الأربعاء 26 نونبر 2014 أعادت أحكام الإعدام التي أصدرتها السلطات الصينية بحق ستة من المسلمين في تركستان الشرقية مؤخراً إثارة قضية مأساة تركستان الشرقية، هذه المأساة التي يعيشها ملايين المسلمين في الصين الذين تقدرهم بعض المصادر بأنهم قريب من 100 مليون. مسلم من عدة قوميات وقضية تركستان الشرقية تفتح ملف الشعوب المسلمة المنسية، التي تعيش تحت انواع متعددة من الاحتلال العسكري أو السياسي، الأمر الذي يشمل المسلمين في كثير من دول آسيا وإفريقيا وأروبا! وينبه الأستاذ رحمة الله أحمد رحمتي، في كتابه القيم "التهجير الصيني في تركستان الشرقية" على خطأ تسمية مثل هذه الشعوب المسلمة، والتي تعد بالملايين، بأقليات أو جاليات، لأنها في الحقيقة شعوب ذات تاريخ وحضارة مستقلة ومتميزة تتواجد ضمن مساحة محددة من الأرض، وتعرضت للغزو العسكري مما أفقدها استقلالها، ولا تزال تشكل الأغلبية العددية في مواطنها رغم عمليات التهجير والإبادة التي تتعرض لها، والتوطين من خارجها لتغيير التركيبة الديمغرافية، ويؤكد بأن اطلاق اسم الأقلية عليهم يفقدهم حقوقهم القانونية بأرضهم واستقلالهم، وهذه أولى الحقائق والأبعاد المغيبة في قضايا المسلمين المنسيين في العالم الكبير! وتركستان في الحقيقة دولة كبيرة ومستقلة للمسلمين في آسيا الوسطى يحدّها من الشرق الصين ومنغوليا، ومن الغرب قزوين ونهر أوال، ومن الجنوب التبت والهند وباكستان وأفغانستان وإيران، أما من الشمال فمنطقة منغوليا وسيبيريا، وهي الموطن الأصلي للأتراك ومن هنا جاءت تسمية تركستان والتي هي عبارة عن مقطعين ترك ستان أي: أرض الأتراك. وهذا مقرر ومعلوم منذ القرن الخامس الهجري، حيث يقول ياقوت الحموي عنها في معجم البلدان: تركستان "اسم جامع لجميع بلاد الترك.. وأوسع بلاد الترك بلاد التغزغز وحدهم الصين والتبت والخرلخ والكيماك والغزو البجناك والبذكش واذكش وخفشاق وخرخيز" (2/23)، أما أبو الفداء صاحب تقويم البلدان فيقول" كاشغر" هي قاعدة تركستان وأهلها مسلمون" (ص:504). تبلغ مساحة تركستان الإسلامية 5.7 مليون كم مربع، وقد تم تقسيمها إلى تركستان الغربية التي احتلتها روسيا ومزّقتها إلى خمس جمهوريات هي (أوزبكستان، طاجيكستان، تركمانستان، قازاخستان، قيرغيزستان) وتساوى 20% من مساحة روسيا، أما تركستان الشرقية والتي تحتلها الصين فتبلغ مساحتها 15% من مساحة الصين، ويكفى أن نعلم أن تركستان الشرقية لوحدها أكبر من مساحة تركيا بمرتين ونصف! ولذلك فإن تغيير اسمها إلى مقاطعة (منطقة شينجيانغ الذاتية الحكم) هو لخلق وهْم لدى الناس بأنها مشكلة صغيرة تخص منطقة محدودة جداً، وقد تكرر تغيير أسماء كثير من الدول الإسلامية لتصبح محافظة أو مقاطعة من دولة محتلة ومستعمرة لها لتضييع القضية وطمس الجريمة، وهذه هي الحقيقة والبعد المغيب الثاني! ولقد بقيت تركستان تحتفظ باستقلالها نوعا ما حتى استولى الحزب الشيوعي على الحكم في الصين، وهنا اتفق الحزبان الشيوعيان في روسياوالصين على المسلمين وتركستان فقاما باحتلال بلادهم وإبادة مئات الملايين منهم بالقتل المباشر والتهجير والنفي القسري بوسائل بدائية عبر الثلوج إلى سيبيريا، وقد وثق ذلك كله كتاب "قتلوا من المسلمين مئات الملايين" لمحمود القاسم، وكتاب "التهجير الصيني في تركستان الشرقية"، علما بأن الإبادة لم تبدأ بزمن الشيوعية بل سبقتها من زمن القياصرة وأباطرة الصين. وهذه الإبادة للمسلمين حدثت بعد أن استنجد الشيوعيون بزعامة لينين وماو بالمسلمين لمعاونتهم بالثورة، وإعطائهم الوعود بأنهم سيمنحونهم الاستقلال ولا غرابة أن يكذب هؤلاء على الخلق ما داموا ينكرون الخالق! لكن الغريب أن الانخداع بالشيوعيين ووعودهم لا يزال مستمرا من سذج المسلمين، فمئات الملايين من المسلمين وعشرات الدول الإسلامية لا تزال تعانى من الاحتلال الصيني والروسي وتتعرض للإبادة والقتل دون أن تلقى الاهتمام المطلوب، وهذا هو الحقيقة والبعد الغائب الثالث. ومما لا يعرفه الكثير من الناس أن أرض تركستان مليئة بالخيرات إذ فيها 121 نوعاً من المعادن، وتحتل المرتبة الأولى في إنتاج سبعة معادن في الصين، وتحتوي على مخزون نفطي وغازي كبير، وقريباً ستصبح المنتج الأول للنفط في الصين. كما أن اليورانيوم يتوفر فيها بكثرة وكذلك الذهب، وهذا ما يفسر سبب شدة القمع والبطش التي تعاملت به السلطات الصينية تجاه المسلمين المطالبين بالتمتع بخيراتهم إذا فقدوا دولتهم وحريتهم، وهذا يكشف أن الشرق مثل الغرب في جشعه بخيرات المسلمين وثرواتهم، وهذا هو البعد والحقيقة الرابعة المغيبة! قامت الامبراطورية المانشورية الصينية بتهجير الصينيين للسكن والعيش في تركستان بين الأتراك لتغيير التركيبة السكانية ونشر الثقافة الصينية وقمع ثورات المسلمين الأتراك والتي دخلت في الثقافة الصينية على شكل مثل سائر يقول: "ينتفضون مرة كل خمسة عشر عاما ويقومون بثورة كل ثلاثين عاما". وزادت وتيرة سياسة التوطين الصيني في تركستان الشرقية زمن الحزب الشيوعي والتي لازالت مستمرة لليوم، فأصبح لقومية الهان الصينية حضور كبير جدا في تركستان، ولذلك فإن سياسة الاحتلال الاستيطاني في بلاد المسلمين لم يكن قاصراً على الاستعمار الأوروبي أو الصهيوني بل مارسته دول الشرق ولايزال مئات الملايين من المستوطنين الشرقيين يستوطنون كثيرا من بلاد المسلمين في الشرق، وهذا هو البعد والحقيقة الخامسة الغائبة! وفي الوقت الذي يسعى فيه العالم للعولمة والوحدة والاندماج على قواسم بسيطة مثل الجوار القاري كدول الاتحاد الأوروبي، يتم فيه تكريس الانقسام والتجزئة لبلاد الإسلام، فتركستان الشرقية تصبح تركستانتين، وتركستان الغربية تصبح خمس جمهوريات! وهكذا تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، فرغم التناغم اللغوي والعرقي والديني والثقافي والحضاري لتركستان إلا أن التفتيت والتقسيم هو القائم فيها، ولعل من آخر الأمثلة على تفتيت بلاد الإسلام فصل "تيمور الشرقية" عن أندونيسيا في عام 1999م، وها هو السيناريو يكاد يتكرر في السودان شمالاً وجنوباً، وهذه هي الحقيقة والبعد السادس المغيب! ورغم كل هذه المعاناة والقتل والتهجير والظلم إلا أن هذه الشعوب بقيت تعتز بإسلامها ودينها وترفض أن تستبدله أو تتخلى عنه، رغم أن سلطة الإسلام وحكمه زال من سنوات طويلة، وتسلّط عليهم غير المسلمين من الوثنيين أو البوذيين أو الشيوعيين إلا أنهم رفضوا التماهي مع المحتل والانصهار في حضارته وثقافته، رغم الجهل الكبير بحقيقة الإسلام وتعاليمه مما يؤكد أن الإسلام هو دين الفطرة الذي جمع ووحّد بين الأعراق والقوميات المختلفة واللغات المختلفة، دون ضغط أو إكراه فبقيت الشعوب تنتمى له حتى في حال ضعف سلطته وقوته، ومن أفضل من شرح كيفية انتشار الإسلام بالقناعة الذاتية والقبول الطوعي في قارة آسيا وأفريقيا هو المستشرق آرنولد توماس في كتابه "الدعوة إلى الإسلام"، ولو قارنا هذا بحال الشعوب التي تحررت من نير الحكومات الشمولية والديكتاتورية في أوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي لعرفنا مقدار الفارق الكبير، وهذه هي الحقيقة والبعد السابع المغيب! إن قضية تركستان يمكن أن تكون نموذجا مصغرا لكثير من قضايا ومآسي المسلمين في زمننا هذا الذي لا يتم تسليط الضوء فيه عليها، فلو تمت المقارنة بين ضحايا وجرائم الاحتلال الأمريكي في العراق والروسي في الشيشان في السنوات الخمس الأخيرة فسيتفاجأ الكثير أن الاحتلال الروسي أشد سوءا وقسوة! ولكن الإعلام يهتم بقضايا دون قضايا بحسب أجندات الإعلام في العالم العربي والإسلامي، والذين ينقسمون بين معسكرين سياسيين ورؤية ثقافية واحدة، فهم غالبا مع الرؤية العلمانية الليبرالية ثقافيا ولكنهم منقسمون تجاه التبعية للقيم الرأسمالية أو اليسارية، ولذلك تغيب القضايا الإسلامية بينهما وتحضر الأجندة الوطنية والقطرية والإقليمية بحسب توافقها مع نظرتهم المصلحية، وإلى الله المشتكى من هوان المسلمين على أعدائهم وبني جلدتهم.