في مداخلة له بالمنتدى الربيعي الثاني بمراكش، الذي أنهى أشغاله يوم الاثنين 30 مارس 2014، ألقى الأستاذ المقرئ أبو زيد الإدريسي محاضرة تعرض فيها للهوية والدين واللغة، كما جاء في الخبر الذي نشرته "هسبريس". ومما جاء في كلام الأستاذ أبو زيد هو «أن الهوية تعتبر انعكاسا لبرنامج رب العالمين، بينما المسخ يمثل برنامج إبليس». بغض النظر عن حضور التشبيه والتجسيد للذات الإلهية في عبارة "برنامج رب العالمين"، إلا أنه يمكن القول إن ما ذهب إليه السيد أبو زيد هو عين الصواب عندما نربط الهوية بحكمة الله وإرادته التي قررت للشعوب هويات ولغات مختلفة حسب اختلاف مواطنها الجغرافية. فهذا شعب بهوية ولغة فارسيتين، وهذا بهوية ولغة صينيتين، وهذا بهوية ولغة عربيتين، وهذا بهوية ولغة كرديتين، وهذا بهوية ولغة أمازيغيتين، وهذا بهوية ولغة يابانيتين... وهلم جرا. فالهوية هنا، مع حمولتها اللغوية والثقافية، هي "انعكاس" لإرادة الله تعالى واختياره. أراد واختار أن يكون الصينيون بهوية صينية، وأن يكون اليابانيون بهوية يابانية، وأن يكون الإيرانيون بهوية فارسية، وأن يكون العرب بهوية عربية، وأن يكون الأمازيغيون بهوية أمازيغية... الخ. هذا هو "برنامج رب العالمين" في ما يخص هويات الشعوب. مسألة الهوية إذن بسيطة وواضحة. إنها "انعكاس" لقرار الله تعالى، وتجلّ ل"برنامجه". وبناء على هذا التصور الديني الرباني للهوية، كما أوضح السيد أبو زيد، يكون كل تغيير للهوية، التي هي «انعكاس لبرنامج رب العالمين»، مسخا «يمثل برنامج إبليس»، لأنه يستبدل "برنامج رب العالمين" ببرنامج الشيطان اللعين.لنطبّق إذن هذه المبادئ، الخاصة بالهوية، كما وردت في كلام السيد أبو زيد، على حالة المغرب. كانت هوية المغرب، عبر التاريخ وقبل 1912، "تعكس" "برنامج رب العالمين"، وتتوافق مع إرادته التي قرر بها أن يكون سكان هذه المنطقة أمازيغيين وبهوية أمازيغية. والعرب أنفسهم احترموا، وحتى بعد دخول الأمازيغيين الإسلام واستعمالهم للغة العربية، "برنامج رب العالمين" عندما تعاملوا مع سكان المغرب "كبربر" وليس كعرب، و سموا بلادهم "بلاد البربر" أو "بلاد إفريقية" وليس المغرب العربي.لكن انطلاقا من 1912، وخصوصا بعد 1956، سيصبح المغرب "عربيا" وهويته "عربية"، نتيجة سياسة التحويل الجنسي، المتمثلة في التعريب السياسي والعرقي والهوياتي والإيديولوجي واللغوي، الذي باشرته دولة الاستقلال كمشروع دولة أنفقت عيه الملايين من الخزينة العامة. ماذا يعني تعريب المغاربة، أي تحويلهم من جنس أمازيغي إلى جنس عربي؟ يعني، بكل بساطة، تطبيق "برنامج إبليس" المتمثل في مسخ هوية المغاربة. فالتعريب إذن سياسة مسخية وإبليسية، تتحدى "برنامج رب العالمين" وتستبدله ببرنامج إبليس اللعين، فضلا عما تتضمنه هذه السياسة من شِرْك بالله تعالى بخلق شعب عربي بالمغرب مثلما خلق الله شعبا عربيا بشبه الجزيرة العربية (انظر موضوع: "دعاة التعريب أو المشركون الجدد" على رابط "هسبريس": http://www.hespress.com/opinions/16837.html). هكذا يكون التعريبيون مدافعين عن "برنامج إبليس"، ومعارضين "لبرنامج رب العالمين"، وهو ما يكشف عن جاهليتهم وضلالهم وشِرْكهم. الشيء الذي يوجب على المسلم والمؤمن الحقيقي ب"ببرنامج رب العالمين"، أن يحارب التعريبيين المطبّقين ل"برنامج إبليس" الشرير.فهل سيتصدى الأستاذ أبو زيد للتعريبيين، عملاء "إبليس"، دفاعا عن "برنامج رب العالمين"، حماية لهوية المغاربة من المسخ التعريبي والتحول الجنسي الإبليسي؟ لا نعتقد ذلك. لماذا؟ لأن السيد أبو زيد، وعلى الرغم من تبنيه لهذا التصور الرباني للهوية، إلا أنه هو نفسه واحد من التعريبيين المشاهير، الذين لا يكنون ودا للهوية الأمازيغية الجماعية للمغاربة. وكلنا نتذكر نكتته العنصرية، وفي حضرة العرب بإحدى دول الخليج، حول "عرق معيّن"، وكان يقصد به أمازيغيي سوس (انظر موضوع "المقرئ الإدريسي أبوزيد أو "الأمازيغوفوبيا" بلا حدود" على رابط "هسبريس":http://www.hespress.com/writers/97393.html). وهذه إحدى المفارقات الصارخة في الخطاب "الإسلامي" بالمغرب: فبقدر ما يدافع "الإسلاميون" عن شرع الله، أي "برنامج رب العالمين"، بقدر ما يدافعون في نفس الوقت عن التعريب، أي "برنامج إبليس". في حين أن القوميين، عندما يدافعون عن التعريب، أي عن "برنامج إبليس"، يكون موقفهم منطقيا ومنسجما مع قناعاتهم العلمانية، بل والإلحادية في كثير من الحالات. لكن الغريب والمفارق، هو أن يدافع "الإسلاميون" عن التعريب، أي عن "برنامج إبليس" ضمن دفاعهم عن شرع الله، أي "برنامج رب العالمين". فكيف يجمعون بين شرع الله والتعريب، أي بين "برنامج رب العالمين" و"برنامج إبليس" في نفس الوقت؟ في الحقيقة، عندما نعرف أن الحركات "الإسلامية" في المغرب، ليست إلا الوجه "الإسلامي" للحركات القومية، ندرك أن موقفها هي كذلك منسجم مع أهدافها التي هي نشر العروبة العرقية، مع استعمال الإسلام والعربية كمجرد وسيلة وليس كغاية لتحقيق هذه الغاية التي تدخل ضمن "برنامج إبليس". ولهذا فإن أحد أسباب مشكلة الهوية بالمغرب، هو أن بلدنا يفتقر إلى حركات وأحزاب إسلامية حقيقية، هدفها الحقيقي هو تطبيق شرع الله وليس شرع العروبة العرقية، مثل الحركات الإسلامية بباكستان، وبإيران، وبتركيا...، والتي تدافع عن الإسلام ولكن في إطار الهوية التي اختارها "برنامج رب العالمين" لتلك الشعوب. ففي اليوم الذي ستدافع فيه الحركات والأحزاب الإسلامية المغربية عن الإسلام، في إطار الهوية الأمازيغية التي اختارها "برنامج رب العالمين" لشعوب شمال إفريقيا، تكون لدينا حركات إسلامية حقيقية تطبق "برنامج رب العالمين" في ما يخص هوية المغرب، وتحارب "برنامج إبليس" التعريبي الماسخ للهوية الأمازيغية لشمال إفريقيا.