انتقلت جمعية الريف لحقوق الإنسان برئاسة شكيب الخياري للتحقيق في أحداث بني بوعياش السبت 10 مارس 2012، وقد أصدرت بهذا الصدد تقريرا مفصلا، تنفرد "فبراير.كوم" بنشره. "في سياق تقصي جمعية الريف لحقوق الإنسان حول ما وقع من أحداث ببلدة بني بوعياش ( تتواجد بإقليم الحسيمة شمال المملكة المغربية )، وما رافق ذلك من انتهاكات وتجاوزات وأضرار طالت العديد من المواطنات والمواطنين وممتلكاتهم، وبسبب تضارب المعطيات وشح المعلومات ذات الصلة، فقد تم تشكيل فريق من طرف الجمعية للتقصي في ما وقع من أحداث. وقد باشر عمله بالانتقال إلى عين المكان منذ يوم الجمعة 2 مارس 2012 و إلى غاية 11 منه، حيث استمع لجميع الأطراف ذات الصلة بالأحداث التي استطاع الوصول إليها من أجل تجميع أكبر قدر ممكن من المعلومات، من خلال اللقاءات المباشرة مع المتضررين، والفاعلين السياسيين والمدنيين ومعاينة الأضرار الناجمة عن الأحداث. وبعد الوقوف عند التقاطعات بين مختلف الروايات تمت صياغة كرونولوجيا الوقائع كما يلي : الجمعة 02 مارس أقدم مجهولون على اختطاف شخص يدعى البشير بنشعيب و هو من سكان بلدة بني بوعياش إثر خروجه من المسجد بعد صلاة العشاء، وتم نقله في سيارة عادية والاتجاه به إلى مكان مجهول. ما أدى إلى احتجاج الأشخاص الذين عاينوا الحدث وبعض شباب البلدة الذين نظموا مسيرة احتجاجية في اتجاه مخفر الدرك الملكي ببني بوعياش، واعتصموا بعد ذلك وسط الطريق الوطنية رقم 2 .
السبت 03 مارس أوردت وكالة المغرب العربي للأنباء، وهي وكالة رسمية، أن بشير بنشعيب كان « مبحوثا عنه منذ سنة 2004 للاشتباه في تورطه في ارتكاب عدة أفعال إجرامية منها على الخصوص تكوين عصابة إجرامية، وارتكاب خمسة اعتداءات، والسرقة، والضرب والجرح بواسطة السلاح الأبيض، والاتجار في المشروبات الكحولية".
الإثنين 05 مارس نظمت ساكنة البلدة مسيرة احتجاجية سلمية في اتجاه مدينة الحسيمة للمطالبة بتحقيق مطالب اجتماعية (غلاء فواتير الماء والكهرباء، انعدام المرافق الصحية، ... )، وكذا إطلاق سراح "بشير بنشعيب"، وهي المسيرة التي تم اعتراض سيرها في الطريق الرئيسية المؤدية إلى الحسيمة بنقطة "إيسلي" من طرف القوات العمومية. الثلاثاء 06 مارس تم تحويل مكان الإعتصام من وسط الطريق رقم 2 إلى مقر الباشوية التي تم إغلاق بابها بواسطة خيمة صغيرة. الأربعاء 07 مارس على الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، أقدمت القوات العمومية على فك معتصم الباشوية ومعتصم سابق بالمكتب الوطني للكهرباء تم تفعيله منذ ستة أشهر للمطالبة بمعالجة عدد من المشاكل الاجتماعية بالبلدة، ما أدى إلى تضامن عدد من سكان البلدة مع المعتصمين، وبالتالي دخولها في مواجهات باستخدام الحجارة مع القوات العمومية التي استخدمت القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه والحجارة والهراوات. وبعيد ذلك شرعت في تعنيف كل من وجدته في طريقها بكل أحياء بني بوعياش بدون أي تمييز. كما تم اعتقال العديد من شباب البلدة ومنهم بعض القاصرين. كما انتقلت عناصر من القوات العمومية إلى مختلف أحياء البلدة بما فيها الأحياء الهامشية بحثا عن المحتجين، حيث داهمت بعض المنازل بعد تكسير أبوابها ورافق ذلك نهب ممتلكات أهلها وإرهابهم مع استخدام ألفاظ نابية وعنصرية، وقد استمر هذا الوضع إلى غاية السابعة صباحا من يوم الخميس 08 مارس. الخميس 08 مارس أقدمت القوات العمومية على إغلاق مداخل ومخارج البلدة ابتداء من الساعة العاشرة صباحا، وانتشرت بكثافة في العديد من الأحياء، وشرعت في استفزاز الساكنة عبر سبهم وتهديدهم والاعتداء على بعضهم بالضرب، كما رفضت بعض العناصر من هذه القوات أداء ثمن ما تستهلكه داخل المطاعم والمقاهي، كما قامت ليلا بنهب الخضر والفواكه من الباعة في سوق البلدة. بعد الزوال نظم مجموعة من الشباب حلقية نقاش في مدخل البلدة حول الأوضاع القائمة تلتها مسيرة في اتجاه المركز، واجهتها القوات العمومية باستخدام خراطيم المياه والهراوات والحجارة، كما تم استخدام الغازات المسيلة للدموع ضد مجموعة من المحتجين قرب ثانوية الخوارزمي، وقد استخدم المحتجون في المقابل الحجارة للدفاع عن أنفسهم، ومع حلول المساء تم فرض حظر للتجول غير رسمي، وكانت عناصر من القوات العمومية تضرب بالحجارة كل من يقوم بفتح نافذة منزله مرفقا بالسب باستخدام عبارات نابية وعنصرية. وعلى إثر ذلك قام مجموعة من الشباب بخلق لجان محلية لحماية أحيائهم من الاقتحامات العشوائية التي تقوم بها هذه القوات. وقد عرف هذا اليوم حملة اعتقالات واسعة. واستمرت هذه المواجهات لغاية السادسة صباحا من يوم الجمعة 09 مارس.
الجمعة 09 مارس على الساعة الخامسة مساءا نظم شباب البلدة مسيرة احتجاجية على القمع والاعتقالات المتواصلة، تم تفريقها من طرف القوات العمومية باستخدام خراطيم المياه والهراوات والحجارة، ما أجج الوضع وأفضى إلى اندلاع مواجهات بين الطرفين استمرت بشكل متقطع إلى غاية فجر السبت. وقد أقدمت تلك القوات على إيقاف عدد من المواطنين ومعاملتهم بختلف أنواع التعنيف والإهانة من ضرب وركل و جرح وسب وشتم بكلمات بديئة وأخذ أغراضهم واعتقال عدد منهم. وانطلاقا من العاشرة ليلا اندلعت مواجهات في حي بوغرمان عرفت استخدام الغازات المسيلة للدموع من طرف القوات العمومية على نطاق واسع في مقابل الرد باستخدام الحجارة من طرف الشباب المحتجين.
التوصيفات الحقوقية لممارسات القوات العمومية : إن سلوكات الأجهزة الأمنية في تعاملها مع المواطنات والمواطنين بالمنطقة تعد ضربا من ضروب المعاملة القاسية التي تجرمها «اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة» (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة39/46 المؤرخ في 10 دجنبر 1984). وتعد هذه الممارسات مخالفة ل«مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين» (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 34/169 المؤرخ في 17 دجنبر 1979)، التي تنص موادها على ما يلي: المادة 1: « على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، في جميع الأوقات، أن يؤدوا الواجب الذي يلقيه القانون على عاتقهم، وذلك بخدمة المجتمع وبحماية جميع الأشخاص من الأعمال غير القانونية، على نحو يتفق مع علو درجة المسؤولية التي تتطلبها مهنتهم«. المادة 2: « يحترم الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين، أثناء قيامهم بواجباتهم، الكرامة الإنسانية ويحمونها، ويحافظون على حقوق الإنسان لكل الأشخاص ويوطدونها«. المادة 3: « لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وفى الحدود اللازمة لأداء واجبهم«. وتخالف تلك الممارسات الأمنية كذلك« المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة العمومية والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين» (اعتمدها مؤتمر الأممالمتحدة الثامن حول الوقاية من الجريمة ومعاملة المخالفين، والذي انعقد في هافانا بكوبا من 27 غشت إلى 7 سبتمبر 1999)، والتي تنص على ما يلي: أن يلجأ إلى استخدام الوسائل غير العنيفة أولا. لا تستخدم القوة إلا إذا كان ذلك ضروريا تماما. تستخدم القوة حصرا لتحقيق أغراض مشروعة في إطار إنفاذ القانون. لا يسمح بتقديم استثناءات أو أعذار لتبرير استخدام القوة على نحو غير مشروع. يكون استخدام القوة متناسبا دوما مع أهداف مشروعة. يجب ضبط النفس عند استخدام القوة. يراعى تقليل الأضرار والإصابات إلى الحد الأدنى.
كما أن طريقة اعتقال العديد من المواطنين ببني بوعياش تعد خرقا واضحا للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. وكذلك فإن أسلوب تعامل القوات العمومية مع المواطنين بالمنطقة أثناء الأحداث تجرمه الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
إن أحداث بني بوعياش وهي تطرح من جهة تعثر الدولة في الوفاء بالتزاماتها في النهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لمنطقة الريف، ومن جهة ثانية قضايا احترام حقوق الإنسان في التدبير الأمني للأحداث الاجتماعية والسياسية انطلاقا من التزامات الدولة ذات الصلة، تجعلنا في جمعية الريف لحقوق الإنسان، ونحن نتابع بقلق كبير ما ترتب عن تلك الأحداث من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان أن نوصي بما يلي:
توصيات : إطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية الأحداث التي عرفتها بني بوعياش. فتح سجل خاص لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة تدون فيه شكايات المتضررين من أعمال العنف المرتكبة من طرف القوات العمومية مع الشروع الفوري في إجراء أبحاث في شأنها، وإحالة نتائجها على القضاء المختص احتراما لمبدأ المساءلة ووضع حد للإفلات من العقاب. ضرورة إجراء تقييم شامل للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتخاذ التدابير الإدارية والتنموية الكفيلة بالاستجابة لمطالب وانتظارات المواطنين وبوضع مدينة بني بوعياش في سياقات المشاريع التنموية الشاملة بما يتناسب وجبر الأضرار الجماعية التي لحقت بالمنطقة جراء عقود الحصار والتهميش." الناظور، في : 10 مارس 2012