1- دواعي ضرورة انشاء الالية الوطنية لمناهضة التعذيب ان الهدف الاساسي من إحداث آلية وطنية لمناهضة التعذيب هو الانخراط في دينامية نشر الوعي بالمعايير الدولية لحقوق الانسان لدى المكلفين بانفاذ القانون كمرجعية اساسية لرقابة مدى امتثال السلطات المعنية للمبادئ القانونية والقيم الاخلاقية لمجموعة من الحقوق التي تمتع بها الفئات المحرومة من الحرية كالحق في الحياة والسلامة الجسدية والكرامة الانسانية. لقد قامت حوالي ستة عشرة منظمة غير حكومية بتقديم عدة توصيات بمناسبة اليوم الدراسي الذي عقدته المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، بتعاون مع جمعية الوقاية من التعذيب تهم الوزير الاول بتاريخ 27 شتنبر 2008 وتطالب فيها بالتصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية التعذيب وفتح تشاور مع الجمعيات غير الحكومية ومع الفاعلين المعنيين بخصوص إحداث آلية وطنية للوقاية من التعذيب . وتجب الاشارة الى ان هيئة الإنصاف والمصالحة قامت في اطار المهام الموكولة اليها بدراسة لحالات التعذيب وأشكالها ومراكز الاحتجاز بما فيها غير النظامية وحالات الأفراد المتوفين إثر هذا الاحتجاز. وأوضحت المقررات التحكيمية التي أصدرتها هيئة الإنصاف والمصالحة بخصوص هذه الحالات، جبر الأضرار ومسؤولية الدولة فيما حصل، وحددت حيثيات المقررات التحكيمية في: الاعتقال دون التقيد بالشروط والمساطر القانونية عدم توفر الضمانات المنصوص عليها في التسريع الو طني والمتعارف عليها دوليا عدم احترام مدة الحراسة النظرية وضوابطها كما سجلت تعرض ضحايا لانتهاك حقوقهم باعتبارهم مواطنين وأشخاص وما عانوه من سوء معاملة وتعذيب أثناء الاحتجاز أدى إلى انتهاك حقهم في الحياة، وفي السلامة الجسمانية... إن الرصيد الوطني الهام لمختلف الفاعلين في معالجة مختلف قضايا حقوق الإنسان، يستدعي وجود آلية وطنية مستقلة لمناهضة التعذيب و حماية الأشخاص المحرومين من حريتهم، بأقسام الشرطة،ومراكز قوات الأمن، واماكن الاعتقال، والسجون، ومراكز الأحداث، ومراكز المهاجرين، ومناطق العبور بالمطارات الدولية، ومراكز طالبي اللجوء، ومؤسسات العلاج النفسي، ومراكز الاحتجاز العسكري. إن إحداث آلية وطنية للوقاية، هو بمثابة تعاقد حقوقي بين مختلف المتدخلين في مجال حماية الأشخاص المحرومين من حريتهم باعتباره: تعبيرا عن نسق سياسي ومدني واجتماعي وثقافي يستند إلى تجربة التفاعل ما بين هيئات المجتمع المدني والمسؤولين السياسيين للإنكباب على قضايا الفئات المحرومة من حريتها؛ أداة هادفة تعطي مضمونا ملموسا للشراكة في مجال احترام حقوق الإنسان؛ رؤيا متفاعلة بين مختلف المتدخلين لبلورة مقاربة مشتركة لاحترام مبادئ حقوق الإنسان ؛ وسيلة لتقوية التماسك الاجتماعي والثقافي والنهوض بقيم التضامن؛ أسلوب وقائي في مناهضة الخروقات في أماكن الاحتجاز، كمجال يعرف توترات مستمرة بين المكلفين بنفاذ القانون في مراكز الاحتجاز والمحرومين من حريتهم. 2- مرجعية الالية الوطنية لمناهضة التعذيب اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1984 على اتفاقية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وهذه الاتفاقية التي دخلت حيز النفاذ في يونيه 1987، تعرف التعذيب "بأنه أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدي أو عقلي يلحق عمدا على يد شخص يتصرف بصفته الرسمية، أو بتحريض أو بتغاض، بقصد الحصول على معلومات أو على اعتراف، أو بقصد المعاقبة أو التخويف أو الإرغام، أو لأي أسباب تقوم على التمييز، ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها. وقد وضعت الاتفاقية الدولية مجموعة من المعايير لتحديد تعريف جريمة التعذيب: - إحداث الألم إن الألم هو معيار التفرقة بين التعذيب وما سواه من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وهو عنصر أساسي من العناصر المكونة للتعذيب بالمعنى المحدد في المادة الأولى. فمن حيث المبدأ تؤدي المعاملة اللاإنسانية أو القاسية، إلى التسبب بألم وإنما إلى معاملة معينة. أخذت بها الأممالمتحدة في المادة الأولى من الاتفاقية التمييز بين معاملة تنتج ألما أو عذابا شديدا وتكون مبررة. وأخرى غير مبررة، وقد أشارت لجان الرقابة والإشراف الاتفاقية المعنية بحقوق الإنسان إلى أن المعاملة اللاإنسانية تشمل على الأقل المعاملة التي تنتج عمدا ألما أو عذابا شديدا سواء أكان جسديا أم عقليا. والتي تكون في وضع محدد أو معين غير مبررة، الأمر الذي يعني أن هناك أغراضا أو غايات يستهدف الفاعل بلوغها من خلال تعمد التسبب بألم أو عذاب لا يكون مبررا. فقد أخذت اللجنة المذكورة بالاتجاه الذي يجعل من شدة الألم أو العذاب معيارا للتمييز بين المعاملة اللاإنسانية، بما في ذلك التعذيب، وبين أية صورة أخرى من صور المعاملة السيئة بما في ذلك المعاملة القاسية والمهينة. أما معيار التمييز بين التعذيب والمعاملة اللاإنسانية فيتمثل في الغرض المتوخى بلوغه أو تحقيقه من وراء السلوك. أشارت لجنة مناهضة التعذيب إلى الضرب بالكف، الحرمان من النوم والماء والغذاء، والحرمان من قضاء الحاجة. الإعدام الوهمي أو الصوري، الصدمات الكهربائية، وضع اكياس بلاستيكية فوق الرأس ولفها حول الرقبة، إدخال بودرة حارقة أو لاذعة في الفم، إطفاء السجائر في جسد الضحية وإدخال محلول حامض الكربون في فم الضحية ثم الضغط بشكل متزامن على بطنه. إن الاحتجاز في زنزانة معزولة بشكل انفرادي والحرمان التام من الاتصال بالعالم الخارجي بسبب آلالام تتوفر فيها جريمة التعذيب. ومن جانب آخر تنص المادة (1/1) من اتفاقية الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب على "... ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها". - توفر القصد الجنائي تناولت المادة الأولى من الاتفاقية صور القصد الخاص التي يعتد بها لقيام جريمة التعذيب: - الحصول على اعتراف من الضحية أو من شخص ثالث. - معاقبة الضحية على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث. - تخويف أو إرغام الضحية أو شخص ثالث أو التمييز لأي سبب من الأسباب. إن القصد الجنائي الخاص هو المعيار الأكثر أهمية في التمييز بين التعذيب من جهة وبين المعاملة اللاإنسانية أو القاسية من جهة أخرى، فلنأخذ على سبيل المثال لجوء رجال الأمن إلى القوة في سياق أدائهم لوظائفهم المناطة بهم إنفاذا للقانون مثل إلقاء القبض وفقا للقانون على شخص مشتبه بارتكابه جريمة ما. أو منع شخص محتجز قانونا من الهرب. أو الدفاع عن أحد الأشخاص من جريمة قد ترتكب بحقه أو من عنف قد يقع عليه. فاستخدام القوة في حالات من هذا القبيل ربما يكون مبررا، وربما يعد معاملة لاإنسانية، وعملية تقييم الحالة والوقوف على وصفها القانوني تعتمد في الأساس على ظروف معينة تحيط بحالة أو بوضع ما، وتتم العملية من خلال تطبيق مبدأ التناسب أو الملاءمة على الحالة. فإذا كان الألم والعذاب الشديد الناتج يستهدف تحقيق أية صورة من صور القصد الخاص المنصوص عليه في المادة الأولى من الاتفاقية وكان غير مبرر. والقصد الجنائي يرتبط في الأساس على التناسب بين الأساليب المستخدمة والهدف أو الغاية المرجو تحقيقها، وحينما يتم القبض على الشخص المعني أو احتجازه، يصبح فيها تحت السلطة الفعلية المباشرة لشخص آخر أو جهاز آخر، فإن أي استخدام للقوة أو للعنف غير المشروع بغية انتزاع اعتراف أو الحصول على معلومات أو لمعاقبته ضده قد يصل إلى حد التعذيب كما جاء في المادة الأولى من الاتفاقية. - عدم جواز التذرع بواجب الالتزام بأوامر الرؤساء يستنتج من نص المادة (2/3) من الاتفاقية أنه لا يجوز التمسك أمام المحاكم الجنائية من قبل مرتكبي التعذيب بأنهم كانوا ينفذون أوامر صدرت لهم من رؤسائهم أو من سلطة عامة للتحلل من المسؤولية الجزائية المترتبة عليهم. ينطوي نص المادة (2/3) ببنيته اللغوية الحالية على التباس شديد، فهو يشير إلى عدم جواز التذرع بالأوامر الصادرة عن الرؤساء كمبرر للتعذيب دون أن يتناول المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وقد شطبت الإشارة لهذه المعاملة أو العقوبة من النص أثناء الأعمال التحضيرية بناء على اقتراح من الولاياتالمتحدة، وبمفهوم المخالفة يوحي نص المادة (2/3) لأول وهلة بأن الحكم القانوني الوارد فيه ينحصر بالتعذيب. وإن الأوامر الصادرة عن الرؤساء ربما تكون مبررا لمعاملة أو لعقوبة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة، ولكن هذه القراءة اللغوية لنص المادة (2/3) تصطدم بعدد من العقوبات أهمها: 1- يصعب على المرؤوس أن يميز طبيعة سلوكه المأمور به ووصفه، وخاصة أن هناك خلافا حول تعريف وتحديد كل من التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. 2- إن القانون الدولي العرفي يحرم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة تحريما مطلقا، الأمر الذي يعني أن التفسير اللغوي المذكور لظاهرة النص سيقوض التحريم المطلق للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. - عدم الأخذ بالتقادم ونظام الحصانات تلزم المادة (4/2) من الاتفاقية بالمعاقبة على جريمة التعذيب بعقوبات تتناسب مع الطبيعة الخطيرة لها، كما أن العفو العام أو الخاص، والتقادم يعد من وجهة نظر اللجنة خرقا لأحكام المادة 2/4 من الاتفاقية. تضع اتفاقية مناهضة التعذيب التزاما شاملا على عاتق الدول الأطراف بمحاكمة المشتبه بارتكابهم ممارسات تعذيب منهجية أو فردية أمام محاكمها الوطنية دون أن تنص صراحة على استثناء من كان متمتعا منهم بالحصانة، ولذلك يستطاع القول أن الصفة الرسمية ليست مانعا مقبولا لعدم محاكمة مرتكبي جرائم التعذيب، خاصة وأن الاتفاقية تفترض في مادتها الأولى وقوع التعذيب من موظف رسمي، علاوة على أن الاتفاقية تشترط على الدول الأطراف تجريم التعذيب، وان تمارس بشأنه ولاية قضائية شاملة بما في ذلك الصلاحية العالمية، بغية حرمان الجناة من الإفلات من العقاب، ولهذا كله سيكون عسيرا، ومن غير المتصور التوفيق بين الاتجاه الذي تتبناه الاتفاقية بوجوب منع مرتكبي التعذيب أينما كانوا من الإفلات من العقاب وبين التفسير الواسع لحصانات الموظفين الرسميين. ولذلك يغدو حتميا لأغراض تطبيق الاتفاقية تفسير الأحكام القانونية العرفية التقليدية الخاصة بالحصانة تفسيرا ضيقا. وقد ألزمت هذه الاتفاقية الدول الأطراف، بأن تمتنع عن ممارسة التعذيب وأن تكفل المعاقبة قانونا على التعذيب، ولا يجوز التذرع بأي ظروف استثنائية، مبررا لوقوع التعذيب، كالحرب أو الطوارئ أو النزاعات الداخلية أو أية حالة أخرى من أجل تبرير ارتكاب التعذيب، كما لا يجوز إعفاء مرتكبي التعذيب، بحجة أنه يتصرفون بناء على الأوامر الصادر إليه من رؤسائهم. ومن منطلق، أن التعذيب يقترن بفترة الاحتجاز، ففي إطار الوقاية من ارتكاب جرائم التعذيب، تلتزم الدول الأطراف في اتفاقية مناهضة التعذيب بالإلتزام بالمعايير التالية: - التبليغ عن الاحتجاز حق الشخص المقبوض عليه في التبليغ عن احتجازه إلى شخص آخر يختاره هو بنفسه أو لأفراد أسرته؛ - حق الشخص المحتجز في الاتصال بمحام؛ - حق الشخص المحتجز في طلب فحص طبي موازي للفحص الطبي الذي يقوم به طبيب تستدعيه سلطات الشرطة؛ - توفر سجلات مركزية عن جميع المحتجزين وأماكن احتجازهم؛ - استبعاد الأدلة التي يتم الحصول عليها من خلال التعذيب أو غيره من أشكال؛ - تسجيل جميع تحقيقات الشرطة بالوسائل السمعية والمرئية للاستدلال بها عند الحاجة. 3 - نطاق تطبيق الالية الوطنية لمناهضة التعذيب يمكن اعتبار المادة 12 من الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب مرجعية اساسية لإجراءات التحقيق التلقائي بواسطة الالية الوطنية دون انتظار تقديم الشكاوى من الضحايا كلما ثبت لها وقوع أعمال تندرج في جريمة التعذيب وتقصي الحقائق بالاعتماد على شهادات الشهود والاستماع إلى الضحايا وإجراء فحوصات طبية وإجراء تحقيقات سريعة ونزيهة تقوم مع استجواب جميع الأشخاص الذين يتحملون المسؤولية في ارتكاب عمل من أعمال التعذيب من أجل الوصول إلى الحقيقة وعدم حماية الموظف الرسمي في حالة ارتكابه أو علمه أو إعطاء أوامره بارتكاب جريمة التعذيب. كما ان المادة 13 من الاتفاقية تضمن لأي فرد يدعي بأنه قد تعرض للتعذيب الحق في أن يرفع شكوى إلى الهيئة الوطنية المختصة والتي تنظر في حالته على وجه السرعة وبنزاهة، وينبغي اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان حماية مقدم الشكوى والشهود من كافة أنواع المعاملة السيئة أو التخويف نتيجة لشكواه أو لأي أدلة تقدم. ان الدولة المغربية ملزمة بمقتضى المادة 13 بأن تتخذ التدابير والإجراءات الضرورية التي تمكن ضحايا التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة من ممارسة حقهم في التظلم دون خوف من أي تهديد أو ترهيب من أي جهة كيفما كانت أو التعرض لعمل ثأري أو انتقامي بسبب ذلك، قد يمارس على الضحية أو أحد أفراد أسرته. وفي هذا الإطار، تتحمل الهيئة الوطنية مسؤولية الحماية الجسدية للضحايا والشهود وكل من يتوفر على أدلة تثبت ذلك، وتلتزم بإجراء تحقيق سريع ونزيه وتقصي الحقائق من أجل الوصول إلى كشف الحقيقة وتقديم المشتبه فيهم إلى القضاء للمتابعة الجنائية. اضافة الى ذلك فالالية الوطنية لمناهضة التعذيب قد تضمن بمفتضى المادة 14 من الاتفاقية حق الضحايا في الإنصاف والتعويض العادل، حيث تضمن إنصاف من يتعرض لعمل من أعمال التعذيب وتمتعه بحق قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب بما في ذلك وسائل إعادة تأهيله على أكمل وجه ممكن، وفي حالة وفاة المعتدى عليه نتيجة لعمل من أعمال التعذيب، يكون للأشخاص الذين كان يعولهم الحق في التعويض. ويبدو أن اتساع مجال الالية الوطنية لضمان الحق في الإنصاف والتعويض العادل كما جاء في المادة 14 له بعدين أساسيين يتعلقان برد الاعتبار بواسطة القضاء وجبر الضرر المادي والمعنوي. فالبعد الأول يتجلى في إلزام الدولة بتحريك الدعوى العمومية أمام القضاء ومتابعة المشتبه فيهم بالاستماع إلى الضحايا والشهود وجمع أدلة الإثبات وضمان المحاكمة العادلة من أجل إنصاف الضحايا بشكل يدعم العدالة الاجتماعية ومناهضة الإفلات من العقاب. والبعد الثاني يتجسد في ضمان الدولة لتعويض عادل ومناسب للضحايا وجبر الأضرار المادية والمعنوية وإعادة تأهيل الضحايا من أجل إعادة اندماجهم في المجتمع. وفي جانب آخر، ان مجال اشتغال الالية يرتبط ايضا بما جاء في المادة 15 من الاتفاقية من اجل بتكريس مبدأ عدم الاستشهاد بالأقوال المدلى بها نتيجة التعذيب، حيث تضمن كل دولة طرف عدم الاستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب، كدليل في أية إجراءات. إن المادة 15 تسري على الالية الوطنية بالعمل على الزام السلطات المعنية بعدم استخدام أقوال ضحية التعذيب كأدلة في أي إجراء من الإجراءات الجنائية وعدم الاعتراف بصحة الأقوال التي أخذت من الشخص نتيجة التعرض للتعذيب كدليل ضده لأن ذلك يتنافى مع روح العدالة الجنائية. 4 - الالية الوطنية في مجال الوقاية من التعذيب جاء اعتماد البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في دسيمبر 2002، في سياق برنامج عمل فيينا في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان لعام 1993، حيث أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة على أهمية البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في إحدى توصياتها بتاريخ 8 يناير 2002. يتضمن الباب الأول من البروتكول الاختياري، المبادئ العامة للالية الوطنية التي تروم وضع نظام وقائي من خلال القيام بزيارات لمراكز الاعتقال والاحتجاز بشكل منتظم من طرف هيئات دولية ووطنية، وذلك من أجل الدفع بالدول باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع جميع أشكال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. ويتبين أن البروتوكول الإضافي يسعى إلى الانتقال بالالية الوطنية من مرحلة "المناهضة" التي جاءت في مقتضيات الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب إلى مرحلة "الوقاية"، وذلك بتكريس آليات وقائية تتجسد في الزيارات الميدانية لأماكن الاعتقال والاحتجاز أو أي مركز آخر، قد يتواجد فيها أشخاص محرومون من حرياتهم، وتقديم تقارير عن ظروف الاعتقال بها وشهادات المعتقلين عن المعاملة بداخلها. ويتناول البروتوكول الاختياري المهام الموكولة لللية الوطنية التي تتجلى فيما يلي: - ضمان المساعدة الفنية والقانونية للدول الأطراف بشأن وضع وإعمال الآليات الوقائية الوطنية لمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية. - توفير التدريب وتعزيز القدرات الوطنية من أجل إعمال الآليات الوطنية لضمان حماية الأشخاص المحرومين من حرياتهم. - التعاون مع هيئة الأممالمتحدة، والمنظمات الدولية والإقليمية والوطنية وبخاصة ذات الصلة بقضايا مناهضة للتعذيب والوقاية منه، وذلك في سبيل تعزيز حماية الأشخاص من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وتجب الإشارة، إلى أن البروتكول الاختياري ألزم الدول الأطراف في المواد 12 إلى 15 باحترام مجموعة من المعايير الدولية التي تندرج في سياق احترام الإجراءات والمساطر الموكولة للالية الوطنية: 1- تسهيل الزيارات لأماكن الاعتقال أو الاحتجاز تلتزم الدول الأطراف باستقبال اللجنة فوق أراضيها، وتضمن إجراءات تسهيل زيارة أماكن الاحتجاز وفق مقتضيات المادة 4 من البروتوكول، وذلك من منطلق احترام اختيار اللجنة بكل حرية للأماكن التي ترغب في زيارتها، بما فيها مراكز الاعتقال أو الاحتجاز (المادة 14 الفقرة 1). وبناءا على ذلك، لا يمكن للدول الطرف أن تختبئ وراء أي مبرر، لرفض أو عدم تقديم التسهيلات الضرورية لزيارات لمراكز الاعتقال وأماكن الاحتجاز، سوى في حالة واحدة، إذا كانت الأماكن تندرج في إطار المجال المحفوظ للدولة كالدفاع الوطني. 2- تسهيل تنظيم اللقاءات مع المعتقلين تلتزم الدول الأطراف بتقديم التسهيلات الضرورية ، لعقد اللقاءات التي تعزم تنظيمها مع جميع الأشخاص المتواجدين داخل السجون أو مراكز الاعتقال بشكل مباشر وبدون حضور أي طرف آخر، سوى في حالة إذا ما استدعت الضرورة وجود مترجم عند الحاجة، كما تلتزم الدول الأطراف تلبية طلب بإحضار أي شخص يمكن أن يقدم معلومات أو إفادات تندرج في سياق موضوع الزيارة. 3- تقديم المعلومات والإفادات تلتزم الدول الأطراف بإعطاء جميع المعلومات المتعلقة وضعية الأشخاص المحرومين من حريتهم داخل السجون ومراكز الاعتقال، والتي تهم معرفة أعدادهم وبأماكن اعتقالهم أو احتجازهم وملفاتهم الطبية، وغير ذلك من الإفادات التي تعتبر ضرورية من أجل دراسة وتقييم أوضاعهم داخل السجون والمعتقلات. 4- حماية الشهود تلتزم الدول الأطراف وفق مقتضيات المادة 15 من البروتكول الاختياري، بضمان حماية الشهود من أي متابعات قضائية أو تهديدات قد تستهدف ترهيبهم أو تخويفهم أو المساس بسلامتهم الجسدية من أجل منعهم من تقديم المعلومات أو الإفادات التي تعتبر ضرورية من أجل دراسة وتقييم الأوضاع داخل السجون والمعتقلات. ينص البرتوكول الاختياري الملحق باتفاقية التعذيب على إحداث آلية وطنية للوقاية، بهدف زيارة أماكن الاحتجاز باعتبارها بؤرة محتملة، وباستمرار للمس في الحق في الحياة، في السلامة الجسمانية و التعذيب وأنماط المعاملات الحاطة بالكرامة الإنسانية.. إن البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية التعذيب لا يحدد شكل الآلية، كما أن التصديق عليه لا يعني التزام الدولة، باعتبارها فاعلا أوحد، بل يتوجب على الدول الأطراف في هذا البروتوكول، القيام بتشاور مع مختلف الفاعلين، وخاصة منهم الجمعيات الغير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان لإحداث هذه الآلية الوطنية الوقائية والأساسية..والجدير بالإبراز أن الزيارة والتي تتم بشكل منتظم أو مفاجئ لمراكز الاحتجاز ليس لها هدف احترازي فقط ولكن كذلك لمعرفة أشكال الممارسات والمعاملات في حق الأشخاص المحرومين من حريتهم . 5- تكوين و خصائص الهيئة الوطنية لمناهضة التعذيب إن المادة 17 من البروتوكول الاختياري تضع مجموعة من المحددات الأساسية للهيئة الوطنية، والتي تخص الاستقلال الوظيفي، الخبرة الملائمة والمعرفة المهنية والموارد المالية. أ- الاستقلال الوظيفي: ان الاستقلال الوظيفي هو عنصر أساسي يمكن الآلية الوطنية من القيام بمهامها بكل موضوعية و استقلالية عن سلطات الدولة وهو ما يستدعي: توفرها على أسس قانونية واضحة سواء بمقتضى الدستور أو طبقا لقانون مصادق عليه من طرف البرلمان؛ تمتعها بكافة الصلاحيات في صياغة قواعدها وإجراءاتها؛ تمتعها باستقلالية كاملة عن السلطات التشريعية والتنفيذية و القضائية والمؤسسات العمومية؛ خضوعها لإجراءات شفافة في مسالة تعيين أعضائها و الاجراءات المتعلقة بالعزل وإجراءات الطعن. ب- القدرات والخبرة الملائمة والمعرفة المهنية: ان الكفاءة هي عامل اساسي يضمن نجاعة الالية الوطنية في تحقيق اهدافها وهو ما يستوجب : توفر أعضاء الهيئة الوطنية على القدرات المهنية والمعرفية في مجال مناهضة التعذيب والحرمان من الحرية؛ تحقيق التوازن في النوع الاجتماعي وتمثيله التعددية الثقافية للمجتمع. تشكيل الهيئة الوطنية من فعاليات تنتمي الى حقول معرفية ومجالات معنية بمناهضة التعذيب كالمحامين، والأطباء في مختلف التخصصات كالطب الشرعي و الطب النفسي، والاساتذة المتخصصين في قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ، والمهنيين المكلفين بانفاذ القانون والمسؤولين عن السجون وممثلي المجتمع المدني. استاذ القانون الدولي بكلية الحقوق بمراكش