في رسالته التي بعث بها إلى الرأي العام الوطني يوم 27 نونبر من داخل زنزانته رقم 17 بالسجن المدني لمدينة طنجة ، لكشف ظروف وملابسات اعتقاله من مكان مزاولته لنشاطه المعيشي كبائع للسجائر بالتقسيط، يوم الأربعاء 20 نونبر، قال الناشط في حركة 20 فبراير، سعيد الزياني، الذي يوجد رهن الإعتقال في انتظار محاكمته قضائيا بعد حصر التهم الموجهة إليه من طرف السلطة القضائية المختصة: "باغتوني وصفدوا يداي وعنفوني بالشارع العام وأرغموني على مصاحبتهم إلى غرفتي التي أسكن فيها على سبيل الإيجار الواقعة بسطح أحد المنازل بنفس الحي "بلاصاطورو"، حيث قاموا بتفتيش الغرفة والعبث بحاجياتي البسيطة وتكسير أغراضي دون أن يجدوا شيئا مما كانوا يتصورون وجوده غير بعض لافتات حركة 20 فبراير ورايتين… وفي طريقهم بي إلى كوميسارية العوامة تلقيت مجموعة من اللكمات والتعنيف الجسدي واللفظي من طرفهم...وفي الدائرة الأمنية العوامة تم احتجازي لمدة 48 ساعة ومنعوني من الإتصال بأختي وبالمحامي أو بأحد رفاقي رغم إلحاحي في الطلب… وكلما طلبت الإتصال تلقيت السب واللكمات ووابل من الألفاظ النابية...وفي قبو المحكمة تعرضت كذلك للضرب والسب من طرف أحد حراس الأمن المكلفين بالسجناء مازالت آثاره على جسمي لحد الآن". مضامين رسالة الناشط الفبرايري، سعيد الزياني، تطرح أكثر من إشكال إذا قرأناها من الزاويتين الحقوقية والقانونية. كما أنها تسمح للفاعل الحقوقي بطرح علامة استفهام كبرى حول علاقة الأمن بحقوق الإنسان في المغرب؟ عنصر المباغتة في الإعتقال، الذي أشار إليه المعتقل الفبرايري سعيد الزياني، في رسالته التي تشرح ظروف وملابسات اعتقاله وايداعه بالسجن المدني في طنجة، لا يطرح أي إشكال، من الناحتين القانونية والحقوقية، لاسيما، إذا كان هذا الفعل " الإعتقال"، خاليا من التعسف والشطط ، ولا يعتريه أي إخلال بحقوق الشخص المعتقل التي يصونها القانون والدستوري والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. لكن، الجانب الذي يفرض علينا التوقف عنده لاعتبارات دستورية وقانونية، يتعلق بما جاء في رسالة الناشط العشريني، سعيد الزياني، من معطيات تفيد تعنيفه جسديا، وسبه بألفاظ وعبارات نابية، وبتكسير حاجياته والعبث بأغراضه الشخصية أثناء تفتش محل سكنه من قبل رجال الشرطة، وحرمانه من الإتصال بأقربائه وأخته، ومنعه من التواصل مع محاميه... بغض النظر عن صحة الإتهامات، التي وجهها الناشط العشريني سعيد الزياني للجهة التي اعتقلته، أو عدم صحتها، فإن الباب الثاني من دستور فاتح يوليوز 2011، تضمن عدة مقتضيات لصيانة وحماية الحريات والحقوق الأساسية يمكن اختصار أهمها، لكل غاية مفيدة، في ما يلي : • لايجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة، • لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية، • ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون، • لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته،إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون • الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات. • يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت، ويحق له الاستفادة، في أقرب وقت ممكن، من مساعدة قانونية، ومن إمكانية الاتصال بأقربائه، طبقا للقانون. • قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان إذا كان مطلوبا من كل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، احترام حقوق الإنسان وصونها والدفاع عنها وتوفير الضمانات الكفيلة برعايتها، فإن أجهزة الأمن بكل مستوياتها، مطلوب منها أن تلعب نفس الدور وبدرجة أكبر من الجميع. لماذا؟ المؤسسات الأمنية، بخلاف باقي المؤسسات الأخرى، تقوم بموجب القانون، أو من دونه، بأعمال قسرية، تنطوي على القسوة والشدة. كما أنها تستعمل القوة بشكل مفرط وغير متناسب في بعض الأحيان، ويمكن لها أن تقوم أحيانا أخرى، ببعض الإجراءات الماسة بالحرية الشخصية مثل القبض والتفتيش والاستجواب وانتزاع الاعترافات، ولأن هذه الأجهزة ، تكون في مواجهة مباشرة مع الأفراد، بشكل جماعي، أو بشكل فردى، فإن هذه المواجهة، تفرض على الدولة وعلى أجهزتها الأمنية، احترام حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية، كما ذهب إلى ذلك، القاضي الأردني، محمد الطراونة، في أحد دراساته التي تناولت علاقة الأمن بحقوق الإنسان. تعد الأجهزة الأمنية، من أهم الآليات الوطنية التي يتوجب عليها احترام حقوق الإنسان، خصوصا في هذه الفترة، التي تشهد تنامي ظاهرة التظاهرات والاعتصامات من أجل التغيير والإصلاح... وفي هذا الصد، يقول الدكتور محمد الطراونة في دراسته السالفة الذكر، لقد تنبه المجتمع الدولي إلى أهمية دور الشرطة في حماية حقوق الإنسان. كما أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 34/169 الصادر في 17 ديسمبر1979، يعد المصدر والأساس لذلك، من خلال إقراره مدونة قواعد وسلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، تتضمن مجموعة من المبادئ، التي تحكم عمل الشرطة في مجال حقوق الإنسان، والتي يمكن إيجازها كما فيما يلي : أولا: على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، في جميع الأوقات، تأدية الواجب الذي يلقيه القانون على عاتقهم، وذلك بخدمة المجتمع وبحماية جميع الأشخاص من الأعمال غير القانونية، على نحو يتفق مع علو درجة المسؤولية التي تتطلبها مهنتهم،بحيث لا يجوز اعتقال شخص بدون سند قانوني وبناء على أمر قضائي مسبب، ولا يجوز لها اعتقال أي شخص بدون إتاحة الفرصة له للاتصال بمحاميه على أن يكون مخالفة ذلك تحت طائلة البطلان والملاحقة في حال إذا خالفت الأجهزة الشرطية هذا المبدأ. ثانيا: على الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين، أثناء قيامهم بواجباتهم،احترام الكرامة الإنسانية وصونها، والمحافظة على حقوق الإنسان المحمية بموجب القانون الوطني والدولي ثالثا: لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وفى الحدود اللازمة لأداء واجبهم، بل ينبغي أن يكون استعمال القوة من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أمرا استثنائيا لتفادى وقوع أي انتهاك رابعا: لا يجوز لأي موظف من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يقوم بأي عمل من أعمال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو أن يحرض عليه أو أن يتغاضى عنه، كما لا يجوز لأي من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يتذرع بأوامر عليا أو بظروف استثنائية كحالة الحرب، أو التهديد بالحرب، أو إحاقة الخطر بالأمن القومي، أو تقلقل الاستقرار السياسي الداخلي، أو أية حالة أخري من حالات الطوارئ العامة، لتبرير التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وهذا الحظر مستمد من خامسا: على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين احترام القانون ومدونة السلوك وعليهم أيضا، قدر المستطاع، منع وقوع أي انتهاكات لهما ومواجهة هذه الانتهاكات بكل صرامة. وعلى الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، الذين يتوفر لديهم ما يحملهم على الاعتقاد بوقوع أو وشك وقوع انتهاك لهذه المدونة، إبلاغ الأمر إلى سلطاتهم العليا وكذلك، عند اللزوم، إلى غيرها من السلطات والأجهزة المختصة التي تتمتع بصلاحية المراجعة أو رفع المظالم. بالعودة إلى الإتهامات التي تضمنتها الرسالة التي بعث بها المعتقل الفبرايري سعيد الزياني من زنزانته 17 بالسجن المدني في طنجة، وباستحضار تقارير المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية التي تعرضت إلى سوء معاملة المعتقلين في السجون وفي مخافر الشرطة، وبالنظر أيضا إلى المجهودات التي تقوم بها المؤسسات الأمنية في المغرب، لإصلاح أعطابها، وتكوين مواردها البشرية في المجال الحقوقي في إطار الشراكات التي تجمعها بعدد من المؤسسات الوطنية التي تعنى بقضايا حقوق الإنسان، فإن موضوع الأمن وعلاقته بحقوق الإنسان، ينبغي أن يتحول من إشكال حقوقي في المغرب إلى إنشغال وطني، وهذا لن يتحقق، إلا من خلال تعبئة شاملة ومقاربة تشاركية يساهم فيها الجميع لوضع مدونة سلوك تحدد المبادئ الأساسية التي ينبغي أن تحكم عمل الشرطة في مجال حقوق الإنسان.