علمت هسبريس من مصادر مطلعة أن الملك محمد السادس أعفى، بصفته رئيسا للمجلس العلمي الأعلى، ما يخول له سلطة التعيين والإعفاء، سبعة رؤساء مجالس علمية محلية، لأسباب لم يتم الإفصاح عنها بعد، وهم رؤساء المجالس العلمية المحلية لكل من: الخميسات، وخريبكة، والراشيدية، وإفران، وسيدي سليمان، وزاكورة، والدريوش. ويأتي إعفاء رؤساء المجالس العلمية لعوامل مختلفة، لعل من بينها "سوء التسيير وضعف الأداء، فضلا عن العلاقة المتوترة مع الساكنة"، مثل حالة حدو بناصر مزيان، رئيس المجلس العلمي المحلي للخميسات، أو بسبب "الفشل في طريقة تدبير الزوايا الصوفية"، وهي حالة الحبيب الناصري رئيس المجلس العلمي لخريبكة، حيث طفا صراع حول الزاوية الناصرية أفضى إلى نزاعات في المنطقة، أو بسبب "أخطاء في التدبير المالي للمجلس، مثل حالة المجلس العلمي للدريوش الذي يترأسه عمر البستاوي.. وفيما لم يتم الكشف رسميا عن عدد رؤساء المجالس العلمية الذين تم إعفاؤهم من مهامهم، ولا عن حيثيات وخلفيات هذا الإعفاء، تضاربت الأخبار في الفترة الأخيرة بخصوص عدد رؤساء المجالس العلمية الذين تم إعفاؤهم من طرف الملك، بين من يؤكد أن عددهم بلغ 13 رئيسا، ومن يروج بأن عددهم أكثر أو أقل من ذلك. ويأتي إعفاء المجلس العلمي الأعلى لرؤساء المجالس المحلية السبعة، أياما قليلة قبل عقد المجلس لدورته العادية السابعة عشرة يومي 13 و 14 دجنبر الجاري بمدينة فاس، حيث من المرتقب أن يترأسها الكاتب العام للمجلس، الدكتور محمد يسف، إلى جانب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق. ويُذكر أن المجلس العلمي الأعلى يرأسه الملك محمد السادس، ويضم في عضويته سبعة وأربعين عضوا، وهم: وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وبعض كبار العلماء يعينون بصفة شخصية من لدن الملك، وعددهم خمسة عشر، ثم الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى، ورؤساء المجالس العلمية، وعددهم ثلاثون شخصا. الكنبوري: "الربيع العربي" فضح قصور المجالس العلمية وتعليقا على هذا الموضوع، قال الكاتب والباحث المتخصص في الشأن الديني، إدريس الكنبوري، إن أسباب إعفاء رؤساء المجالس العلمية المحلية متعددة، إذ هناك من طلب إعفاءه وتقدم بطلب الاستقالة منذ مدة لأسباب خاصة به، وهناك من تم إعفاؤهم في إطار عملية تأديب داخلية، بسبب عدم التفعيل الأنسب لميثاق العلماء، أو عدم مواكبة التوجيهات الداخلية للمجلس العلمي الأعلى، للرفع من المردودية". وأفاد الكنبوري، في حديث مع هسبريس، أن "هذه الحركة الأخيرة تندرج في سياق عملية تقييم لمسار تجربة المجالس العلمية خلال السنتين الأخيرتين بالخصوص، وفي إطار رؤية جديدة لعمل هذه المجالس بسبب التعثرات الكثيرة التي لحقت أداءها خلال الفترة الماضية". ولفت المحلل ذاته إلى أنه "لو رجعنا إلى الوراء قليلا، للاحظنا كيف أن هذه المجالس العلمية كانت غائبة عن التحولات الكبرى التي مرت بها المملكة خلال مرحلة الربيع العربي، حيث لم نسمع للمجلس العلمي موقفا إلا أثناء النقاش الذي واكب الدستور الجديد". وحتى في هذا الموقف، يضيف الكنبوري، كان "المجلس يتوجه إلى طرفين: الدولة والنخبة السياسية، في حين لم نجد له حضورا فاعلا وسط الرأي العام، باعتبار هذا المجلس ركيزة أساسية في التأطير الديني بالمغرب، فكان هناك فراغ في الخطاب الديني في تلك المرحلة، ملأته الجماعات الإسلامية". وتابع الباحث بأن "أحداث الربيع العربي كشفت أن هناك فجوة بين الخطاب الديني وبين الواقع الاجتماعي والسياسي بالمغرب"، معزيا ذلك إلى أن "ما يسمى بإعادة هيكلة الحقل الديني ركز بشكل خاص على الوسائل والآليات فقط، مثل تكوين الأئمة والمرشدين وغير ذلك، لكنه أغفل مضمون الخطاب الديني الذي بقي خطابا تقليديا غير مواكب لمستجدات الأوضاع الاجتماعية والثقافية والإعلامية والأسرية في البلاد". وسجل الكنبوري ملاحظة مفادها أن عبارة "الهيكلة" كلمة غير دقيقة في تسمية المسار الديني الذي أراد المغرب السير فيه منذ عام 2004، لأن الهيكلة توحي بأن الأمر يتعلق بمجرد أوضاع هيكلية داخل المؤسسات، أي بالمظهر الخارجي"، قبل أن يتساءل الباحث: لماذا "إعادة هيكلة الحقل الديني" وليس "إعادة صياغة الخطاب الديني"، وهل الأمر يتعلق بتخوف من مواجهة الخطاب الديني التقليدي السائد؟". نواقص الإعلام الديني للمجالس العلمية وليست مشكلة الفجوة الحاصلة بين الخطاب الديني وبين الواقع الاجتماعي والسياسي بالمغرب، هي وحدها ما يعرقل أداء المجالس العلمية لوظائفها الدينية كما ينبغي، فهناك أيضا مسألة الإعلام الديني بالنسبة للمجلس العلمي الأعلى والمجالس التابعة له"، وفق تحليل الكنبوري. وانتقد الباحث ذاته "كيف يتم الحديث عن تطبيق إستراتيجية لإعادة الهيكلة للمجال الديني بالمغرب، دون أن تكون مرفوقة بإستراتيجية إعلامية للتبليغ"، مسجلا ما اعتبره "غيابا فادحا للإعلام الديني عن مواكبة إرساء هاته الإستراتيجية. وزاد الكنبوري بأن هذا الغياب الإعلامي دليل آخر على غياب الرؤية لدى المسؤولين عن تدبير الملف الديني، لأن الأمر لا يتعلق بالجانب المالي، نظرا لحجم الإنفاق الذي خصص لإعادة هيكلة الحقل الديني منذ انطلاقه، بل يتعلق فقط بغياب الرؤية". واسترسل المتحدث بأن المبادرات التي تقوم بها وزارة الأوقاف، أو المجلس العلمي، مثل مجلتي "دعوة الحق" و"المجلس" هي مبادرات متقطعة من حيث الصدور، وتفتقر إلى العمق في طرح القضايا الدينية، بسبب عدم وجود الخبرات المختصة والأطر الإعلامية، ولا تزال غارقة في المعالجة التقليدية للمواضيع، بل إن "دعوة الحق" قبل ثلاثين عاما كانت أكثر عمقا وأكثر قربا من"دعوة الحق" التي تصدر اليوم" على حد قول الكنبوري.