بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين، وبعد: توقف الجدال المتعلق بإخراج زكاة الفطر طعاما أو نقدا، ووضعت الحرب أوزارها إلى الفطر القادم إن شاء الله، وهو جدال موسمي يتجدد كل عام كغيره من القضايا الموسمية التي ينشط أصحابها كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون، ولو بذلنا الجهد في نقاش ما يتحقق من مقاصد أو لا يتحقق لكان أنفع وأفيد. وحري بنا تجاوز هذا الجدل إلى العمل من خلال استدعاء تجارب دول إسلامية صيرت الفقراء أغنياء بزكاة الفطر ونقلتهم من الأخذ إلى العطاء، ففي ماليزيا التي تعتبر تجربتها من التجارب الرائدة في العالم الإسلامي هناك موقع مخصص للزكاة يسجل فيه الفقراء أسماءهم وأسماء من يعيلونهم في الموقع دون التعرض لذل سؤال أو خوف حرمان، فيُعرف الفقير وتعرف بلدته التي يسكنها بتنسيق مع إدارة الضرائب التي تعين على تحديد المستويات الاجتماعية وتصنيفها. وحسب درجة التصنيف تمنح قيمة زكاة الفطر عبر التحويلات المالية من قبل الأغنياء، ثم يخبرون بمن استفاد من زكاتهم من الفقراء وتمكينهم من معلومات متعلقة بمحل سكناهم لمن رغب في الاطمئنان على زكاته، فتطمئن النفس، ويتعزز التكافل الاجتماعي الذي يحقق مستويات عيش تطعم من جوع وتؤمن من خوف وتحفظ ماء وجه الفقير، حيث تشير بعض الإحصاءات إلى أن بعض الفقراء تصلهم مبالغ تقدر بنحو ثلاثة ألف دولار، ثم توزع عليهم طيلة السنة في مناسبات مختلفة، على نحو مقسم، فيفرحون يوم العيد وأيام السنة كلها، ويغنون عن الطواف سائر الأيام، والإغناء مقصد شرعي ورد التصريح به في الحديث النبوي.. وبمؤازرة من الدولة يتم خصم قيمة الأموال التي تدفع للزكاة من مجموع الضرائب السنوية المترتبة على الأفراد والمؤسسات الذين قاموا بأداء زكاة أموالهم، ويتم توظيف الأموال (التي يتجاوز عددها الإجمالي مما يستخلص من الزكوات 281 مليون دولار) في خطط التنمية الاقتصادية ومكافحة الفقر برؤية استشرافية تسعى إلى تطوير الاستثمار وتوسيع دائرة المستفيدين وتنويع مجالات الاستفادة كتوفير المساكن، والغذاء، والتعليم، والصحة، والملابس، والنقل. وفي سنغافورة تُحصى الأسر الفقيرة ثم تتم إحالتها إلى أغنياء لدفع رسوم تمدرس أبنائهم إضافة إلى تدريب الوالدين في أنشطة تجارية لمدة سنتين وإعطائهم رأس مال لإنجاح مشاريعهم التجارية، وبعدها تخرج تلك الأسر من قائمة المستحقين للزكاة إلى قائمة المتصدقين. لماذا لا نستدعي هذه التجارب للوعي بها كمرحلة أولى، ومن ثم السعي لتوظيفها ولو على مستوى الأحياء والمدن. وكم كان الأسف بالغا لما دق جرس بيتي قبيل عيد الفطر أكثر من فقير يسأل عن زكاة الفطر، والأصل أن يطوف الأغنياء على الفقراء لا أن يضاف للفقراء ذل الطواف إلى ذل السؤال. إننا بحاجة إلى وعي حقيقي بالمقاصد الكبرى لشرائع الدين، وتجاوز نقاش عقيم حول كثير من قضايانا، ومثل هذا الوعي الذي ننشده هو الذي مكن معاذا حين بُعث واليا على اليمن، فجاء في السنة الأولى بثلث الأموال، ثم بحث فما وجد في اليمن فقيرا، ثم في العام الثاني أرجع نصف الزكاة. ما بالنا لا نجد مثل هذا الأثر للزكاة؟! فهل إلى نهوض من سبيل؟