إذا كان العاطلون في المغرب يُعانون في سبيل الحصول على عمل، فإنّ وضعيّة العمّال في المقابل تتميّز بالهشاشة، وعدم الاستقرار، كما أنّهم لا يتمتّعون بالحماية اللازمة، رغم إقرار مدوّنة الشغل؛ هذا جزء من الخلاصات التي خرج بها المشاركون في اللقاء الدراسي الذي نظّمته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على مدى يومين في الرباط، وشارك فيه عدد من ممثلي الهيئات النقابية والحقوقية، والمكتب الدولي للشغل، والوكالة الاسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية. ويأتي تنظيم اللقاء الدراسي حول الحقوق الشّغليّة، حسب خديجة عناني، عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في إطار اهتمام الجمعية بحقوق العمّال، وذلك من منطلق عمل الجمعية على ملامسة جميع حقوق الإنسان، الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعمّالية والبيئية، ببُعدها الكونيّ والشمولي؛ وأضافت أنّ اللقاء الدراسي يأتي في ظلّ تواتر الهجوم الذي تتعرّض له حقوق العمّال، من خلال انتهاك الحق في التظاهر والاحتجاج السّلميّ. وانتقدت عناني مشروع قانون المالية للسنة القادمة، الذي أعدّته الحكومة، قائلة إنّه بمثابة استمرار للنهج الذي سلكته الدولة منذ مدة، والذي يرمي إلى الإجهاز على حقوق العمال، لكونه قلّص مناصب الشغل، وهو ما سيفضي إلى ارتفاع البطالة في صفوف الشباب وخرّيجي الجامعات والمعاهد، وأضافت أنّ هناك تدهورا خطرا على مستوى الحقوق النقابية وذلك بتواطؤ بين السلطات والمشغّلين، الذين يطالُ التهديد بالطرد من العمل المنخرطين منهم في العمل النقابي. من جهته قال رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أحمد الهايج، إنّ عمل الجمعية تميز دائما بالاهتمام المتزايد بحقوق العمال منذ مؤتمريها الثالث والرابع، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث كانت الجامعة الصيفية حول حقوق العمال سنة 1996، منطلقا لهذا الاهتمام؛ غير أنه استدرك أنّ التراجعات الكبيرة في مجال الحريات التي عرفها المغرب في مجال الحرّيات، أدّى إلى نوع من عدم التوازن بين حقوق العمّال ومختلف أصناف الحقوق. وأوضح الهايج أنّ الجمعية قامت بعمل كبير في مجال الحقوق العمالية، غير أنه يبقى عملا غير مكتمل وتشوبه كثير من النواقص، ما دام أنه لم يسفر عن تحقيق الأهداف الكبرى المرجوّة، ومنها تشكيل إطار الشبكة المغربية للحقوق الاقتصادية والثقافية والبيئية، والتي ما زالت لجنة تعمل على تشكيلها. وشدّد الهايج على أنّ هناك تهديدات كبيرة ترزح تحتها مجمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والحق في التنمية المستدامة، وعلى رأسها الحق في العمل والحقوق الشغلية، سيَما في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، حيث يجري تمرير عدد من الإجراءت، يضيف المتحدّث، مثل إجراءات التقشف، وتحرير الأسعار، والتقليص التدريجي لدعم صندوق المقاصة، والإجهاز على الخدمات الاجتماعية، وتفكيك القطاعات العمومية وخوصصتها، وفي المقابل يتمّ تشجيع سياسة الريع والإفلات من العقاب، مضيفا أنّ هذا الوضع يجعل الإطارات الحقوقية والنقابية في موقف دفاع أكثر مما هي في موقع يسمح لها بانتزاع مكتسبات جديدة، "وهو ما يفرض فتح نقاش واسع لتدارس التحديات والمخاطر المهددة لاستقرار ونماء الشغل بالمغرب". وفي تصريح لهسبريس، قال الهايج إنّ حقوق العمّال في المغرب تتعرّض لانتهاك مستمر، خصوصا في القطاعات غير المهيكلة، خصوصا في ظلّ عدم التقيّد بأحكام قانون مدوّنة الشغل، كتحديد ساعات العمل، والأجر القانوني والعطل، "نظرا لكون الدولة غير قادرة على فرض تطبيق المدونة على جميع مؤسسات الإنتاجية". وأضاف أنّ بعض المخطّطات الحكومية الرامية إلى تحفيز المقاولات على الالتزام بتنفيذ واحترام أحكام قانون الشغل، نسبة نجاحها لم تكن مشجّعة، وهو ما يجعل العمال والعاملات، خصوصا في القطاعات الهشّة، مثل النسيج والفلاحة والبناء، وحتى في بعض المؤسسات الانتاجية الكبرى، تحت رحمة الشروط القاسية للعمل ومزاج المشغّلين. في السياق ذاته قال الناشط النقابي عبد الله الفنانسة، إنّ النضال من أجل الحق في الشغل لم يعد مقتصرا على طالب الشغل فقط، بل حتى العمّال، نظرا للتهديدات التي تلاحقهم كل يوم بالطرد من العمل، وأضاف أنّ العمل يعتبر ركيزة من ركائز المجتمع الديمقراطي، على اعتبار أن العامل يساهم في إنتاج الثروة، وبالتالي يستفيد من توزيعها، ويقدم خدمات للمجتمع، كما أنّ عددا من الحقوق مرتبطة بالعمل، مثل الحق في التقاعد. وانتقد الفنانسة عدم إحاطة الحقّ في الشغل بضمانات دستورية وقانونية قويّة، وقال إنّ دستور 2011 لا ينصّ على أنّ الدولة تضمن حقّ الشغل للمواطن، بل تعمل فقط على تيسير استفادة المواطن من الشغل، وهذا معناه أنّ هناط طرفا آخر هو المكلف بالتشغيل، بينما تنحصر مهمّة الدولة في تيسير الاستفادة فقط، وهذا ما يتنافى مع المواثيق الدولية التي وقع عليها المغرب، والتي تنصّ على أنّ الدولة هي التي تتعهّد بضمان حق الشغل للمواطنين". واعتبر الناشط النقابي أنّ قانون المالية للسنة القادمة سيكون "كارثة"، وشرح ذلك على أنّ الحكومة لم تعمد إلى تقليص عدد مناصب الشغل فحسب، بل خفّضت، لأول مرة، عدد مناصب الشغل التابعة لوزارة التشغيل بنسبة 61 في المائة، مع التنصيص على عدم تعويض الموظفين المحالين على التقاعد، وأضاف "في هذه الحالة، لن يتمّ تعويض مفتشي الشغل الذين سيحالون على التقاعد، وهذا ضرب لحقوق العمّال". من جهته قال الناشط النقابي عبد المجيد العموري، إنّ المغرب يشهد "تدميرا ممنهجا للحقّ في الشغل، يتحرك على رؤية مبنيّة على حماية مداخيل الرأسمال، وتفكيك مداخيل العمّال، وذلك من خلال استراتيجة تهدف إلى تحميل تكلفة الأزمة الاقتصادية للطبقة العاملة، وعمود الشعب". وأضاف العموري أنّ الدولة تسعى لتحقيق الأرباح وتوفير عمَالة بأقلّ ما يمكن من الحقوق وبأقلّ تكلفة ممكنة، وهو ما يؤدّي إلى تدهور وضعية العمّال، في مقابل النموّ الفلكي للرأسمال، وذلك في إطار نموذج عالميّ يتنافس فيه الأغنياء على استغلال الفقراء؛ وانتقد ما أسماه سعي الحكومة إلى تحويل الحوار الاجتماعي مع النقابات العمالية "من وظيفة تفاوضية لتحقيق مزيد من المكتسبات لفائدة الشغّيلة إلى وظيفة تشاورية". وربط العموري بين تراجع حقوق العمال، ومُجمل الحقوق، إلى استمرار "الاستبداد السياسي والفساد الاقتصادي والاستفراد بنصاعة القرار من طرف السلطة المركزية في ظلّ تغييب المجتمع عن المشاركة في صناعة القرار"، وقال "العهد القديم ما يزال مستمرّا في كنف العهد الجديد، فإذا كان النظام القديم تميّز بالافتراس السياسي، فإنّ العهد الجديد يتميّز بالافتراس الاقتصادي، وهذا يشكّل تهديدا للنموذج الديمقراطي الذي نطمح إليه". في المقابل، قالت ممثلة الوكالة الاسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية، الدّاعمة لليوم الدراسي الذي نظمته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، كريستينا غوثيريز، أن دعم الوكالة الاسبانية للمجتمع المدني المغربي، يأتي انطلاقا من منطلق أنّ منظمات المجتمع المدني تعبر رقما رئيسيا في بناء مجتمعات أكثر ديمقراطية، وأضافت أن الوكالة الاسبانية للتعاون الدولي أطلقت مشروع "مسار"، الذي يهدف إلى تقوية حضور المجتمع المدني كفاعل أساسي في النضال من إقرار الديمقراطية.