* بقلم // أحمد الميداوي يغادر الرئيس الأمريكي باراك أوباما البيت الأبيض في 20 يناير المقبل، بعد 8 سنوات كاملة مخلفا تركة تتنازعها الانتصارات والهزائم في الوقت نفسه، إلى جانب جدل واسع خلفته تلك التركة. ورغم النجاحات اللافتة، التي حققها أوباما في ولايتيه الأولى الثانية، بداية من المجال الاقتصادي، وصولاً إلى إنهاء أكثر من نصف قرن من القطيعة مع كوبا، واتفاق بشأن ملف إيران النووي، إلا أنها لم تخل من إخفاقات كثيرة سياسية واجتماعية. والمثير في تلك الإخفاقات أنها تركزت في المنطقة العربية، حيث لم تبرح القضية الفلسطينية مكانها، ولا تزال المعارك مشتعلة بسوريا منذ أكثر من خمس سنوات، فضلاً عن استيلاء « داعش » على مساحات واسعة من العراق. ومن أبرز إنجازات أوباما في مجال الاقتصاد، أنه تمكن من انتشال بلاده من واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية، التي لم تعصف بالولاياتالمتحدة فحسب، بل العالم كله. فقد نجح في خلق 15 مليون فرصة عمل جديدة، وخفض معدل البطالة لما دون 4.9 بالمئة طيلة 74 شهرا متتاليا كما يحلو له أن يفاخر بذلك في كل مرة يتحدث فيها عن تركته. ورافق التركة الاقتصادية لأوباما نجاحه وحزبه الديمقراطي في إقرار قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة، والذي مكن من توفير التأمين اللصحي لما يقرب من 20 مليون أمريكي. ولعل أحد أبرز الآثار الاقتصادية للرئيس الأمريكي، هو توقيعه اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ والمعروفة باسم « تي تي بي »، والتي تشمل إقامة منطقة تجارة حرة بين 12 دولة تشكل اقتصاداتها 40 بالمئة من اقتصاد العالم. وتضم قائمة الدول أستراليا، بروناي، كندا، تشيلي، اليابان، المكسيك، ماليزيا، نيوزيلندا، بيرو، سنغافورة، فيتنام، إلى جانب الولاياتالمتحدة. سياسيا نجح أوباما خلال توليه لمقاليد البلاد في إنهاء أكثر من نصف قرن من المقاطعة بين بلاده وكوبا، عندما أعلن نهاية 2014 بدء تطبيع العلاقات بين البلدين. وعقب ذلك جاءت عدة خطوات بينها تبادل للسفراء بين هافانا وواشنطن، وإعادة تسيير الرحلات الجوية، بالإضافة إلى عودة التبادل التجاري. وشهد تطبيع العلاقات مع كوبا معارضة شديدة من بعض الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي الذين يرون أن الولاياتالمتحدة لا يجوز أن تتخلى عن سياستها في مقاطعة كوبا لكونها « دولة تخضع لحكم شمولي ديكتاتوري ». وشمل عهد الرئيس الأمريكي الحالي توقيع الاتفاق النووي بين إيران وخمس من الدول الكبرى، إلى جانب الولاياتالمتحدة، بعد مفاوضات طويلة ومعقدة انتهت بتعهد إيران بالتخلص من برامجها النووية العسكرية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية. معارضو الاتفاق النووي من الجمهوريين يرون أن أوباما قدم الكثير من التنازلات لطهران، وسيخلق سباقاً للتسلح النووي في المنطقة، بالإضافة إلى تعريض الأمن الإسرائيلي للخطر. عهد أوباما، وإن شمل بعض النجاحات، إلا أن شبح عواقب الإخفاقات سيظل يطارد الولاياتالمتحدة. فمنذ توليه لمقاليد البلاد في يناير 2009، وعد بالعمل على غلق سجن غوانتانامو سيء السمعة، خاصة بعد تفجر فضيحة استخدام الاستخبارات الأمريكية لأساليب التعذيب ضد المعتقلين. إلا أنه سيغادر البيت الأبيض من دون التمكن من تحقيق ذلك الوعد بالرغم من ضآلة أعداد المتبقين من المعتقلين في هذا السجن. وخلف أوباما في سوريا كذلك، صراعا لم يستطع حسمه، يعتقد معارضوه أن سبب ذلك يعود « إلى ضعف سياساته » تجاه رأس النظام السوري بشار الأسد ورفضه فرض منطقة حظر للطيران داخل البلاد، التي مزقتها الحرب بالإضافة إلى عدم تسليحه للمعارضة السورية، التي طالبت على مدى سنوات حكمه، بتزويدها بمضادات للطائرات من أجل تحييد التفوق الجوي لقوات الأسد. كما يغادر أوباما منصبه من دون حسم نهائي للحرب ضد تنظيم « داعش »، الذي شهد صعودا كبيرا خلال فترة حكمه، والتي يرى منتقدو سياساته أن شوكة التنظيم المسلح لم تقو إلا بعد مغادرة القوات الأمريكية للعراق، وهو في اعتقادهم مؤشر آخر على تضاؤل نفوذه في المنطقة. وفوق هذا كله يرى مراقبون أن تواجد الجيش الأمريكي في أفغانستان، حتى اليوم، وعودة القوات الأمريكية إلى العراق، وإن كان بشكل قوات دعم وتدريب، يدلان على فشله في إنهاء دور القوات الأمريكية في البلدين اللذين كانت الولاياتالمتحدة قد خاضت حربين فيهما انتهت باحتلالهما إبان حكم سلفه جورج دبليو بوش. كما لم تبرح القضية الفلسطينية مكانها خلال حكم أوباما، على الرغم من المبادرات الساعية إلى إحياء عملية السلام، واستسلم أوباما للمراوغات الإسرائيلية بالتهرب من مائدة المفاوضات.. وربما جاء الامتناع عن التصويت على قرار إدانة الإستيطان الإسرائيلي، في مجلس الأمن، بمثابة رسالة الاحتجاج الأخيرة ضد التعنت الإسرائيلي، الذي حرمه من لقب صانع السلام في الشرق الأوسط. وخلال السنوات الثماني في الحكم، فشل أوباما في تعديل قانون امتلاك الأسلحة النارية. كما خيب أول رئيس أسود في تاريخ الولاياتالمتحدة، والذي انتخب بفضل دعم كبير من الأقليات، الآمال حيال مسألة اللامساواة العرقية. وحرص على ألا يبدو رئيسا لأقلية معينة فاتسمت مواقفه بحذر شديد إزاء تعاقب الأحداث (مقتل سود برصاص الشرطة) رأى فيه العديد تخاذلا سياسيا تجاه معضلة العنصرية.