعبير عن الحزن بلبس السواد والبكاء، ولطم الصدور، وضرب الرؤوس، وجلد الظهور… وهي عادات وتقاليد بدأت تظهر في المغرب السني بعد أن أصبح عدد المتشيعين المغاربة بالآلاف. فكيف يحيي المتشيعون المغاربة الطقوس العاشورائية؟ وهل يستطيعون فعلا الإعلان عنها بشكل مباشر؟ توضيح مهم: ينقسم التوجه الشيعي بالمغرب إلى قسمين هما: «الخط الشيرازي» المتطرف، و«الخط الرسالي» الذي يوصف ب(المعتدل)، في انشطار يراه البعض تجسيدا لحالة الانقسام الحاصل حقيقة في الكتلة الشيعية بالمغرب، بينما يراه آخرون حيلة ماكرة لكسب التعاطف، وتبادلا للأدوار، لخلط الأوراق وتشتيت الانتباه لمشروعهم التبشيري وأجندتهم الخارجية. التيار الشيرازي: تجمع شيعي متطرف، يعتقد بجميع اعتقادات غلاة الشيعة من القول بتعرض القرآن للتحريف، وتكفير الصحابة، واتهام أم المؤمنين، وتكفير المخالفين لهم، وتكفير جميع حكام المسلمين، مما هو من ضروريات التشيع عندهم، يتمركز أغلبهم في مدينتي طنجة ومكناس، لا يتحرجون من إعلان ولائهم السياسي لإيران، والارتباط تنظيميا بمشروع الشيعي الكويتي "ياسر الحبيب". كيف ينظر الشيرازيون للشعائر الحسينية؟ يذهب منظرو هذا التيار إلى اعتبار الشعائر الحسينية من شعائر الله التي يجب أن تعظم، ويطلقون عليها لقب الشعائر المقدسة، وهي خط أحمر عندهم، لا يجوز المس بها. ويدخلون ضمنها أي فعل ولو كان مؤذيا للنفس ما دام تحت لافتة الحزن على الحسين رضي الله عنه. فمنهم من يبكي بحرقة، ويلطم بجنون، فيضرب الرأس بالسيوف ويجلد الظهر بالسلاسل، ويمشي على النار ويتمرغ في الوحل… إلى غير ذلك من العادات الوثنية الدخيلة على الإسلام وأهله. وكلها طقوس يعتقد بها أتباع هذا التيار في المغرب، ويقتصرون على أيسرها خوفا من الأجهزة الأمنية والنظرة المجتمعية التي تظل رافضة لكل هذه العادات الشاذة والغريبة على عادات وتقاليد المغاربة. ولتفادي هذه العوائق يسافر جمع كبير منهم إلى العراق مثلا، للمشاركة في هذه الشعائر، ومن لم يتيسر لهم السفر يكتفون بتجمعات صغير داخل البيوت، ملتحفين السواد، يضربون بأيديهم على صدورهم مقتدين بخطباء المنبر الحسيني، واللطميات التي تبث على القنوات الشيعية التي تبقى إلى جانب مواقع التواصل الاجتماعي أكبر منافذهم على التشيع الشيرازي. التيار الرسالي: على عكس الخط الأول يتسم التيار الرسالي بشيء من الاعتدال في تصوراته الدينية والمذهبية، لكونه يتخذ من اللبناني محمد حسين فضل الله المعروف باعتداله وانفتاحه، مرجعيته الدينية. يتواجد الرساليون في أغلب المدن المغربية، يؤمنون بالتقية ويمارسون أنشطتهم بسرية، مما سهل لهم الانخراط والاختراق للعديد من المجالات الحيوية، وعلى المستوى التنظيمي منهم من يتبع للمتشيع المغربي عصام احميدان، الذي يدير حاليا المركز الثقافي الإمام الرضا ببروكسيل. وبعضهم تابع لتنظيم المواطن الرسالي بمدينة وجدة، فيما يصر آخرون على الارتباط بالأصول في الخارج، باتباع مراجع شيعية من لبنان وسوريا والعراق. كيف ينظر الرساليون للشعائر الحسينية: إذا كان الرساليون يوافقون الشيرازيين في ضرورة الحفاظ على الشعائر الحسينية، باعتبارها تذكيرا بمأساة الحسين، ووسيلة للحفاظ على المذهب والدين، والتعريف بالتشيع والمساهمة في انتشاره، فإنهم يختلفون معهم في طرق الاحتفال والتعبير عن الحزن. ويختارون منهج بعض المراجع الشيعية الإصلاحية التي تعتبر أن تلك المشاهد مجرد بدع دخيلة توحي بالتخلف، وتسيء إلى الأئمة من آل البيت أكثر مما تنتصر لهم، وتشوه التشيع. وتختلف أساليب وأماكن احتفالهم، حسب الظروف المتاحة لكل واحد. إذ يستغل أصحاب المواطن الرسالي وبعض الإعلاميين المتشيعين، الدعوات الموجهة من مهرجان الغدير الدولي للإعلام، لتنظيم رحلات إلى العراق للمشاركة فيه، وإحياء الشعائر الحسينية هناك. في حين يختار آخرون السفر بشكل فردي لإحياء عاشوراء هناك بعيدا عن الأنظار، وهربا من التضييق الذي يتهمون المغرب بممارسته ضدهم. بينما يتوجه بعضهم لأوروبا حيث المراكز الشيعية التي يسهر على تسييرها مغاربة، كمركز "الرضا" ببروكسيل، حسينية "جعفر الصادق" ببرشلونة مثلا. في حين تضطر الغالبية العظمى إلى البقاء هنا والاحتفال حسب القدرة والاستطاعة، بين الانزواء الفردي والاكتفاء بأهل البيت حال كونهم متشيعين، والاحتفال في مجموعات صغيرة داخل البيوت، على أمل زيادة الأعداد في قادم السنوات، حسب بعض تدويناتهم على الفايسبوك، والتي تغيرت حدتها هذه السنة، حتى وصلت لدرجة التهديد بالخروج والاحتفال علانية. فما الذي تغير حتى رفع المتشيعون المغاربة من حدة الخطاب هذه السنة؟ وكيف يتحدون الدولة بإعلان طقوسهم أمام الملأ؟ وما موقف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من هذه العادات الدخيلة على المجتمع المغربي السني؟