هوية بريس – السبت 16 غشت 2014 لليوم الخامس على التوالي لازالت ولاية ميسوري الأمريكية مشتعلة بسبب الاحتجاجات الاجتماعية للافرو أمريكيين على مقتل شاب أسود في ظل تعتيم إعلامي عربي. الخبر الجديد هو أن ولاية ميسوري عينت عميد شرطة أسود من أجل احتواء الوضع والتخفيف من حدة الاحتجاجات. الإشكال الذي يبرز مجددا على الساحة وبشكل أكثر حدة على المستوى القيمي والسياسي هو أن هؤلاء الذين طبلوا كثيرا لوصول شخص أسود من أصول إفريقية في إطار عملية ديمقراطية وتتويجه على رأس الولاياتالمتحدةالأمريكية كأول رئيس اسود يتناسون الأمر بشكل مقصود اليوم كأنه لم يحصل. وإلا فما معنى تعيين عميد شرطة أسود بالولاية من أجل إخماد فتيل الاحتقان مع أن رئيس الدولة الذي من المفروض أنه يدير ويتحكم في كل اللعبة على المستوى النظري هو أسود. في عهد أوباما الرئيس الأسود حدثت في الولاياتالمتحدة عدة وقائع بخلفية عنصرية كان أغلب ضحاياها من السود الأمريكيين. فوصول أوباما لرئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية على الرغم من أهميته في التاريخ السياسي الراهن للولايات المتحدة لم يمنع من استمرارية الاحتقانات العنصرية والتفاوت الطبقي بين أحفاد (العبيد القدماء) السود وأحفاد السادة البيض المسيحيين البروتستانت مما يدل على أن رئاسة شخص أسود للولايات المتحدة قائدة العالم الرأسمالي ليس سوى خدعة من بين خدع كثيرة تعمل الرأسمالية والبرجوازية المتعفنة على الهاء الشعوب والمستضعفين بها والضحك على ذقونهم خدمة لأغراضها في تثبيت سيطرتها على الوضع الاقتصادي وإفراغ الاحتجاج الاجتماعي من محدداته الطبقية. الأزمة العنصرية بين البيض والسود الافرو أمريكيين لازالت مستمرة في الزمان المكان بالرغم من كل المقولات التي روجتها آلة الإعلام والدعاية البرجوازية الأمريكية بأنها انتهت إلى غير رجعة بعد وصول باراك أوباما أسود من أصول إفريقية إلى الرئاسة كتتويج لنضال طويل للقادة السود من أجل المساواة في الحقوق والحريات مع نظرائهم البيض خاصة كلمات القس الأسود "مارتن لوثر كينغ" التي اعتبرت إنجيل المدافعين على حقوق السود في أمريكا. الأزمة العنصرية هي وجه من أوجه الأزمة المتفاقمة للنظام الرأسمالي الأمريكي وللتهميش المتعمد للسود ولتكريس رزوحهم في أدنى السلم الاجتماعي وتعرضهم المكثف ومعاناتهم الشديدة لكل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها المجتمع الأمريكي بالإضافة إلى المهاجرين من أصول لاتينية. ما يجري اليوم بالولاياتالمتحدةالأمريكية وأن اتخذ صفة احتقان اجتماعي على أسس عنصرية عرقية إلا أن جذوره الحقيقية تكمن في تاريخ طويل من الاستغلال والتهميش والإقصاء الاجتماعي الممنهج وتاريخ طويل من الصراع الصامت للافرو أمريكيين ضد كل الكليشيهات الاجتماعية التي رسختها البرجوازية الكبرى في المشهد الاجتماعي الأمريكي عن السود. حيث أصبحت صورة الأسود مرتبطة بالسرقات والإجرام والسطو الاغتصابات والتشرد والأسود في أحسن الأحوال هو مغني راب أو متسابق أو لاعب كرة سلة حيث حصر السلم الاجتماعي للسود في هذه المجالات. كما حصرت عائلات سوداء كثيرة في غيتوهات في ضواحي المدن الكبرى أصبحت مع مرور الوقت محضنا لتفريخ العصابات الإجرامية ولنشاط المافيا وترويج المخدرات وهو ما تم تعميمه مع الصورة النمطية الهوليودية التي لم تقدم الأسود سوى في صورة ذلك المواطن المهمش الغير منضبط لقواعد السلوك الاجتماعي… ذلك المواطن عدو الشرطة الذي يملأ السجون والمعتقلات وتم ترويج ثقافة أن الأسود بطبعه إنسان عنيف ومسلح يسعى باستمرار نحو ارتكاب الجريمة. لذلك فمن الطبيعي أن تتعامل الشرطة الأمريكية مع كل رجل أو شاب اسود بهذا المنطق وأن تستخدم القوة المفرطة كلما عن لها في مواجهة المواطن الأسود صاحب الصورة النمطية. المنطق الذي تتعامل به الرأسمالية الأمريكية مع الأوضاع الاجتماعية والإشكالات الاقتصادية والأزمات المتلاحقة للتدبير تؤدي بها دائما إلى خلق الصراعات الطائفية وتوفير الأرضية لها لتفجيرها في شكل صراعات فئوية تعتمد على العرق أو الدين أو الانتماء الترابي لكي تستطيع أن تتحكم فيها إيديولوجيا وتوجهها دون أن تحتدم لصراع بين استغلاليين ومستغلين أو مستعبدين تظهر فيه الصورة الحقيقية للصراع الجدلي بين المتحكمين في الثروات والاقتصاد والثقافة والمعرفة وبين المستهلكين المستلبين عندما يستفيقون من سباتهم. نفس المنطق الذي تستعمله البرجوازية الحاكمة في الولاياتالمتحدةالأمريكية داخليا استعملته خارجيا في كل المناطق التي خاضت بها حروبها الاستعمارية الجديدة وآخرها العراق الذي عملت ومنذ أول لحظات استعدادها لغزوه عسكريا على التحريض الطائفي بين تركيباته الاجتماعية والاستعانة بأشد الطائفيين إجراما وتوليتهم مقاليد السلطة السياسية والتدبير الأمني لكي تنسحب بعد ذلك مخلفة كوارث إنسانية واقتصادية واجتماعية يندى لها جبين الإنسانية سهر عملائها طيلة سنين على رعايتها واستمرارها بنفس الطريقة المقيتة. ما يحدث اليوم بالولاياتالمتحدةالأمريكية من احتقانات بين السود وقوات الأمن هي إحدى تمظهرات الأزمة الاقتصادية التي تعصف منذ 2008 بالاقتصاد الأمريكي والعالم الغربي. فلقد كان من المفروض أنه بعد وصول باراك أوباما إلى الرئاسة في 2008 وإعادة انتخابه مرة أخرى في 2012 رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية لولاية ثانية أن تكون كل الصور النمطية عن الرجل الأسود في المجتمع الأمريكي ولدى أجهزة الأمن بالتحديد قد سقطت وتلاشت وحلت محلها صورة أخرى معبرة عن الاحترام والمساواة والاندماج التام ولكن العكس تماما هو ما حدث فلم تزدد صورة الافرو أمريكي سوى قتامة وبؤسا في ذهنية رجال الشرطة البيض وفي الواقع الاجتماعي الأمريكي. وساهمت الأزمة الاقتصادية والبطالة المتفاقمة في صفوف الأمريكيين السود الأكثر تأثرا بأزمة السكن والديون على ازدياد معدلات الجريمة والتشرد وانعدام أفاق الاندماج… ولذلك فإن من مظاهر الاحتجاجات الأخيرة على مقتل الشاب الأسود بولاية ميسوري الهجوم على المحلات التجارية والبنكية ونهبها وتمركز الاضطرابات بشكل مريع على المحلات التجارية والأسواق الكبرى وهي مؤشرات تدل على أن ازدياد تردي الوضعية الاقتصادية للسود… كما تدل على تفاقم أزمة النمط الاستهلاكي للمجتمع الأمريكي الذي تتبناه الطبقات الأدنى بشكل مفرط كنوع من التقليد المزيف للبرجوازية وتزييف للوضع الاجتماعي وكما تظهر في نفس الآن تهافت أكذوبة اقتصاد الرفاه التي حاولت أن تضرب المحددات الموضوعية للفقر وتتجاوزها في إطار المنظومة الفردانية التي تنبني عليها الايدولوجيا الليبرالية في تزييف واضح للمفاهيم والقيم وللصراع الاجتماعي.