أمعن النقيب السابق محمد زيان كثيرا في تكذيب محتوى الشريط الإباحي المنسوب له بمعية الشرطية المعزولة وهيبة خرشش، وكان كلما سأله الصحافيون عن صحة ومحتوى هذا الشريط يلوذ بالإنكار، بل إنه كان ينفي حتى إقامته بالفندق الذي شكل "مسرحا" لتهمة الخيانة الزوجية والمشاركة في إعطاء القدوة السيئة لقاصر، التي أشهرتها في وجهه النيابة العامة بالرباط. أكثر من ذلك، كان النقيب السابق يسرف في وصف الشرطية وهيبة خرشش ب"الضابطة المحترمة"، وهو الأمر الذي حدا بالبعض إلى اعتبار هذا "النعت" بمثابة ضرب من ضروب "الإنكار المتقدم" أو "النفي الاستباقي" لكل من يحاول اتهامه بمساومة موكلته على "الجماع قبل الدفاع"؛ أو بتعبير آخر كان ذلك بمثابة محاولة من النقيب السابق لسد الذريعة أمام كل من ينسب له الارتباط بوهيبة خرشش خارج الإطار المشروع. لكن ما بين النفي الإعلامي وبين المساطر القضائية تبرز ملامح الحقيقة التي ضمنها ضباط الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في المحاضر والإجراءات المسطرية المحالة على النيابة العامة، والتي رشحت بكثير من الحقائق التي كان ينفيها النقيب السابق في جميع خرجاته الإعلامية. الجناح رقم 1118 تقول محاضر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية إن محمد زيان هو الذي استأجر الجناح 1118 بمؤسسة فندقية بالرباط، الذي سيشكل لاحقا "مسرح الجريمة" لعدد من التهم المنسوبة إليه، وتحديدا "المشاركة في الخيانة الزوجية والمشاركة في إعطاء القدوة السيئة لطفل قاصر". ويعزز محققو الضابطة القضائية خلاصاتهم بأن هذا الجناح الفندقي استغلته وهيبة خرشش ليومين بينما قضى فيه محمد زيان ليلة واحدة بتاريخ 17 نونبر من سنة 2018. وقبل أن يشرع ضباط الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في استجواب محمد زيان حول هذه النقطة بالتحديد، قاموا بتوسيع دائرة البحث لتجميع القرائن والأدلة التي قد تطوق الحقيقة، وتطوع النقيب الناكر لكل علاقة مشبوهة مع الشرطية المعزولة. وكانت أولى هذه الإثباتات هي الشيك البنكي الشخصي الذي سددّ به محمد زيان نفقات الجناح 1118، بينما تم استخراج فاتورة الأداء باسم موكلته وهيبة خرشش. وفي سياق متصل، أدلى المحققون بنسخة من بطاقات الولوج إلى الفندق مذيلة بتوقيع محمد زيان ووهيبة خرشش. والضباط يدركون جيدا أن كل زبون في مؤسسة سياحية مطالب بتعبئة استمارة شخصية قبل الولوج إلى غرف الفنادق، لذلك قاموا بتحصيل هذه الاستمارات التي أكدت أن النقيب السابق والشرطية المعزولة طلبا معا الجناح نفسه! وإمعانا في الدليل، قدمت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية خبرة خطية أنجزها خبراء تحقيق الخطوط بمختبر الشرطة العلمية والتقنية، تؤكد أن هذه الاستمارات صحيحة وتتضمن بالفعل الخصائص الخطية لكل من محمد زيان ووهيبة خرشش. ويبدو أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية كانت تدرك جيدا أن محمد زيان رجل مشاكس وقوي العناد، وأنه لن يعترف بالسهولة المتصورة، لذلك بادرت بإجراء خبرة تقنية ووجهت انتدابات لشركات الاتصالات للكشف عن التموقع الجغرافي لهاتف وهيبة خرشش ومحمد زيان خلال ليلة 17 نونبر 2018 التي تم فيها تأجير الجناح الفندقي المعلوم؛ فكانت النتيجة مرة أخرى قطعية، وهي أن النقيب والشرطية السابقة كانا يجريان معا اتصالاتهما من المكان نفسه ولساعات طويلة. ولم تقف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية عند هذا المستوى من الخبرة التقنية، بل استمعت إلى السائق الخاص للنقيب السابق الذي قال إنه هو من تكفل بنقل مشغله والشرطية وهيبة إلى الفندق، مؤكدا أن لقاءهما كان بمحطة القطار بالرباط على إيقاع تبادل للقبل في تحية دافئة، قبل أن ينقلهما إلى المؤسسة الفندقية ويغادر بطلب من النقيب السابق. هذا الأخير في معرض البحث معه أمام الضابطة القضائية "اعترف بأنه دخل فعلا إلى الجناح 1118 بدعوى مساعدة وهيبة خرشش التي قال إنها تعرضت للسرقة!!"؛ وذلك قبل أن يختار الصمت ويرفض الجواب عن باقي أسئلة المحققين الذين واجهوه بكل ما حصلوا عليه من إثباتات، أكدت أنه يعرف جيدا الفندق والجناح 1118 رغم أنه ظل ينكرهما في جميع تصريحاته الإعلامية المتواترة. وهيبة خرشش.. موكلة فوق العادة خلصت الأبحاث والتحريات التي باشرتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية إلى تشكيل قناعة راسخة مؤداها أن "الشرطية السابقة لم تكن مجرد موكلة عادية"، وأن "ما يربطها بالنقيب السابق يتجاوز حدود العلاقة المهنية بين المحامي وموكله". ومن بين الأدلة الكثيرة التي قدمها المحققون على هذه القناعة هي تلكم السيارة الزرقاء التي اقتناها النقيب السابق لموكلته الخاصة. فبعد أقل من أسبوعين من واقعة الجناح 1118، ستقدم الفرقة الوطنية للشرطة القضائية نسخة من شيك جديد يثبت أن النقيب السابق هو من اقتنى بماله الخاص سيارة زرقاء اللون لفائدة موكلته وهيبة خرشش في 30 نونبر من السنة نفسها. أكثر من ذلك، ستفيد شهادات الشهود بأن محمد زيان هو من سدّد ثمن أول مخالفة للسير ارتكبتها الشرطية المعزولة وهي تستخدم سيارتها الجديدة. وبلغة الأرقام، وباحتساب عدد الأيام، فقد أوضحت تحريات الشرطة القضائية أن اقتناء السيارة الزرقاء كان على بعد 12 يوما فقط من مبيت وهيبة خرشش ومحمد زيان معا في الجناح 1118 بالفندق المصنف الموجود بمدينة سلا. وفي سياق ذي صلة، ودأبا على عادتها في البحث والتحري، لم تستمع الفرقة الوطنية للشرطة القضائية مباشرة إلى النقيب السابق، وإنما استمعت في البداية إلى مسير وكالة بيع السيارات الذي تعاقد معه النقيب السابق على هذه الطلبية الخاصة جدا؛ والذي شدد في محضر أقواله على أن محمد زيان قدم له وهيبة خرشش بصفتها "المدام"، وهو من سدد قيمة السيارة بواسطة شيك بنكي شخصي، بينما تم توثيق عقد الملكية في اسم الشرطية وهيبة خرشش بعدما عاينت السيارة وأغرمت بها. وقبل مواجهة محمد زيان بهذه المعطيات، تم الاستماع مرة أخرى إلى سائقه الشخصي الذي كان قد تكلف بإجراءات البيع وتسليم الشيك مقابل السيارة، والذي جاءت تصريحاته متطابقة مع نتائج البحث ومع خلاصات الانتداب الموجه إلى المؤسسة المصرفية المحسوب عليها شيك السيارة، وكذا مع جواب الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية بخصوص وضعية المخالفات المرورية المسجلة على السيارة الزرقاء المملوكة للشرطية المعزولة. وكعادته في التعامل مع أسئلة المحققين، تشبث المحامي محمد زيان بالتزام الصمت بدعوى أنه "لا يتذكر هذه المعطيات"!؛ وكان هذا هو الجواب "المعياري" الذي ظل يردده على مسامع ضباط الفرقة الوطنية للشرطة القضائية كلما واجهوه بأدلة أو إثباتات يتعذر عليه تبريرها أو تقديم أجوبة منطقية عنها. لكن رغم كل هذا الإنكار الممنهج الذي تدثر به النقيب السابق في محاضر أقواله، يبقى من المؤكد أن علاقته المشهودة بالشرطية السابقة وهيبة خرشش لم تكن علاقة عادية في حدود الروابط المهنية المقبولة؛ لأن المحامي لا يقتني لموكلته سيارة بقيمة 180 ألف درهم، ولا يسدد ثمن مخالفاتها المرورية، ولا يقيم معها بأجنحة فنادق مصنفة...