من يتأمل المشهد المغربي، ويرصد كل تعبيراته المتدافعة، يستشف بكل سهولة، بأن المغرب تخترقه أربعة تعبيرات فكرية واديلوجية متصارعة، ترتبط كلها بأجندات خارجية.. 1 التعبير الإسلاموي المرتبط بدول الخليج والمشرق. لقد برز هذا التعبير بشكل لافت مع موجة الربيع العربي الذي انطلق من تونس بعد قيام البوعزيزي بحرق ذاته . هذا التعبير تتجاذبه عدة تيارات متناقضة في رؤيتها للدين، ومتصارعة فيما بينها فكريا، ومفتقدة في أغلبها لمشاريع مجتمعية واضحة. استطاعت أطراف من هذا التعبير أن تصل إلى السلطة بعد سنوات من الإغتراب السياسي، والنفي، والحصار، مثل، حركة النهضة في تونس، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي انقلب العسكر على شرعيتها الديمقراطية بقوة السلاح، وزج بالرئيس محمد مرسي وباقي رموز الجماعة في السجون، وقتل من أنصارها الآلاف في شوارع وساحات مصر... في حين اختارت أطراف أخرى منه " التعبير الإسلاموي"، الذهاب إلى سوريا لقتال بشار الأسد في الشام، أو التحالف ضد إخوانهم الذين وصلوا إلى السلطة، بسبب تباين الولاء للخارج، كما حدث في تونس ومصر، حيث استعملت التيارات السلفية في مواجهة النهضة والإخوان... 2 التعبير القومي، وهو تعبير له امتداداته في الزمان والمكان. وقد ارتبط تاريخيا بأنظمة البعث في المشرق وبالنموذج الناصري في مصر. ويرتبط حاليا بمحور ما يسمى بدول الممانعة. هذا التعبير يدافع بشراسة على النظام البعثي في سوريا، ويعتبر بأن ما حدث في العراق وما يحدث اليوم في الأرض السورية، حرب امريكية اسرائيلية، تخوضها عصابات إرهابية مسلحة بالوكالة عن دول غربية وأنظمة رجعية عميلة لها ومعادية لدول محور الممانعة " سوريا، إيران، حزب الله في الجنوب اللبناني" ويدعوا أتباع هذا التعبير، الدولة المغربية إلى الإنفتاح على إيران وتطبيع علاقاتها معها، بالنظر إلى عدد من المتغيرات الدولية التي حدثت في الآونة الأخيرة، وجعلت من إيران لاعب أساسي دولي مهم، بدل الإستمرار في قطع العلاقات الدبلوماسية معها.. 3 التعبير الصهيوني، ويقتصر دور هذا التعبير على تلميع صورة الكيان الإسرائيلي الغاصب، باعتباره الكيان الأكثر حداثة وديمقراطية في المنطقة العربية مقارنة بباقي الدول العربية التي تستحم في مستنقع الإرهاب والإستبداد والتسلط والقهر. كما يسعى دعاة هذا التعبير إلى تبييض الوجه الأسود للصهيونية ومحاولة إيجاد مسوغات لتبرير جرائم كيانها العنصري في حق الأرض والإنسان في فلسطين ولبنان وسوريا وفي بلدان أخرى كانت مسرحا لجرائم اغتياله في حق رجال مقاومة.. هذا التعبير آخذ في الانتظام في إطار شبكات جمعوية، يتولاها بعض نشطاء الحركة الأمازيغية، وهو تعبير تحريفي تزييفي للتاريخ، تتحصن أبواقه الدعائية، بالدين والهوية لنفت سمومها في المجتمع. هذا التعبير يسعى إلى تشكيل لوبي ضاغط، لتبييض صورة الجلاد الصهيوني، وحماية مصالحه المتعددة في المغرب. بعض أصوات هذا التعبير، تروج في الصحافة لعدد من المقولات الدعائية للكيان الإسرائيلي، وتسعى بكل الطرق إلى تبرير أهمية التطبيع معه في مواجهة الأصوات الداعية إلى تجريم التطبيع. ومع بروز مشروع قانون منع وتجريم التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، بدأت بعض الصحف-لاعتبارات خاصة ربما ببعض أطرافها- تروج لهذا التعبير، الذي يلقى مقاومة من داخل المكون الأمازيغي ذي الإمتداد الوطني والقومي ومن طرف التيار القومي العروبي والتيارات الإسلاماوية 4 التعبير الفرونكوفوني الذي يتمتع بنفوذ قوي وكبير جدا في الدولة.هذا التعبير منظم في إطار مقاولات، وجمعيات مدنية، وأحزاب، وشبكات مصالح. من وظائف هذا التعبير، تسويق صورة فرنسا والدفاع على مصالحها الحيوية والإستراتيجية وتعزيز لغتها في مؤسسات الدولة الرسمية وفي المجتمع من خلال مشاريع متنوعة في مجال التعليم تستهدف الهوية واللغة الوطنيتين. يستشف من خلال جردنا لهذه التعبيرات، التي تتصارع اليوم بشكل مكشوف، في الندوات، وعلى صفحات الجرائد الوطنية، وفي المواقع الإلكترونية، وفي شاشات التلفزيون الرسمي للملكة، بأن المغرب تحول إلى ساحة تتصارع فيها كل التيارات الفكرية والعقدية والإديلوجية والإنتهازية القادمة من الخارج. في حين، أن النزعة الوطنية التي ميزت الفعل النضالي للنخبة والأحزاب الوطنية المغربية خلال عقود من الزمن، أصبح من الصعب جدا إيجاد امتدادها في التربة المغربية، التي تسربت إليها بدور فكرية وعقدية واديلوجية دخيلة، جعلتها مهددة بالتصحر الوطني، بحكم عوامل التعرية القادمة إلينا من الآخر الذي تكالب علينا كما تتكالب الذئاب الجائعة على فريستها. لا عيب في أن يكون المغرب نموذج لتعايش الأديان وتلاقح الأفكار، ولا عيب أن يكون المغرب نموذج للإنفتاح والتسامح، ومنتدى عالمي لحوار الحضارات والثقافات... لكن، أن يتحول الوطن بين عشية وضحاها، إلى مشتل لصناعة التطرف والإرهاب "لا". أن يتحول الوطن إلى بقرة حلوب ومختبر للتجارب لدوي المصالح " لا" . أن يتحول البلد إلى مركز لتبييض جرائم السفاحين أيا كانت ملتهم ودياناتهم "لا". من يروجوا في المغرب، لفكر القاعدة، أو لفكر جماعة الإخوان المسلمين، أو للفكر الشيعي، أو للبهائية، أو للتنصير، أو للفكر الصهيوني، عليهم أن يتقوا الله جميعا في هذا الوطن الذي تميز تاريخيا بوسطيته واعتداله في التدين...ومن يرضون لأنفسهم أن يكونوا أبواقا للمستعمر، وعملاء للصهيونية، ولأنظمة الفساد والإستبداد والإجرام والقتل، في الخليج أو المشرق، مقابل دراهم معدودة، أو مصالح فئوية ضيقة...عليهم أن يعلموا بأن مصيرهم هو مزبلة التاريخ من يدعي الجهاد في سوريا من أجل نصرة أخيه المسلم وحمايته من بطش بشار الأسد، ادعائه خاطئ، وعليه أن يعلم، بأنه ألعوبة في أيادي المخابرات الدولية، تخوض من خلاله حربا بالوكالة ضد نظام فاسد وشعب لا ذنب له، بحسابات استخباراتية لا مجال للإنسانية ولا للدين فيها...ونفس الأمر ينطبق على مبيضي جرائم السفاح بشار الأسد تحت عناوين ومسميات سنتطرق لها في مقال لاحق..