لقد أصبح المجتمع المدني اليوم في المغرب ذو مكانة مركزية ودور حيوي في سياق الحديث عن المسؤولية المشتركة والواجب الجماعي اتجاه قضية التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان. كما أن التنمية الاجتماعية تعد من أكبر القضايا التي تحظى بأهمية بالغة في النقاش العمومي الوطني وفي السياسات العمومية الوطنية التي تهدف إلى النهوض بالمجتمع اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا. كل هذا يدفعنا باستمرار إلى التفكير المتواصل لتطوير آليات التدخل وتدابير التنمية الاجتماعية قصد تحقيق أكبر قدر من الجودة والنجاعة في البرامج التنموية المعتمدة من قبل المؤسسات التي تعنى بالقطب الاجتماعي. وتعتبر الحكامة في هذا السياق قضية استراتيجية في سياق تطوير أداء الفاعلين والمؤسسات التي تعنى بالتنمية الاجتماعية والرفع من جودتها. وفي هذا السياق يأتي الحديث عن مفهوم مركزي وهو حكامة البرامج الاجتماعية سواء في بعدها العمودي من خلال تفعيل آليات الرقابة والمحاسبة والتتبع، تحقيقا لأكبر قدر من المسئولية والشفافية في إدارة وتدبير خطط وبرامج التنمية الاجتماعية، أو في بعدها الأفقي عبر تحكيم البرامج التنموية المحلية والوطنية في سياقاتها الجمالية بما يفضي إلى استيعاب الحاجيات الحقيقية للمجتمع المحلي وخصوصياته سواء أكانت خصوصيات مجالية أو اقتصادية أو ثقافية، كل هذا قصد تحقيق الديمقراطية في تنزيل البرامج التنموية الاجتماعية وحرصا على جودة المخططات واثارها على أرض الواقع. إن مقتضيات تحكيم مدخلات التنمية الاجتماعية في مختلف مستوياتها، سواء على مستوى الفاعلين ومن بينهم المجتمع المدني، أو على مستوى المخططات والبرامج، أو على مستوى الفئات المستهدفة بتشخيص واقعها وتقييم حاجاتها الحقيقية، تنعكس بالضرورة على جودة التنمية واثارها الناجعة والمستدامة. إذن فالعلاقة التي تربط اليوم بين الحكامة والمجتمع المدني والتنمية الاجتماعية هي علاقة جدلية يحكمها منطق التأثير والتأثر. فالمجتمع المدني باعتباره صلب الديمقراطية التشاركية، كونه البنية الوسيطة بين الدولة ومؤسساتها وبرامجها وسياساتها العمومية وبين الأفراد والجماعات المحلية باحتياجاتهم ومشاكلهم وتطلعاتهم المستقبلية، يدخل ضمن استراتيجية مزدوجة، طرفها الأول هو تحقيق الحكامة الداخلية ومأسسة الشفافية والديمقراطية في بنياته ومؤسساته من أجل تحسين أدائه وتوفير أجواء مناسبة للإبداع والمبادرة والاقتراح، باعتبارها من أهم مقومات هوية المجتمع المدني. وطرفها الثاني هو تحكيم مخططات الدولة وبرامجها الاجتماعية عبر تفعيل دور الرقابة على اعتبار أنه من مقتضيات الديمقراطية التشاركية هو تفعيل المجتمع المدني كقوة اقتراحية بل والترافع أمام مؤسسات الدولة لصالح قضايا المجتمع، ومنها التنمية الاجتماعية وترتيب أولوياتها بما يخدم الرفع من مردودية الفعل الاجتماعي بشكل عام، خاصة وأن الإمكانات التي أصبحت متاحة مع الدستور الجديد أمام المجتمع المدني، للترافع لصالح المجتمع وقضاياه الاستراتيجية، تقوي الدور الرقابي لهيئات المجتمع المدني وتوسع من دائرة تأثيره. كما نجد أيضا التنصيص الدستوري على ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة كمقتضى أساسي من مقتضيات الحكامة الجيدة. هكذا تتضح لنا مركزية الحكامة كمفهوم ناظم بين المجتمع المدني والتنمية الاجتماعية في سياق تقوية قدرات الفاعل المدني وترشيد موارد الدولة واستثمارها بشكل أفضل لتقوية قدرات المجتمع المحلي، وإرساء دعائم التنمية الاجتماعية المندمجة والمستدامة، على اعتبار أن الحديث عن الحكامة هو حديث عن المسؤولية والشفافية والديمقراطية والجودة، والحديث عن المجتمع المدني هو حديث عن القرب من المواطنين والرقابة والاقتراح والمبادرة والديمقراطية التشاركية، والحديث عن التنمية الاجتماعية هو حديث عن الذكاء المجالي واستحضار المقاربات التكاملية والمندمجة لتقوية قدرات المجتمع المحلي ومحاصرة الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي واستدامة التنمية في أبعادها الشاملة. *باحث في الديناميات الاجتماعية والتنمية المحلية