انتهت جعجعة المؤتمر "الأبدي" لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بتولي الشيخ )إنه رجل تخطى العقد السابع من عمره بسنوات) عبد الواحد الراضي، منصب الكاتب الأول للحزب.وعلينا أن نتذكر بأن ذلك لم يكن سهلا على الإطلاق، منذ اضطرار الكاتب الأول السابق محمد اليازغي، إلى ترك "الجمل وما حمل" عقب الضجة التي أُثارها ضده أعضاء المكتب السياسي، ممن خرجوا "بلا حمص" من وزيعة التوزير في حكومة عباس الفاسي، قبل أزيد من سنة.. منذئذ لم تضع حرب الكواليس، بضرباتها الموجهة للخصوم تحت وما فوق الحزام، أوزارها، وتكثفت اجتماعات المكتب السياسي للحزب، ومجلسه الوطني، ولجنته المركزية، لتنفض دون الرسو على "شيخ" القبيلة الحزبية، الذي سيقودها بعدما "مات الحوت" لليازغي.ووصل عدم الاتفاق بين المجتمعين، ضمن الهيئات المذكورة لحزب الوردة الذابلة، إلى حد خُلوص بعض أصحاب التحليلات المُتسرعة، إلى القول بالنهاية الإكلينيكية لحزب عبد الرحيم بوعبيد واليازغي (ذلك أن تسمية حزب المهدي وعمر لم تعد صالحة منذ زمااااااان) فالذين كلفوا أنفسهم عناء الاطلاع على البنية التنظيمية التراتبية للحزب المذكور، يعرفون أنه من الصعب جدا أن ينقرض حزب سلخ كل زمن و"تجارب" الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، سيما في مجتمع مُحافظ، وهذه نقطة تحتاج إلى نقاش عميق، بين العارفين بالبنية التضاريسية للحزب المذكور، لا نهبا ل "تحليلات" الهواة الطارئين. "" استمرت إذن خلافات أعيان المخزن في حزب الاتحاد الاشتراكي، وكان من المُثير للسخرية حقا، أن ينبري بعض عتاتهم للإنخراط في مُزايدات سياسية رعناء، حيث تخلى وزراء سابقون في حكومتي عبد الرحمان اليوسفي وإدريس جطو، منهم فتح الله ولعلو والحبيب المالكي، عن "رصانتهم" وانطلقوا في إطلاق شعارات جديرة بنعت "المراهقة السياسية" إذ لم يتورع المالكي المُلقب ب "ولد القايد" عن تقديم وعد إخراج الحزب من حكومة عباس في حالة توليه منصب الكاتب الأول، أما والعلو، فأكثر من التطواف عبر المدن التي يوجد فيها ثقل تنظيمي للحزب، وانغمر في إعداد، وإلقاء، خطب وشعارات أقرب إلى زمن المعارضة البعيدة، وأنأى عن السيرة الحكومية اليمينية، التي غرق فيها الحزب حتى الأذقان، و "نشطت" حركة الكولسة التي يُتقنها أشبال عبد الرحيم بوعبيد واليازغي، ليتبين بعدما "وقفت البيضة في الطاس" أن هذا الأخير - أي اليازغي - ترك بالرغم من كل عِلاته، فراغا تنظيميا مُهولا، جعل الاتحاديين والاتحاديات، أشبه بالأيتام في عراء المشهد السياسي والحزبي المغربي، وبردت حينها الأمزجة المُحتدة، ووصل الأمر إلى ربط أعتى مُعارضيه، الذين انقلبوا عليه في المكتب السياسي، شأن والعلو، الاتصال به في محاولة لإنقاذ الهيكل التنظيمي للحزب من الانهيار، فكانت "الترتيبات" التي أدت إلى انعقاد جلسة المؤتمر الأخيرة، التي أتت برجل المخزن بامتياز ووزير العدل الحالي، عبد "الواخذ" الراضي. فماذا حدث لتؤول جعجعة الاتحاديين إلى هذه النتيجة، التي كانت سهلة منذ البداية؟ فالراضي كان يشغل مهمة الكاتب الأول بالنيابة، على عهد قيادة اليازغي، وبالتالي كان "سهلا" أن يُسلمه هذا الأخير الحزب "حسي مسي" كما فعل عبد عبد الرحيم بوعبيد حين تأكد أن نهايته البيولوجية وشيكة. ما حدث في اعتقاد كاتب هذه السطور، أن اليازغي يفتقد "ميزة" السلطوية الأبوية التي بذونها لا يستطيع أي قائد "سياقة" القطيع المغربي. وهو ما انتبه إليه بسهولة "رفاقه" في القيادة الحزبية، سيما حينما لم يستطع "فرض" خياراته التي جعلت منه وزيرا بدون حقيبة في حكومة عباس، وتولي الحزب بِضع وزارات لا تنسجم و "مكانة الحزب الرمزية" في الحياة السياسية المغربية، كما يدعي البراغماتيو الاتحاديون. وتبين أن اليازغي "مات" تنظيميا في جلد الرجل الثاني "الأبدي" في الحزب، لأنه أتقن دوره ككاتب أول بالنيابة، خلف عبد الرحيم بوعبيد لعقود طويلة، ثم جاء فيما بعد عبد الرحمان اليوسفي، ل "يدفنه" في الدور المذكور، ومن ثم كانت نهايته التي لم تتأكد بالملموس، سوى عقب نشوب "مشكلة" التوزير في حكومة عباس. وعبثا حاول بعض مُعدي أوراق المؤتمر الأخير، إثارة "مشكلة" الإصلاح الدستوري و مطلب" الملكية البرلمانية، التلويح ب "سلاح" الخروج من حكومة عباس، إذ انتهت الجعجعة المُثارة حول هاتين النقطتين، إلى "تهدئة" سوق المُزايدات، من طرف براغماتيي الحزب "المطلوقة" أعين طمعهم، إلى "تعديل حكومي وشيك" يُعيد مُؤخراتهم إلى الكراسي الحكومية الوثيرة، ولسان حالهم يُردد: "وما ذلك على السدة العالية بالله بعزيز". إن الذين اعتقدوا في صحة هذه "المُزايدات" السياسية، إبان المؤتمر الأخير "المُرتب" لحزب "أعيان المخزن المُتحدين غير الاشتراكيين" كانوا واهمين، كما تبين لهم الآن، ذلك أن مصير حزب الاتحاد كان قد "لُعب" منذ نحو أربعة عقود من الزمن، حينما اختار قادته ، الانخراط رسميا، فيما سماه الحسن الثاني ب "المسلسل الديموقراطي".. حيث كان الخلاف، وليس الاختلاف (فشتان بين الوضعين) قد احتد بين جماعة الطامحين إلى تغيير نظام الحكم الملكي بالقوة، وعلى رأسهم الفقيه البصري وعباس بودرقة وغيرهما، ممن لُقبوا بالبلانكيين، من جهة، والذين "فهموا" أن مُقارعة الحسن الثاني سلاحا بسلاح، غير واقعية إن لم نقل مستحيلة، وبالتالي عمل هؤلاء الأخيرون في مؤتمر الحزب المُنعقد سنة 1975 على "عزل" الفقيه البصري ومشايعيه، بل وصل الأمر إلى حد التنكر لجماعة عمر دهكون ومحمد بنونة ، التي خاضت معركة مسلحة ضد الحسن الثاني في مولاي بوعزة يوم ثاني مارس سنة 1973. حسم عبد الرحيم بوعبيد ومحمد اليازغي حينها في أمر هؤلاء وأولائك، وأبرموا اتفاقا سريا/علنيا مع الحسن الثاني يقضي "بحسن الجوار" في المشهد السياسي المغربي. ومنذ ذلك الحين توالت "معارك" الحسم مع الخارجين على السلطة الحزبية الأبوية لبوعبيد واليازغي، مرورا بطرد عبد الرحمان بنعمر واحمد بنجلون من الحزب في بداية الثمانينيات، حيث وصل الأمر حينها إلى حد مناداة بوعبيد وصحبه على البوليس لطرد "الرفاق المناوئين" بل والزج بهم في السجن. وصولا إلى معارك المؤتمرين الخامس والسادس، حيث نابت "الزراويط" والسكاكين عن الأوراق المُعدة للمؤتمر، فكان الطلاق بين ورثة بوعبيد في طريق "المسلسل الديمقراطي" ونقابة الكونفيديرالية للشغل وجمعية الوفاء للديموقراطية وجماعة عبد الكريم بنعتيق، ليؤسس هؤلاء وأولائك نقابات وأحزاب وجمعيات أخرى، مقتسمين مع الحزب الأم "المناضلين والمناضلات". وتربع اليازغي على عرش الاتحاد، او بالأحرى ما تبقى منه، وهو للإشارة "كَم" لا بأس به بالنظر إلى التجذر التنظيمي للحزب. لتكون الغلبة من هذا المعيار، للذين عرفوا كيف يحولوا حزب الوردة الذابلة، من وجهة تغيير النظام الملكي "الرجعي اللاشعبي واللاديموقراطي" كما دأب الاتحاديون والاتحاديات على الترديد ردحا طويلا من الزمن، إلى كيان حزبي حكومي، متوغل في الكولسة المخزنية، عقب أية "وزيعة" وزارية، للظفر بوزرات ومناصب، ترفع كوادر الحزب من مستوى البرجوازية الصغرى إلى الكبرى. وانتهى المطاف بالممسكين بمصير الحزب، إلى إنتاج ذات "السلبيات" المخزنية التي طالما نددوا بها وحاربوها خلال فترة "المراهقة" العُمرية والسياسية، وما "انتخاب" الشيخ عبد "الواخذ" الراضي كاتبا أول إلا تكريسا لهذا المسار التنظيمي المخزني المديد لحزب "أعيان المخزن المُتحدين غير الاشتراكيين".