سمات الجفاف هي تربة منشقة، حقول جافة وأسرة أنهار يابسة، وهذه الظاهرة ليست بجديدة البتة في المملكة، حيث نتعامل معها منذ زمن سحيق، لذلك يجب مساءلة المسؤولين على هذا القطاع لأكثر من عقد، أين هي التدابير الاحترازية بغية التصدي لهذه الكارثة التي نحن نعيش تحت رحمتها منذ مدة بدون أن تجد الوزارة الوصية حلول ناجعة؟ لأن كوارث الجفاف تشكل خطرا مدقعا على الإنسان والحيوان، وانتبه الملك الراحل الحسن الثاني لهذه المعضلة منذ أكثر من 40 سنة، إذ حث على ترشيد وإدارة المياه بطريقة عقلانية، في ذلك الحين لم يولي العالم أي أهمية لهذا القطاع المصيري. لأن ندرة المياه تسبب أضرارا لا يمكن إصلاحها كانجراف التربة، التصحر والضغط على المدن جراء تصاعد الهجرة القروية، حسب بعض الإحصائيات أكثر من 60 مليون نسمة تعاني من الجفاف في العالم، بالأخص في الدول الفقيرة، 6 مليون يعانون من الجوع وسوء التغذية في إفريقيا الشرقية و 16 مليون معرضون للمجاعة، وهذا راجع في الأساس لتغير المناخ الذي لم يهبط من السماء كالصاعقة، ولكنه في جوهره من صنع الإنسان. الجفاف يجلب لا محالة الجوع والفقر، والنمو السكاني في العالم، بالأخص في دول الجنوب، سيترجم إلى زيادة طلب المواد الغذائية والماء الصالح للشرب في السنوات المقبلة، ومن الضروري أن تدرس الوزارة الوصية منذ الآن هذا المعطى قصد إرساء استراتيجيا معينة بغرض التحديد والتدقيق في احتياجات الأجيال المقبلة، لأن تضاعف عدد السكان في المغرب وارد بقوة، ومن اللازم التخلي عن التهور، الرعونة وعن العيش من لحظة لحظة، كما يجب أن ندرك أن المواد الغذائية الأساسية كالقمح، الذرة والحبوب الأخرى تحتاج إلى كمية هائلة من الماء، وهكذا هي معرضة للجفاف أكثر من غيرها، تقريبا %20 من قمح العالم يزرع في مناطق مهددة دوما بالجفاف. خسائر الحصاد تصيب بقسوة بالأخص المزارعين الصغار، من ناحية، لا يمكن أن يضمنوا لقمة العيش لهم ولذويهم، ومن ناحية أخرى ترتفع أسعار المواد الغذائية، والفقراء منهم يجدون صعوبة كبيرة في دفع ثمن هذه المواد ويعانون الجوع، بينما البعض منهم يسقطون في براثين الفقر والحاجة، وهكذا تهدد أسعار المواد الغذائية التقدم التنموي الذي حقق في السنوات الماضية، وتغير المناخ يؤدي إلى تفاقم الأوضاع سوءا، وتكثيف وإطالة أمد المعاناة، ويتحول إلى عقبات صعب تخطيها من أجل التغلب على الجوع والفقر، لذا يجب أن تقوم الوزارة الوصية بدورات تدريبية مجانية قصد تحسيس المزارعين بهدف استعمال طرق زراعة جديدة قليلة التكلفة ولا تحتاج إلى كمية كبيرة من الماء، كما حصل في السنغال ودول إفريقية أخرى، وتربية المواشي بطريقة أفضل وأنجع، والاستعانة بخبراء دوليين بارزين متخصصين في شبكات الري الحديثة، وبالأخص تحلية ماء البحر. حتى لا نفاجئ ببشاعة المشهد المقرف الذي حصل أخيرا في سوق أسبوعي بضاحية القنيطرة، لما أجهز مواطنون من جميع الأعمار على ممتلكات الغير بطريقة بدائية ومرفوضة، لا تبررها لا المضاربة، لا الأسعار المرتفعة ولا الحاجة أو الفقر، مع الأسف فهذه الواقعة تطفو تارة على السطح وتختفي، لكي سرعان ما ترجع بقوة، لم ننسى سرقة الجرحى إثر فاجعة قطار بوقنادل في 2018 أو سرقة أضاحي العيد سنة 2020 التي جابت وسائل الإعلام في العالم بأسره، هل هذه الشريحة لا تعترف بالقيم الكونية؟ كيف يمكن لنا أن نعيش ونتعايش مع بعضنا بدون ثقة متبادلة التي من الضروري أن تمتد لجميع مناحي الحياة؟ في الحاضر والمستقبل، بغض النظر أن سرقة الخضروات، الفواكه واللحم جرم من الناحية القانونية، والمسؤولية مشتركة، لا من ناحية المستهلك أو من ناحية صاحب السلعة الذي يحلف، يزعم أنه يبيع لك خصيصا هذه البضاعة بأقل مبلغ، تم تكتشف من بعد في نفس السوق أن آخرين يبيعون نفس المنتوج بسعر أقل وبإتقان أكبر، كما ستلاحظ أن الجميع يسوقون لنفسهم أنهم أولياء الله والرسول، شرفاء، في حين أنهم يمتهنون الكذب، النصب والاحتيال، وهؤلاء المواطنون لم يجيئوا من فراغ، ولكن من وسط المجتمع المغربي، وهذا راجع في الأساس للمدرسة المغربية التي لا تلقن القيم للناشئة كما يحصل في مجتمعات متقدمة كالدانمرك مثلا، حيث يدربون صغار السن منذ الروض على مزايا الثقة المتبادلة واحترام الآخر. القيم هي التي ستحل محل الأعراف الاجتماعية، لأن القيم هي التي تضمن السلم الاجتماعي، الأمن والطمأنينة، هي لحمة المجتمع ووحدة صفه، وهي التي ستلعب دور الهيكل التنظيمي، يمكن اعتبار القيم المشتركة شرطا هاما من أجل تحقيق التعايش السلمي في كل مرافق الحياة، لأنه ما قام به المواطنون والمواطنات في السوق الأسبوعي سالف الذكر ثورة الذات الرافضة للحق في الحياة للآخر.