بث موقع (http://abouzayde.jimdo.com/)، في باب "محاضرات"، محاضرة/فيديو، بعنوان "هويتنا وأثر منطلقاتها على الواقع الانساني"، منقولة عن القناة الفضائية السعودية "الرسالة"، كان الأستاذ المقرئ الإدريسي أبوزيد قد ألقاها بالسعودية في مؤتمر حول الهوية. ما كانت هذه المحاضرة لتثير انتباه أحد، خصوصا أن السيد المقرئ الإدريسي أبوزيد لم يأت بأي جديد خارج ما هو معروف وشائع لدى التيارات الإسلامية حول الهوية، لو لم يعمد إلى شرح مفهومه للهوية بمثال توضيحي، سماه "نكتة"، يقول فيه بالحرف: «في المغرب عندنا تجار معروفون بنوع من البخل وهم من عرق معين لن أقوله حتى لا أتهم بالعنصرية في المغرب. يقولون إن أحدهم (أحد هؤلاء التجار) من خوفه على مساعديه أن يسرقوه ومن حرصه على ماله وضع مرآة في قعر درج النقود فإذا فتحه ينظر في المرآة حتى يتأكد أنه هو الذي يفتح الدرج وليس غيره». الأستاذ المقرئ الإدريسي أبوزيد، من خلال تخوفه من تهمة العنصرية في المغرب، يعترف إذن أن "النكتة" ذات مضمون عنصري تجاه الأمازيغيين الذين يعنيهم بما سماه "عرق معين". وعندما يقول: «وهم من عرق معين لن أقوله حتى لا أتهم بالعنصرية في المغرب»، فهو ضمنيا يسمي هذا العرق ويحدده، لأنه لو كان يريد حقا عدم الكشف عن هذا العرق، لاكتفى بالقول: «يحكى أن تاجرا كان من شدة خوفه على مساعديه أن يسرقوه ...»، وهو ما كان سيؤدي المعنى الذي قصده بما سماه "نكتة"، ودون تحديد جغرافي وعرقي لمصدر "النكتة"، مثلما فعل مع "النكتة" الأولى التي أوردها كما يلي: «يقولون أَن (هكذا نطق بها مفتوحة الهمزة) رجلا أهبل كما تقولون وفقير ألجأته الظروف إلى أن يبيت...». فلماذا التأكيد على تجار مغاربة من "عرق معين" دون أن يكون لذلك أية علاقة ضرورية بما يريد شرحه، وهو مفهوم الهوية؟ في الحقيقة، بهذه "النكتة" السمجة غاب المعنى الذي يفترض أنه المقصود بالمثال/النكتة، ليحضر التشهير العنصري بالأمازيغيين من "عرق معين". فكيف لمفكر وأستاذ جامعي أن يجعل من بني جلدته موضوعا لسخرية عنصرية، خشنة وثقيلة حتى على الذين كانوا يستمعون إليه، كما يظهر ذلك من تفاعلهم البارد، عكس ما كان يتوقعه، مع "نكتته" الفجة، غير المناسبة وغير المضحكة؟ لا شك أن السيد المقرئ الإدريسي أبوزيد كان ينتظر أن تهتز القاعة بالتصفيقات إعجابا لانتقاصه من قدر مواطنيه المنتمين "لعرق معين"، اعتقادا منه أن كل العرب هم، مثله، ينتقصون من قدر أصحاب هذا العرق. لكن يبدو أن العكس هو الذي حصل: تصور أن شخصا استضفته بمنزلك، فلم يجد من وسيلة يتزلف بها إليك، عرفانا بجميلك وكرمك واستضافتك له، غير النهش في أعراض بني قومه والتندر عليهم والسخرية منهم. فماذا سيكون رد فعلك؟ لا شك أن ذلك الضيف سيسقط من عينك، ويفقد احترامك وتقديرك له. وأكاد أجزم أن هذا ما كان عليه شعور الذين حضروا عرض السيد المقرئ الإدريسي أبوزيد حول الهوية، الذي حول جزءا منه إلى عرض حول هوية "عرق معين"، كما يتصورها هو لا كما هي في الواقع. نعرف أن الذين لهم غيرة على وطنهم، وعلى مواطني وطنهم لأن الغيرة على مواطني الوطن هي من الغيرة على هذا الوطن ، عندما يوجدون خارج البلاد، وفي موقف يواجهون فيه بعيوب أبناء وطنهم الحقيقية وليست المزعومة، فإنهم يدافعون عن أبناء بلدهم وينفون عنهم ما ينسب إليهم من عيوب ونقائص. فالسيد المقرئ الإدريسي أبوزيد، لو كان محبا لأبناء وطنه الذين هم من "عرق معين"، كما قال عنهم، لما سمحت له "غيرته الوطنية" باتخاذهم هزءا بمضمون عنصري أمام ملأ أجنبي. بل كان، لو ذكّره أحدهم بتلك "النكتة" الكاذبة، سينفي ذلك ويرده إلى مجرد بقايا افتراءات عنصرية قديمة وبائدة. والخطير في "نكتة" السيد المقرئ الإدريسي أبوزيد المستفزة، والتي هي في الحقيقة تشنيع، بخلفيات عنصرية، بفئة من المغاربة لانتمائهم "لعرق معين"، (الخطير) أنها تصدر عن مفكر إسلامي ومنتمٍ لحركة إسلامية، ونائب برلماني عن حزب إسلامي يقود الحكومة. فهل يجهل المفكر الإسلامي، المنتمي لحركة إسلامية، أن الله تعالى يقول في كتابه العزيز: «وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً»؟ وهل يجهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث رواه مسلم: «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال ذكرك أخاك بما يكره. قيل أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته (من البهتان)»؟ فأين هو السلوك الإسلامي الذي يفترض أن يتصف به مفكر إسلامي مثل السيد المقرئ الإدريسي أبوزيد؟ وأين هي الروح والأخلاق الإسلامية المفترض أن يتحلى بها المنتمي لحركة إسلامية ولحزب إسلامي؟ وقد كان السيد المقرئ الإدريسي أبوزيد جسورا إلى درجة "قلة الحياء" في "نكتته" القبيحة، إذ لم يراعِ حرمة قياديين في حزبه الإسلامي وأعضائه ومنخرطيه الذين تتشكل غالبيتهم مما سماه "عرق معين". مع أن المنتمين لهذا "العرق" هم الذين مولوا وساندوا هذا الحزب إلى أن وصل إلى ما هو عليه اليوم. فهو تذكّر فقط "بخلهم" المزعوم، لكنه نسي كرمهم الحقيقي مع حزبه الإسلامي. أليس هذا نوعا من الغدر والخذلان؟ في حديثه عن الهَوية، التي ينطقها دائما بهاء مفتوحة، أشار إلى أن نقيضها هو المسخ الذي هو «إخراج عن الهوية»، كما قال. وهذا أمر صحيح، ولا نملك إلا أن نؤيده ونتفق معه فيه. ثم شرح أن إبليس هو صاحب مشروع مسخ الهوية، مستشهدا بالقرآن الذي جاء فيه على لسان الشيطان: «وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ». إذا كان هذا "المشروع الشيطاني" كما سماه السيد المقرئ الإدريسي أبوزيد لمسخ الهوية، هو أن يأمر ويغري إبليسُ الناسَ بتغيير خلق الله، وهو ما يعني تغيير ومسخ الهوية الني فطر الله عليها خلقه وعباده، فإن سياسة التعريب، المتبعة في المغرب منذ الاستقلال، تكون مشروعا شيطانيا لأنها ترمي إلى مسخ الهوية الأمازيغية التي خلق الله بها وعليها سكان المغرب. لقد كان التعريب إذن تنفيذا لأوامر شيطانية طبقها دعاة التعريب ضدا على إرادة الله، التي اقتضت أن يخلق سكان شمال إفريقيا بهوية أمازيغية ولغة أمازيغية، مثلما اقتضت أن يخلق سكان الجزيرة العربية بهوية عربية ولغة عربية. النتيجة إذن أن دعاة التعريب هم خدام مشروع الشيطان، وأن محاربة هذا المشروع يتضمن محاربة سياسة التعريب الشيطانية. فهل سيعترف السيد المقرئ الإدريسي أبوزيد، حتى يكون منسجما في تصوره للهوية ونقيضها الذي هو المسخ الشيطاني، بأن التعريب مشروع شيطاني يستهدف مسخ هوية خلق الله بالمغرب، ويعلن أن هذه السياسية مضادة للإرادة الإلهية لأنها تنفيذ لإرادة شيطانية، ويدعو إلى محاربة التعريب كجزء من الحرب على الشيطان لعنه الله؟ أما إذا استمر، كما يفعل حزبه، في المطالبة بمزيد من التعريب، فلا يكون متناقضا في مواقفه فحسب، بل سيكون حليفا لما سماه "المشروع الشيطاني"، الذي يرمي إلى مسخ الهوية وتغييرها طبقا لما توعد بذلك إبليس كما ذكر القرآن الكريم. وبصدد هذا المسخ الشيطاني للهوية، يقول السيد المقرئ الإدريسي أبوزيد: «وكان أقصى وأقسى ما وصل إليه العدوان على الهوية هو العمليات الجراحية للتحول البيولوجي من جنس إلى جنس». أليس هذا بالضبط ما فعلته سياسة التعريب أيضا، عندما حولت الجنس الأمازيغي إلى جنس عربي، متحدية إرادة الله ومنفذة إرادة الشيطان، حسب المنطق الديني الذي يشرح به السيد المقرئ الإدريسي أبوزيد الهوية ونقيضها المسخ؟ أليس "أقصى وأقسى ما وصل إليه العدوان على الهوية هو العمليات التعريبية للتحول الهوياتي من جنس إلى جنس"، أي من شعب إلى شعب، حسب المعنى الأصلي لكملة "جنس" في اللغة العربية، والتي تعني القومية والانتماء؟ على السيد المقرئ الإدريسي أبوزيد، حتى يكون منسجما في موقفه وصادقا في تنديده بكل أشكال العدوان على الهوية، أن يندد بسياسة التعريب المحولة للجنس الأمازيغي إلى جنس عربي، خصوصا أن "الشذوذ الجنسي"، الهوياتي، المتعلق بتغيير جنس الشعوب، هو أخطر وأقسى من "الشذوذ الجنسي" الفردي المتمثل في تغيير جنس الأفراد. فهذا "الشذوذ الجنسي" الفردي، المنتشر بالغرب، أقل خطرا من "الشذوذ الجنسي" الجماعي الذي ترعاه وتشرف عليه الدولة في المغرب، من خلال نهجها لسياسة التعريب المحولة للجنس الأمازيغي إلى جنس عربي. وكما استنكر السيد المقرئ الإدريسي أبوزيد عمليات تغيير الهوية الفردية بالغرب، وهو الموضوع المفضل لدى المفكرين الإسلاميين لأنهم يجدون فيه دليلهم على ما يعتبرونه تفككا قيميا وأخلاقيا بالمجتمعات غير المسلمة، وسكت عما هو أخطر وشيطاني أكثر، وهو عمليات تغيير هوية شعب بكامله بالمغرب، فكذلك استنكر سياسة التهويد بفلسطين التي ترمي إلى «محو الذاكرة الفلسطينية تاريخا وآثارا وقيما ورجالا ومواقف وأحداثا لصالح تاريخ مزيف»، مع سكوته عن سياسة التعريب التي ترمي، كما تفعل سياسة التهويد تماما، إلى "محو الذاكرة الأمازيغية تاريخا وآثارا وقيما ورجالا ومواقف وأحداثا لصالح تاريخ مزيف"، مثل أسطورة الأصل اليمني للأمازيغيين، أو أن أول دولة بالمغرب هي التي أنشأها إدريس الأول، أو أسطورة "الظهير البربري"، أو أن "الحركة الوطنية" هي التي حررت المغرب من الاستعمار الفرنسي... هذا الموقف الأمازيغوفوبي للسيد المقرئ الإدريسي أبوزيد، هو نموذج بليغ ومعبر عن "الشذوذ الجنسي" الهوياتي الذي يجعل المرء يكره جنسه (هويته) الأصلي، ويتبرأ من انتمائه إلى هذا الجنس، الذي يصبح لديه "عرقا معينا" يسخر منه ويتهكم عليه ليقنع نفسه أنه لا ينتمي إليه. وقد بلغ الاستلاب الهوياتي و"الشذوذ الجنسي" بالمغرب حدا جعل ضحاياهما، مثل الأستاذ المقرئ الإدريسي أبوزيد، لا يقتنعون بتغيير جنسهم الأمازيغي إلى جنس عربي إلا إذا "ذبحوا" الأمازيغية على محراب العروبة، كعربون على انتمائهم لهذه العروبة وتبرئهم من الانتماء إلى الأمازيغية، ودون أن يطلب منهم العرب الحقيقيون "ذبح" الأمازيغية وتقديمها قربانا لهم. هذه هي عقدة الأمازيغية لدى ضحايا "الشذوذ الجنسي" بالمغرب: فهم لا يشعرون بأنهم عرب إلا إذا أهانوا الأمازيغية والأمازيغيين. مع أن العرب الحقيقيين، هم عرب بدون إهانة أو احتقار للأمازيغية والأمازيغيين (انظر موضوع: "عندما يكون الغلو في الانتماء إلى العروبة دليلا على الانتماء إلى الأمازيغية" على رابط "هسبريس": http://www.hespress.com/writers/85870.html). إنها مازوشية هوياتية تجعل صاحبها يجد اللذة والمتعة في احتقار هويته وجنسه. تكشف واقعة هذه "النكتة"، ذات الدلالة العنصرية الواضحة، أن "الأمازيغوفوبيا" أصبحت مع السيد المقرئ الإدريسي أبوزيد بلا حدود، وذلك بمعنيين: تجاوزت كل المستويات وبزّت كل سابقاتها من السلوكات التحقيرية تجاه الأمازيغية والأمازيغيين. عبرت الحدود الوطنية ليصدّرها السيد المقرئ الإدريسي أبوزيد إلى بلدان الخليج، حتى يعرّفهم ب"بخل" ذلك "العرق المعين" الذي يقصد به منتمين إلى العرق الأمازيغي. هذه الجسارة في التندر، ذي الإيحاءات العنصرية، بالأمازيغيين، تكشف عن نوع من التطبيع مع السلوكات العنصرية الأمازيغوفوبية. ولهذا فإن السيد المقرئ الإدريسي أبوزيد، وهو يروي "نكتته" الأمازيغوفوبية، لم يكن يشعر أبدا أنه يجترح أمرا منكرا ومستهجنا، بل هو يعتقد أنه يستعمل أمثلة توضيحية عادية ومعروفة. وهذا دليل ونتيجة أن التعامل العنصري مع الأمازيغيين أصبح عاديا ومألوفا، لا يثير اشمئزازا ولا استنكارا. وهذا هو الخطير في هذه المسألة. فالأمر يتطلب وضع قوانين زجرية خاصة تعاقب على هذه السلوكات العنصرية، بغض النظر عن القوانين الزجرية العامة، الموجودة في قانون الصحافة والقانون الجنائي، والتي تعاقب عن الأفعال ذات الطبيعة العنصرية. لكن إذا كان أمثال السيد المقرئ الإدريسي أبوزيد، وهم كثْر، نوابا برلمانيين لهم الصلاحية الدستورية لاقتراح القوانين وإعدادها، فإنه لا يمكن انتظار صدور مثل هذه القوانين الحامية للأمازيغية من التحقير والإهانة العنصرية. يجب إذن التفكير في وسائل أخرى لحماية الأمازيغية من السلوكات العنصرية التي تستهدفها.