أصبح المغرب الرسمي اليوم بحاجة ماسة إلى تحديد مايريد وإن كان يتطلع إلى تحقيق التنمية المنشودة , وجعل التنمية البشرية أساسا لنهضته وتقدمه , والسير بثباث نحو مصاف البلدان الفاعلة والمؤثرة .لأن الزمن والواقع يشكلان المحك الحقيقي للمنطوق المخزني التليد , والذي غالبا ما يصطدم بصخرة الزمكان , التي تقوم بإظهار الوجه الحقيقي لمغرب أنهكته العمليات التجملية المرتجلة .ومع ذلك نعترف بأنه هنالك وجه مشرق , ولكن هذا الأخير , بحاجة إلى رغبة حقيقية وتوافق وطني حول راهنية العمل الجاد والمسؤول كي ينير لنا ظلمة الليل الطويل. "" وإذا كان المغرب قد تمكن من الحصول على الوضع المتقدم من لدن الاتحاد الأوربي ك "عربون على الثقة التي يضعها الاتحاد في النموذج المغربي و في الإصلاحات التي باشرتها المملكة"(1). فّإن ذلك لن يكون غربالا يحجب عنا الشمس الساطعة , بل إن الاتحاد الأوربي نفسه يدرك تماما بأن مقاييس التنمية البشرية كما هو متعارف عليها ووفقا لما يبرزه سلم التنمية يضع المغرب في مرتبة مخجلة إلى جانب دول من الشائع عنها أن تعاني من الفقر المدقع ومجاعات وحروب. ووفقا لذلك فإنه سنكون مجانبين للصواب إن صدقنا بأن المغرب يستحق فعلا أن ينال الوضع المتقدم المزعوم . ليس هذا لأننا نضع أنفسنا في منأى عن قضايا الوطن , ولكن لأن قضايا الوطن هاته تفرض علينا أن لا ننساق وراء شعارات ظاهرها رحمة وباطنها عذاب . إن طبيعة العلاقة الجامعة بين المغرب وأوربا من جهة , والمغرب والولايات المتحدةالأمريكية من جهة أخرى , تطرح علينا الكثير من علامات الاستفهام ... لأنها أمنية بالأساس , ولأن الصورة المثالية التي نحملها عن طبيعة هذه الأنظمة الديموقراطية تفرض علينا التشكيك في هذه الديموقراطية , إن كانت أوربا تستطيع أن تغمض أعينها عن كل الفضاعات التي يرتكبها خفافيش الظلام الذين لايدخرون جهدا في الرجوع بالمغرب إلى سنوات الجمر والرصاص ولا تفتحهما إلا عندما يتعلق الأمر بالدور المراد للمغرب كدركي لأوربا في مجال محاربة الهجرة السرية والإرهاب والذي يجسد فيه هذا الأخير دور التلميذ النجيب . وإذا كان هنالك من وضع متقدم يبحث المغرب عنه فإنه نموذج النمور الأسيوية , إذ أنه إلى عهد قريب كانت فيه هذه الدول "تايلاند,كوريا الجنوبية, الصين,سنغافورة, ماليزيا" تعيش المأساة الأسيوية بكل تمظهراتها , ولكن ثلاثة عقود من التنمية البشرية في هذه الدول ومن التقدم الصناعي والإصلاح كانت كافية للتربع إلى جانب دول أخرى على عرش التنمية البشرية (2) . " لذا فإن قدرات أي أمة تكمن فيما تمتلكه من طاقات بشرية مؤهلة ومدربة وقادرة على التكيف والتعامل مع أي جديد بكفاءة وفاعلية. وما تجربة دول جنوب شرق آسيا منا ببعيد، فتلك الأمم التي قطعت على نفسها التزامات هامة تجاه تجميع رأس المال البشري وتحويله إلى طاقة وميزة تنافسية عالية تم توجيهها إلى استثمارات عالية الإنتاجية؛ كان مبعثه إيمانها بأن سر نهضتها ونموها يكمن في عقول أبنائها وسواعدهم"(3). (1) تصريح لوزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري . (2) يمكنك العودة إلى كتاب "العرب والتجربة الآسيوية" , تأليف "محمود عبد الفضيل" للاطلاع على تجربة النمور الأسيوية . (3) التنمية البشرية من ثراء المفهوم إلى فقر الواقع , سيد عبدالعزيز , إسلام أون لاين. [email protected]